الشهيد محمد بيلوني
بعد استشهاد لؤي واعتقال والده العجوز، لوحق أخوة لؤي، فما كان من أخيه محمد (مواليد 1960) إلا أن يلتحق بالمجاهدين..
كان محمد متديناً بالفطرة، وكان ينظر إلى أخيه لؤي على أنه قدوة يقتدي به ويقلده في سلوكه منذ صغره، وعندما أنهى دراسته في المرحلة الابتدائية، انتقل إلى العمل مع أبيه وأخيه لؤي خياطاً، وكان يسمع من أخيه ما يسمع ويتأثر به، وكثيراً ما حدث أخاه عن أحلامه في الجهاد ومقاتلة هؤلاء الكفار الذين يحكمون البلد بلغظة وقسوة. فيرد عليه لؤي: لكل أجل كتاب يا أخي. وسوف يأتي اليوم الذي يحمل الشعب كله السلاح في وجه حافظ أسد وعصاباته المجرمة.
قال محمد: إنهم يتمكنون.. فهل تنتظر حتى يصفوا كل الطيبين في الجيش ودوائر الدولة؟...
ويرد لؤي: هوّن عليك يا أخي، وعليك أن تستعد نفسياً ليوم اللقاء، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموه فاثبتوا.. إذن علينا أن نستعد نفسياً، ونعود أنفسنا على الصبر في الشدائد، حتى إذا ما لقينا أعداء الله، صبرنا في مواجهتهم، ولم نأبه لرصاصهم ولا لتدميرهم ولا لسجونهم ولا لجلاديهم...
قال محمد: كيف؟
قال لؤي: تحافظ على الفرائض والنوافل والسنن، وتأخذ نفسك بالعزائم، وتدعو إلى الله على بصيرة، بلسان عفيف نظيف، لا يعرف السباب والشتائم ويبتعد عن الغيبة والنميمة والبهتان والتجريح.
قال محمد: توكلنا على الله.
فردّ عليه لؤي: وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
وعندما دعي إلى الخدمة الإلزامية عام 1979م شجعه لؤي وقال: هذه فرصة عظيمة يا أخي يجب أن نستفيد من كل لحظة فيها، كل لحظة يجب أن تقضيها بالتدريب وحسن استخدام السلاح، حتى تكون ماهراً في الرمي وفي سائر استخداماته، ويجب أن تتعرف على أنواع الأسلحة والذخائر، لتفيد إخوانك في يومٍ ما... ولعله يكون قريباً..
وكانت خدمته في قوات الردع بلبنان مفيدة جداً..
وعندما استشهد أخوه لؤي وأحسّ بالخطر، كان على أكمل استعداد للمواجهة.. فقد احتاط لنفسه ثم اتصل بالمجاهدين الذين رحبوا به أعظم ترحيب:
- لقد طال انتظارنا لك يا محمد.
- لقد قال لي أخي: لكل أجل كتاب..
- صحيح.. والآن ماذا عندك؟
- عندي الخبرة في السلاح، والقدرة على التمويه والتنقل دون أن ألفت انتباه أحد إليّ.. عندي روحي أقدمها متى تشاؤون.
قال قائد المجموعة:
- فيك ملامح لؤي يا محمد.. فيك طيبته وجرأته.. فيك وعيه وصراحته..
قال محمد:
- أرجو أن يكون فيَّ إخلاصه لله وفدائيته.
وينتقل محمد من قاعدة إلى أخرى، حتى استقر الرأي أن يجعل من بيته قاعدة، ومن زوجته وطفلته غطاء، ومن أخيه الصغير عمار عيناً لهم ومراسلاً.. وكذلك كان..
ويشترك محمد في بعض العمليات، ويؤدي بعض الخدمات، ويقوم ببعض المهمات التي يكلفه بها مسؤوله، إلى أن كان اليوم السابع والعشرون من حزيران 1980م وكانت عين أحد المخبرين الجواسيس قد وقعت عليه وهو يدخل بيته (القاعدة)، فوشى به إلى السلطة المجرمة التي داهمت البيت ليلاً بأعداد كبيرة، واستطاع محمد اللجوء إلى مخبئه ويقتحم الزبانية البيت، بعد أن دمروا بابه بعدة قذائف من الآر بي جي، ويضربون زوجته وطفلتها وأخاه الصغير عماراً من أجل أن يدلوا عليه، ولكنهم يصرون على أنه ليس في البيت، ويحتل المجرمون البيت، ويتخذون لأنفسهم مواضع مهمة على السطوح وفي صحن الدار وفي كل غرفة، حتى لا يفلت منهم هذا الأسد.
ويشتد المخبأ على محمد، ويحس أنه يكاد يختنق، فيخرج منه، ويشتبك مع المجرمين الذين لم يمهلوه حتى أردوه صريعاً أمام زوجته وطفلته وأخيه الصغير، ثم أخذوا جثته الطاهرة، واقتادوا زوجته وطفلتها وأخاه إلى فرع المخابرات العسكرية، ويحقق معها المجرمان: العقيد مصطفى التاجر رئيس الفرع، والنقيب الطائفي الحاقد حسن خلوف، ويأمران الجلادين بضربها وضرب عمار، بل لا يتورع المجرمان أن يضرباهما بأيديهما القذرة..
رحم الله محمداً وحفظ له ابنته عائشة، وستر زوجته المجاهدة الصابرة، ورعى أخاه الصغير عماراً، فلعله يخلفه في أهله وولده، ويكون مثله في جهاده وشجاعته.. وصبر والديه الكريمين اللذين قدما شهيدين وشبلاً ثالثاً ما زال في المعتقل مع والده، وصبراً آل البيلوني، فإن موعدكم الجنة بفضل الله وكرمه.
وسوم: العدد 706