الشيخ الداعية جمعة عبيد الصالح
(1934- معاصر )
نحدثكم اليوم عن حياة رجل أوذي في الله فصبر، واغترب عن وطنه قسراً فما لانت له قناة، ولم يستسلم ، وبقي ثابتاً صامداً شامخاً إنه الكاتب والداعية الإسلامي الشيخ أبو عبد الله جمعة عبيد الصالح الذي أنبته الله نباتاً حسناً، واستفاد من صحبة العلماء الأعلام من أمثال الأستاذ المجاهد عصام العطار، والأستاذ الشيخ محمد علي مشعل، وطاف في البلدان، وتنقل بين المدن، فأكسبته الحياة من تجاربها..... فمن هو ؟ وما هي سيرته ؟؟
المولد والنشأة :
ولد الشيخ أبو عبد الله جمعة بن عبيد بن صالح بن إسماعيل بن محمد بن عمر المنصور في مدينة السفيرة في ريف حلب الشرقي عام 1934 م .
ونشأ في ظل أسرة مسلمة محافظة، وترعرع في بيت الحاج عبيد الصالح الذي كان رئيساً لبلدية السفيرة، وكان ينافسه الرئيس حسين الحاج أحمد من قبيلة النواصرة، وهو ممن قرأ القرآن، وحظي بنصيب ﻻ بأس به من الثقافة حيث كان ممن يتابعون المجلات في ذلك العصر .
وأثناء الاحتلال الفرنسي استطاع الحاج عبيد الصالح أن يفك الحصار عن مدينة السفيرة بعد مقتل بعض الضباط الفرنسيين في السفيرة على أيدي أحد العباسيين حيث أهدى الحاج عبيد لزوجة الضابط ديوك حبش .
وكانت عنده مضافة يقدم فيها الطعام، وينام فيها الغرباء، وكان الحاج عبيد الصالح عارفة يصلح بين الناس، ويتحاكمون إليه .
وعندما جرت المواجهة بين الحاج أحمدو وبين قوات مجحم جاء سلطان البادية للصلح، وكان المتحدث باسم أهل السفيرة هو الحاج عبيد الصالح الذي أغلظ عليهم، فاضمروا له الشر حيث هوجم في العنازة، وأصيبت ابنته شريفة .
توفيت والدة الشيخ جمعة، وهو طفل صغير، بحيث لا يتذكرها، فنشأ يتيماً في كنف والده .
وتعود الأسرة في أصولها إلى قبيلة بيت محمد العمر، وهي بدورها تعود إلى الولدة من قبيلة بو شعبان المشهورة التي تنتسب إلى الصحابي البطل عمرو بن معدي كرب الزبيدي الذي كان من ابطال القادسية واليرموك .
والشيخ جمعة متزوج، ولديه 13 ولداً منهم 6 ذكور وله أكثر من سبعين حفيداً .
دراسته ومراحل تعليمه :
درس اﻻبتدائية في مدينة السفيرة وكان متفوقاً في دراسته فاستحق منحة مجانية داخلية، حيث درس الإعدادية في مدرسة المعري في حلب، وكان من أقرانه الشيخ أسعد الراجي رحمه الله ..
ثم درس المرحلة الثانوية في ثانوية المأمون في مدينة حلب في سورية .
ثم دخل كلية الحقوق في دمشق عام 1955/ 1956م ، وأوقف دراسته، وذهب لخدمة العلم، ثم عمل موظفاً، وراح يتابع دراسته حتى حصل على ليسانس في كلية الحقوق في جامعة دمشق عام 1961م ... .
ولديه إجازة في منهاج الطالبين في الفقه الشافعي من رئيس رابطة علماء العراق عبد الكريم المدرس .
أبرز شيوخه :
تتلمذ شيخنا على أيدي الدعاة والعلماء الربانيين في سورية والعراق، وصحب الكثير منهم، وانتفع بعلومهم :
-الشيخ المحدث عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله .
-الشيخ الداعية محمد جميل العقاد رحمه الله .
-الشيخ عبد الله سراج الدين .
-الأستاذ عصام العطار : حضر خطبه في مسجد جامعة دمشق ، وكان همزة الوصل بينه بين النائب محمد المحمود البركات، والنائب الحاج إسماعيل الحاج بركات رحمهم الله .وبقيت علاقة الشيخ جمعة قوية بالشيخ عصام العطار حتى بعد إخراجه من سورية حيث اجتمع به في لبنان وتدارس معه أوضاع الجماعة والمشكلات التي تعترض طريقها .
-الشيخ ناصر الدين الألباني : عمل معه في المكتب الإسلامي في بيروت أثناء الهجرة .
-الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله : حضر له محاضرة في حلب عن المولد النبوي الشريف ، كما حضر له محاضراته الهامة في مدرج جامعة دمشق ولاسيما اشتراكية الإسلام التي رد عليها الشيخ علي الطنطاوي والشيخ محمد الحامد .
-الشيخ محمد علي مشعل : حضر دروسه وخطبه في مساجد حمص ، وعمل معه في إدارة الجماعة في مركز حمص، وكانت اجتماعاتهم تطول حتى وقت متأخر في الليل فيبيت في داره .
-وحضر دروس الشيخ المجاهد سعيد حوى ولاسيما دروسه في شرح الحكم العطائية ، واعترض على بعض حكمه ، وكان الشيخ جمعة متأثراً بالفكر السلفي المعتدل.
-الشيخ الواعظ المحبوب وصفي المسدي : حضر دروسه في مسجده .
وأثناء هجرته القسرية إلى الأردن تعرف على العديد من العلماء منهم :
-الشهيد عبد الله عزام رحمه الله ، والدكتور محمد عبد القادر أبو فارس .
-وتتلمذ في العراق على رئيس رابطة علماء العراق الشيخ عبد الكريم المدرس، وتلقى عنه الفقه الشافعي، واللغة العربية، والمنطق، وأخذ منه إجازة في منهاج الطالبين للإمام النووي .
-وحضر دروس الشيخ الدكتور محسن عبد الحميد رئيس الحزب الإسلامي العراقي
دوره في الحركة الإسلامية في سورية :
انتسب شيخنا إلى الحركة الإسلامية الرائدة في سورية عام 1954م ، وحاول مع بعض الإخوان إنشاء مركز للجماعة في السفيرة رغم قلة العدد، وكان معه الشيخ أسعد الراجي، وأخوه الشيخ مرشد، والدكتور حسين قاسم النعيمي، والأخوين مصطفى والشيخ عبد المجيد الجمعة ، والأستاذ محمد المحمود العلو الخبيصة، ثم انتقل نشاط الشيخ جمعة إلى دمشق، فحضر هناك عدة أنشطة منها أسبوع الفقه الإسلامي، وجميع أعمال الجماعة حتى عام 1963م ..
وفي عام 1973م داهمت المخابرات بيته، وخلعوا الباب، وكان عنده ضيف اسمه حسن شعبان ، وبفضل الله نجا من الاعتقال بأعجوبة فانتقل بين حمص ودمشق ثم خرج إلى لبنان، وبقي هناك عدة أشهر حيث عمل مع الشيخ الألباني في المكتب الإسلامي، وانتفع به ، ثم خرج من لبنان إلى الكويت وبعد عشرين شهراً من العمل هناك وبعد أن كفّ الأمن عن ملاحقته رجع إلى سورية، وبقي يعمل فيها يمارس نشاطه فيها حتى وقعت مجزرة المدفعية في أواخر عام 1979م حيث أحس بأن الأمن يتتبع خطواته، فخرج مهاجراً إلى الأردن
وبعد أربع سنوات خرج إلى العراق، وانتخب عضواً في مجلس شورى الجماعة وبعدها تسلل إلى سورية، واتصل بأهل الخير في السفيرة من أمثال : الشيخ محمد البكور رحمه الله .. ثم رجع إلى العراق، وبقي هناك حتى عام 1995م حيث رجع إلى الأردن، وما زال يعمل فيها متطوعاً في مسجد المثنى بن حارثة الشيباني في عمان ..
أبرز تلاميذه :
ومن أبرز تلاميذه الشيخ عبد المجيد الجمعة ، ..وله تلاميذ في حمص ودمشق
الشيخ جمعة عبيد الصالح في شبابه
أعماله والوظائف التي تقلدها :
عمل في إدارة حمص مع الشيخ محمد علي مشعل كما عمل لفترة وجيزة في المكتب الإسلامي في بيروت ثم هاجر إلى الكويت فعمل فيها، كما عمل في العراق، وجاهد في ميادين الحياة السياسة والاجتماعية والحركية، واحتج على تغيير الدستور، ولوحق ، واغترب، وبقي ثابتاً على دينه ومبادئه إلى الآن ونرجو الله لنا وله حسن الختام ..
مؤلفاته :
لفضيلة الشيخ 8 كتب مطبوعة ، وهناك كتب غيرها ما تزال مخطوطة :
1-سيرة النبي : فقه الخطط والعبر : ط1، دار عمار في الأردن 1433/ 2013م، ويقع الكتاب في 288 صفحة .
2-فقه الخطب والعبر .
3-صلاة المؤمنين : كما وردت عن سيد المرسلين على مذاهب الأئمة المهتدين، ط1، دار عمار في الأردن عام 1433/ 2013م ، ويقع في 94 صفحة .
4-سبيل المؤمنين في إبطال السحر وكيد الشياطين : ط1، دار عمار في الأردن عام 2014م ، ويقع في 94 ص .
5-تعدد الأديان في دولة الإسلام : وكان تأليفه رداً على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام حول حرية الأديان في ظل الإسلام
6-حقوق الإنسان كما وردت عن النبي في خطبة الوداع : وفي هذا الكتاب بيان القيم الإسلامية حول حقوق الإنسان في المال الدم والعلم، وحقوق المرأة والطفل ..
7-حقوق الأقليات يحميها الإسلام : وفيه زيادة في البيان نظراً لكثرة الأقليات في سورية وحدوث المشاكل بينها بين فترة أخرى .
8-فتوح حلب والشام : ط1 ، دار عمار في عمان ، الأردن عام 2014م ، ويقع في 131 ص .
كتبه المخطوطة :
وله كتب غيرها تنتظر الطبع ، مثل :
-الشبهات : تحدث فيه عن الديمقراطية والعلمانية ورد فيه على الشبهات التي تثار حول نظام الحكم في الإسلام .
-السلطان عبد الحميد بين خصومه الماسونية وأعوانه من الباطنية والمتصوفة حيث التف عليه أنصار الطريقة اليشرطية .....
أخلاقه وصفاته :
يعتبر الشيخ أبو عبد الله من أوائل الدعاة، ويمتاز بالهدوء واﻻتزان وقوة الذاكرة رغم تقدمه في العمر .
صحب الأستاذ عصام العطار، وكانت له صحبة خاصة بالأستاذ محمد علي مشعل في إدارة حمص .ومازال شيخنا يخطب، ويعظ رغم كبر سنه وتقدمه في العمر ..
حفظ الله شيخنا الحبيب، ونفع المسلمين بعلمه، وأطال لنا في عمره ...مع حسن العمل والتوفيق والثبات على الإيمان ...
وسوم: العدد 714