فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة
فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة نموذج العالم الراسخ القدم في العلم والمفكر المؤهل لتوجيه وتسديد وترشيد الحوارات المجتمعية
لاشك أن انخراط فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة في ما يعرفه مجتمعنا من حوارات مجتمعية يدعو إليها ما يجد في حياتنا من جديد وطارىء ومصدر أو مسوق من عند الأغيار يعتبر خطوة جد هامة في طريق توجيه وترشيد وتسديد تلك الحوارات كي تؤتي أكلها على الوجه الأمثل . وأرى فضيلته وهو يشارك في تلك الحوارات التي تتناول قضايا مجتمعية في غاية الخطورة والحساسية خصوصا ما تعلق منها بالأسرة ،وهي نواة المجتمع، وصمام أمانه بمثابة الحكم في رياضة كرة القدم، ذلك أن الحكم في هذه اللعبة يسهر على توجيه اللاعبين وتسديدهم وترشيدهم من خلال حرصه على تطبيق قواعدها الضامنة لسلامتها . وقد يحصل أن يحتج أطراف اللعبة على بعض ما يتخذه من قرارات ، وقد تسائله أحيانا الهيئات العليا المشرفة على تلك اللعبة ،ولكن لا شيء ينال من مكانته كحكم مرشد لا تستقيم اللعبة دون وجوده . ومع تقديري لأهل العلم لأنهم حكام جد لا حكام لعب ولهو، ارتأيت أن أشبه عالمنا الجليل الذي نعتز به كثيرا بحكم لعبة كرة القدم ، وأنا على يقين أن هذا التشبيه لن يغضبه، بل لو التمسنا رأيه في هذه اللعبة لفاجأنا كعادته ودأبه بما لا يخطر على بال، لأنه رجل موسوعي الثقافة مخضرم التكوين لا يفوته نوع من أنواع المعرفة ، وهو خبير بشؤون الحياة ،وقد أهله لذلك تكوينه وعصاميته الفذة . وما أحوج أوراش الحوار المجتمعي إلى حكام يديرونها ، وهي أوراش انطلقت في مجتمعنا في مثل هذا الظرف التاريخي بالذات ، وهو ظرف يمر فيه العالم أجمع من طور إلى طور آخر جديد سيكون لا شك انتقالا حضاريا يدونه التاريخ البشري ليكون رهن إشارة أجيال قادمة .
ومن نضج الوعي المجتمعي عندنا أن تفكر كثير من جمعيات المجتمع المدني حين تقدم على فتح أوراش الحوار المتعلق بقضايا مجمتعية استدعاء علماء ومفكرين في حجم فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة . وأكاد أجزم أن الساهرين على هذه الأوراش حين يفكرون في إشراك هذا العالم الجليل فيها يدركون جيدا قيمة مساهمته الفكرية والعلمية . ولقد سبق لفضيلته أن شارك في لقاءات متعددة المشارب، وكانت دائما مشاركاته وازنة، بل كانت دائما بمنزلة الواسطة من العقد ، ترقى بمستوى الحوار إلى أعلى المراتب . ومعلوم أن الناس عندما يحضرون حوارات ولقاءات تتناول قضايا معاشهم يحرصون أشد الحرص على معرفة وجهة نظر الدين والشرع فيها لحرصهم على حسن تدينهم وعلى علاقتهم بخالقهم لأنهم إنما يخوضون غمار الحياة بقناعة مفادها أنهم يمتحنون ويختبرون فيها ، وأنهم سيساءلون وسيحاسبون وينالون جزاءهم في حياة أخرى. ويجد هؤلاء الناس ضالتهم في علماء الدين وهم حراس العقيدة وحكامها . وفضيلة العلامة الأستاذ بنحمزة يلعب دائما دورا كبيرا في تحقيق طمأنينة الناس من خلال إخضاع ما يعترضهم من قضايا في حياتهم لنظرة الدين إخضاعا شرعيا علميا انطلاقا من موقعه العلمي ومن خبرته ، وهو الذي يرفع دائما شعار: " اتركوا الأمور لأهلها " وهو يرفض أن يخوض من لا يعلم فيما لا علم له به . ولقد تابعت مداخلاته في شتى اللقاءات والندوات ذات الصلة بقضايا المجتمع المختلفة ، ولاحظت كيف يؤسس تدخلاته على أسس ثابتة من العلم والمعرفة قد تفاجىء أحيانا بعض أهل التخصص في ميادين خاصة حين يكتشفون لأول مرة أن دين الإسلام يؤطر الحياة بكل ما فيها ولا يفوته شيء منها كما يحلو للبعض أن يعتقد أو يزعم ، ولا تحصل لهم هذه القناعة إلا بعد مداخلات فضيلته الذي يفتح عيونهم على آفاق كانوا لا يعرفونها من قبل . وكثيرا ما يتعجب من يتابع تدخلات فضيلته من كشفه عن معارف إسلامية ذات صلة بحياة الناس وهم يجهلونها أو لا يخطر ببالهم أن تراثهم قد ألم بها بدقة متناهية . ولقد استفادت ميادين مختلفة من أفكار وآراء فضيلته التي تربط دائما الناس بدينهم وبخالقهم . وإن تدخلات فضيلته تحرر الناس من عقد الشعور بالنقص أمام الأغيار ، ذلك أن بعض الناس في بعض المجالات أو التخصصات يعتقدون أن الحقيقة الوحيدة الموجودة بلا منازع هي ما عند هؤلاء الأغيار، وأن دين الإسلام لا يرقى إلى ما عندهم ، ولا يمكنه مسايرته إلا أن فضيلة العلامة يفند ذلك بما آتاه الله من فكر ثاقب وعلم رصين ، وطريقة في غاية البراعة حين يجادل ويناقش بحجج دامغة مقنعة لا يمكن أن تدحض أو ترد .وآخر مشاركة لفضيلته كانت بمدينة طنجة في ملتقى تناول قضية اجتماعية في غاية الأهمية والخطورة وهي قضية مرتبطة بالنسب والبنوة . ولقد كفى وشفى فضيلته حين ذب عن النسب والبنوة الشرعيين بحجج قوية دامغة تبطل ما يراد بالنسب والبنوة من ابتذال تسويقا لأفكار دخيلة يعتقد فيها من يلوحون بها ويروجون لها الصواب، بل يتعاملون معها بتقديس ،و يدينون كل من يكون له مجرد تحفظ عليها ، وهي بالنسبة إليهم من قبيل المسلمات أو البدهيات التي لا ترد، علما بأن مثل هؤلاء يتعاملون مع الحقائق الدينية الثابتة بكثير من التشكيك في مصداقيتها . ولقد أثبت فضيلته في مداخلته بمدينة طنجة أن الكلام في موضوع النسب والبنوة يجب أن يكون من داخل القناعة بالانتماء الإسلامي لا من خارجه ، لأن كل تناول له من خارج القناعة الإسلامية لا يستقيم في بلد دينه الإسلام ، والناس فيه يعيشون على ضوء تعاليمه . ولقد ميز فضيلته في مداخلته وهي مسجلة وقد نشرت على هذا الموقع، موقع وجدة سيتي بين البنوة الشرعية والبنوة البيولوجية، ذلك أن هذه الأخيرة ليس من الضروري أن تكون أو تصبح شرعية كما ينادي أو يطالب بذلك البعض ممن يحتطبون احتطاب حاطب الليل من الأغيار دون تمييز بين أعواد وثعابين . ولقد انطلق فضيلته من كون النسب في دين الإسلام من الضروريات التي تقوم عليها الحياة ، وعلى هذا الأساس تناول القضية ،وأدلى بما يجب من أدلة لإثبات ذلك . ولقد رد حجج بعض الذين حاولوا الاحتجاج المنحرف بالنصوص الشرعية قرآنا وسنة بعد لي أعناقها لتوافق طروحاتهم ،وصحح انحراف فهمهم لها من موقعه كعالم راسخ القدم في المعرفة بها . ورد من احتج الاحتجاج الخاطىء بالفقه المالكي وبمدونة الأسرة ، وقد كان عضوا بارزا في صياغتها، وهو أعلم بها من غيره ممن يتأولونها بعيدا عن مقاصدها . ولقد كان بارعا ومفحما في قضية الاحتكام إلى الفحص النووي حين يتعلق الأمر بإنكار النسب أو التشكيك فيه، وآثر على الخبرة الطبية في هذه الحال اللعان، وهو أمر شرعي صيانة لكرامة الأبناء بعد انجلاء نتائج تلك الخبرة ،الشيء الذي يخلف آثارا سلبية في نفوسهم إن كان في الأمر ما يسيء ، واعتبر فضيلته أن اللعان يترتب عليه فراق ،ويظل الأمر بعده مستورا ، ولا يترتب عنه ما يترتب عن الخبرة الطبية التي لا ينكر فضيلته قيمتها في أمور جنائية أو غيرها إلا أنه يتحفظ عليها في قضية إثبات النسب لما لها من تداعيات سلبية في بعض الحالات . ولقد كشف فضيلته ما يترتب عن إلحاق البنوة البيولوجية بالبنوة الشرعية من اعتداء على بعض الحقوق من قبيل الحق في الميراث ، وهو حق شرعي خاص بالبنوة والنسب الشرعيبن . ومع دفاع فضيلته عن النسب والبنوة الشرعيين ضد إلحاق غير الشرعيين بهما ،فإنه دافع عن ضحايا النسب والبنوة غير الشرعيين ، وأوصى بهم خيرا ،وحث على ضمان حقوقهم ، وأوصى بزيارة المؤسسات التي تأويهم للوقوف عن كثب على أحوالهم ، وهو لا يعارض رعاية الأسر بهم في إطار ما تنص عليه الشريعة الإسلامية .
وأخيرا نكرر أن هذا العالم الجليل مد الله في عمره ونفع به العباد والبلاد يعتبر الشخصية العلمية والفكرية المؤهلة لتسديد وتوجيه وترشيد الحوارات المجتمعية وتخليصها من الانغلاق والتشدد والتطرف بكل أنواعه ومن جميع التوجهات التي تريد أن تفرض وجهات نظرها بعقلية استبدادية متعصبة و قمعية وإقصائية .
وسوم: العدد 713