الأستاذ الدكتور الداعية محمد أديب الصالح
(1926- 2017م)
هو الكاتب الإسلامي الكبير، والعالم الجليل، والأديب الذواقة، والأكاديمي المتميز، أستاذ القرآن والسنة الفقيه الذي تخرج على يديه آلاف الطلبة الجامعيين، ومئات من أساتذة الجامعات في سورية، والأردن، والسعودية، وهو من الرعيل الأول في ميادين الدعوة، صحب شيخنا الدكتور مصطفى السباعي، تغمده الله بفيض رحمته، وأفاد منه الكثير، وخلفه في مجلة (حضارة الإسلام).
وأشرف على طبع كتب الشيخ الندوي؛ لأنه كان مكلفاً بتدريس اللغة العربية في كلية الشريعة عام 1384 هجرية .
والشيخ الصالح محدّث بارع، وخطيب مفوّه، وصاحب أسلوب أدبي مشرق، تقرأ له، فتظن أنك تقرأ لشيوخ العربية، للجاحظ، أو التوحيدي مثلاً، بإشراق ديباجته، وجزالة عبارته، وصفاء بيانه، ونصاعة فصاحته، وقوة حجّته، وشدّة تأثيره في قارئه.
ما عرفه إنسان، من عالم، وتاجر، وطالب، إلاّ أحبّه، فهو في أخلاقه، كقرص الشهد، وكالعبير، وكالجدول الرقراق، أما في العلم فبحر زخّار، وفي العطاء من ذات نفسه، وماله، ووقته، وراحته، لأمته، ودعوته، وطلبته، وإخوانه –قدوة تحتذى..
يذكر الشيخ محمد المجذوب أنه : (( لا يذكر بالضبط متى بدأت معرفته به، ويقول ولكن الذي لا يبلغه النسيان من ذاكرتي هو تلاقينا الكثير في كنف الدعوة، أيام كان للدعوة الإسلامية نشاطها الواسع على امتداد الربوع السورية ..
ولقد كنا على تواصل سعيد في خدمتها، تجمعنا أخوة في الله لا انفصام لها، وكان الجو السياسي على شيء غير قليل من الطلاقة، بحيث يتسع لمختلف الأفكار والتيارات، كل يعرض ما لديه من تصورات قابلة للمناقشة بمنتهى الحرية، ولجماهير الشعب أن تسمع، وتقرأ، فتفرق بين الحق والباطل .
وكانت الثقة تملأ صدورنا بأن السواد الأعظم من هؤلاء مع أفكارنا؛ لأنها عميقة الجذور بفطرته وتراثه الروحي والاجتماعي ..
وكان معظم تلاقينا لدراسة مسيرة الدعوة على ضوء الأوضاع العامة، فنتداول الأمور وفق أمزجتنا الشخصية، من الحار الذي يأخذه الانفعال، والهادئ الذي يضبط التوازن ..
ولعلي لا أعدو الواقع إذا اعتبرت فضيلة المترجم أحد الذين يمثلون جانب الهدوء والأناة في تلك الاجتماعات ..
وها هي السنون تكر، والأحداث (تمر) فلا تزيده إلا رسوخاً في ذلك المزاج الرصين، لا يكاد يفارقه خطيباً أو محدثاً أو مناقشاً، حتى إنك لتحتاج أثناء محادثته إلى الانتباه الدقيق لئلا يفوتك بعض كلامه، الذي يذكرك بالصورة التي أوصى بها لقمان ولده، وهو يحضه على الغض من صوته في مخاطبة الآخرين .. بل إن في مشيته صورة أخرى للشكل الذي رسمه ذلك الحكيم لابنه بتلك العبارة التي خلدها الله في كتابه الكريم [واقصد في مشيك] .
وما أدري أهي طبيعة فطر عليها، أم أدب أخذ به منذ الطفولة، أم تطبيق مقصود للتوجيهات السامية التي رضيها الله لعباده المؤمنين !..
ولا ريب أن لهذا المزاج أثره البعيد في تفكير المترجم، وطريقة تناوله للموضوعات التي يعالجها، وبالنظرة العميقة التي يستكشف بها الجديد البعيد من المعاني المضيئة في كل ما يكتبن ويؤلف، ويذيع .. وهي خاصة يستطيع القارئ أن يتبنها في كل نتاجه، وأقربها إليه برنامجه الذي يعتبر نسيج وحده في موضوع (التنمية..) الذي بثه من إذاعات المملكة ..فمن هو العلامة محمد أديب الصالح ؟ وما هي سيرته ؟ وصفاته وأخلاقه ؟ كل هذا وغيره نجده في الصفحات التالية : .....
المولد والنشأة :
ولد الدكتور محمد أديب الصالح في مدينة قطنا جنوب دمشق في العام 1926م وقد شاء الله أن يتذوق مرارة اليتم بوفاة والده، وهو في الشهر السادس من عمره، ولكن والدته الصالحة السيدة (أم أديب نظمية أحمد الطحان ) التي ولدت في دمشق عام 1906م، وعاشت في قطنا مع زوجها الذي توفي، وسنّها عشرون سنة وستة أشهر قد عوضته عن عناية الوالد بانقطاعها لرعايته، والاهتمام بشأنه، وحرصاً منها على تربية وحيدها دون سلطان لزوج جديد رفضت الزواج ثانية بعد أن خطبت غير مرة، وتفرغت للعناية به صابرة على لأواء الطريق مجاهدة تقية، همُّها – بعد استقامتها – أن ينشأ ولدها نشأةً علمية صالحة، وكانت وفاتها بالمستشفى في الرياض أول يوم من عيد الأضحى المبارك من العام 1983 م/ 1403 هـ . وكان من بره بها أن نفذ وصيتها بدفنها في بقيع المدينة بجوار صحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه .
ولقد أسعده وزاده شرفاً، وهذا ما يملكه أن جعل إهداء رسالة الدكتوراه “تفسير النصوص” قوله هناك: “إلى الرائدة الأمينة على درب اليتم الطويل..، والتي ما زالت تتابع الطريق عطاءً، ووفاءً ترجو بهما الله واليوم الآخر.. أمي، ويعلي مقامها في الآخرين.
ما قبل الدراسة الجامعية :
بدأ محمد أديب الصالح تعليمه في إحدى مدارس قطنا، وأخذ الشهادة الابتدائية، ثم انتقل إلى دمشق، وانتسب إلى مدرسة (التجهيز الأولى) بكرسي مجاني بمسابقة، وكان في الدفعة الأولى فيها، بعد مكتب عنبر الذي درس فيه شيوخه، وكانت مدرسة التجهيز مدرسةً يأكلُ فيها الطلاب، ويشربون، وينامون، وكان فيها مسجد يصلي فيه الشيخ أحمد الدقر إماماً للطلبة.
ترك محمد أديب صالح مدرسة التجهيز الأولى لعارض صحي، ومن فضل الله عليه أن الوالدة ـ السيدة نظمية أحمد الطحان ـ ورجلاً صالحاً واعياً من أبناء عمه ( أمين حسن الشيخ ) رحمه الله تعالى، من ذرية الشيخ حسن الراعي التي تنتمي إليها في قطنا ( ووالدتي ربيبته، فهو من محارمها)، أحبا أن يدرس ولدهم محمد أديب صالح عند الشيخ إبراهيم الغلاييني - رحمه الله، الذي كان إمام مسجد قطنا، وشيخ البلد، ومفتيها.
قرأ على الشيخ إبراهيم الغلاييني في سنة 1938على الطريقة القديمة، في الحضر والسفر، فحفظ المتون، ودرس قدراً وافراً من العلوم الشرعية والعربية، وفي مقدمتها : الفقه، والتجويد، والسلوك. وكان الشيخ إبراهيم الغلاييني هو شيخ العلم والتربية له، لازمه حوالي خمس سنوات. كان منقطعاً فيها لتلقي العلم على يديه، وقد عنى به ـ شكر الله له ـ علماً وسلوكاً وأخلاقاً. وكان الطالب الوحيد عنده، وقد توثقت الصلة بيننا بعد ذلك عن طريق المصاهرة، إذ تزوج محمد أديب الصالح إحدى بناته، التي أنجبت له أربعاً من البنات، وثلاثة من البنين.
وبعدها صار يخطبُ، ويدرِّسُ على صغر سنِّه في قطنا، وفي سنة 1944أذن له الشيخ إبراهيم الغلاييني أن ينزل إلى الشام، وانتسب إلى (الكلية الشرعية) التي أسسها الشيخ كامل القصاب، وباعتبار أن دراسته السابقة في العلوم الشرعية واللغوية عند الشيخ إبراهيم، ومواظبته على حلقته العلمية الخاصة، قد زودته ـ بالكثير من روافد الثقافة الشرعية والعربية، فقد وافقوا على أن يتقدَّم لامتحان مواد السنة الثالثة عندهم، فقدّم امتحاناً، ونجحَ فيه، وقبلَ في السنة الرابعة في الكلية الشرعية، وكانَ متفوقاً في الدراسة، وخرج الأول على دفعته في جميع السنوات.
وقد درس السنة الرابعة، والخامسة في الكلية، ثم تعرَّف على الإخوة: عمر عودة الخطيب، وسعيد عبار، وأحمد الخالد، من طلبة المعهد الشرعي للجمعية الغراء. واستأذنَ للتسجيل في ذلك المعهد، بعد السنتين اللتين أمضاهما في الكلية الشرعية، إذ أقنعه إخوانه محبة منهم بالانتقال إلى (المعهد الشرعي)، وأن الشيخ أحمد الدقر قد سمع عنه، وأنه من خواص تلاميذ الشيخ إبراهيم الغلاييني، فانشرح صدره، وانتقل إلى المعهد الشرعي طالباً في السنة السادسة.
وقد أحرز شهادة الكفاءة العامة، ثم شهادة الكلية الشرعية عام 1944م، التي كانت بمثابة معهد علمي رفيع المستوى، ثم حصل على الثانوية الشرعية مع الثانوية العامة عام 1946 م ..
شيوخه وأساتذته :
نهل الشيخ محمد أديب الصالح العلم والمعرفة والفقه والعقيدة والعلوم الشرعية على يد ثلة من العلماء الأبرار، ومن أبرز شيوخه في الكلية الشرعية:
-هاشم الخطيب، وياسين قطب : وقد درَّساه الفقه .
- وحسن حبنكة : وقد درَّسه التفسير .
- وعز الدين التنوخي : درس عليه العروض .
- وأنور العطار : درس عليه البلاغة .
- والشيخ علي الطنطاوي: ولكنه لم يمكث طويلاً، وقد درس عليه مادة الثقافة الإسلامية. ومن المواقف التي لا ينساها أنه أعطى التلاميذ موضوعاً في علوم القرآن، فكتب محمد أديب الصالح له الموضوع كاملاً، وأما الشيخ محمد القاسمي فقد كتب نصف الموضوع، فلما عوتب الأستاذ علي الطنطاوي - رحمه الله- على تركه الكلية قال: (( هم خمسة عشر طالباً، ووجوههم لا تضحك للرغيف الساخن، وقد أعطيتهم موضوعاً ، فكتبوا لي موضوعاً ونصف موضوع..، وطلب الأستاذ الطنطاوي من محمد أديب صالح أن يقرأ، فقرأ بعبارة فصيحة، وأداء جيد، وناقشه بأدب، فقال الطنطاوي: أنت أديب، فقال جميع من في الصف: نعم هو أديب واسمه أديب، ثم لما رأى من حيائي وسمتي، قال لي: وأنت صالح، فقال الطلبة: نعم: وكنيته صالح، فهو أديب صالح، والأستاذ الطنطاوي من خيرة من درَّس في ذلك المعهد، ومن ذلك الوقت توثقت الصلة بين الطنطاوي، وبين محمد أديب الصالح.
-الشيخ محمود ياسين : ومؤسس جمعية الهداية الإسلامية بدمشق، ويعدُّ من الطلائع المباركة في دمشق بالنسبة للعناية بضوابط الكتاب والسنة، وتأصيل علوم الحديث الشريف، والجرح والتعديل، وقد سبق من اشتهروا بذلك بعده.
عندما قرر محمد أديب الصالح دخول الكلية، وقُبل في السنة الرابعة عندهم لم يكن يوم ذاك متوسط، ولا ثانوي، ولكن يتخرَّج الطالب من الابتدائي، ويدرس بعدها ست سنوات، يأخذ الثانوية. وقبل سنة 1946، كانت في دمشق ثانويتان على النظام الفرنسي، وحَّدهما ميشيل عفلق، وسماهما الثانوية الموحَّدة.
ويتذكر محمد أديب الصالح أنه عندما تقدّم لاختبار مقررات السنة الثالثة: كان من جملة الاختبارات: الحديث، واللغة العربية، وكانَ قد قطعَ شوطاً في حفظ الألفية عند شيخه إبراهيم الغلاييني رحمه الله تعالى. وجاء السؤال في موضوعات الاختبار عن المبتدأ والخبر، فكتب أبيات الألفية، وشرحها، وبعد انتهائه من الاختبارات بدأ يتساءل عن النتيجة، وقابل الشيخ (صالح فرفور)، وكانت له صلة علمية بالشيخ الغلاييني، فسأله عن نتيجة الاختبار، فقال: نتيجتك جيدة جداً، ولكن الشيخ محمود ياسين متأثر منك، وتوقفت نتيجتك على موافقته، فاذهب إليه، فذهب محمد أديب الصالح إليه، وسلّم عليه، فاستقبله، وقال : إنه عاتب عليه في طريقته في المناقشة ومراجعته له في قضية علمية أثناء الاختبار الشفهي في مادة الحديث، فأجابه الصالح بصدق وقال : إنني لم أقصد المماراة، ولا الجدال، ونحن قد تربينا على حب مشايخنا واحترامهم، فقال: اذهب، فأنت ناجح - إن شاء الله - .
وبعد هذه البداية التي كان فيها شبه جفوة مع الشيخ محمود، كانت العلاقة بين التلميذ محمد أديب الصالح، وبين شيخه محمود ياسين علاقة صداقة ومحبة، فكان يملي عليه مقالاته. والكثير من المقالات التي نشرها في مجلة "الهداية الإسلامية" أملاها عليه .
ومن الطرائف أنه حفَّظ التلاميذ حديث:" اللهم رب هذه الدعوة التامة...."، وكان محمد أديب الصالح يحفظه منذ صغره بزيادة :" والدرجة الرفيعة"، فقال: قم، فاقرأ الحديث، وكان قد كتبه لنا في المقرّر، فقرأه من ذاكرته، وذكر: اللهمَّ رب هذه الدعوة التامة.. آت محمداً الوسيلة، والفضيلة، والدرجة الرفيعة" قال يا بني: أنا اخترت هذا الحديث، وكتبته لكم لكي لا تقولوا : " والدرجة الرفيعة" فهذه الزيادة لم تصح بهذا اللفظ، فعملت هذه الكلمة عملها في نفس التلميذ بالنسبة لقضية التوثيق، ومعرفة الحديث الصحيح من الضعيف.
وكان الشيخ محمود رحمه الله تعالى رجلاً مربياً، واستدامت الصلة بينهما، وكان دائم الانهماك في العلم والكتابة، وكان متأثراً بمدرسة محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، ومحمد الخضر حسين، وله اتجاهٌ إصلاحيٌّ دعويٌّ مبكر، رحمه الله، وغفر له.
-والشيخ حسن الشطي .
- والأستاذ سليم الجندي .
- والشيخ أبو بكر القواس .
-والشيخ عبد الحميد قنواتي .
- والشيخ بهجت البيطار، وكانت الكلية الشرعية بمثابة جامعة رفيعة المستوى.
الدراسة الجامعية :
وبسبب تفوقه على أقرانه حصل على إيفاد من وزارة المعارف يومذاك إلى الجامعة الأزهرية .
وسجّل في كلية الحقوق بجامعة دمشق، ولكنه لم ينقطع إليها، إذ أوفد إلى الأزهر عام 1947م، فالتحق بكلية أصول الدين، فكان يقدّم امتحانها في الدور الأول، ويقدم امتحان الحقوق بدمشق في الدور الثاني ..، وكان الحصول على شهادة تلك الجامعة عام 1949م .
ثم حصل على إجازة في الحقوق من كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1950م .
ويحسن بنا أن نتساءل عن السبب الذي حداه للاتجاه نحو الدراسة الشرعية بعد حصوله على الثانوية العامة، التي تمكنه من الدراسة في أي من الكليات الأخرى بجامعة دمشق ..، وهي أقصر الطرق إلى العمل المنتج، الذي يجتذب معظم الطلاب، وبخاصة في غمرة التطور المادي الذي صارت إليه البلاد في ظل الانتداب الفرنسي، وما بعده .. ولابدّ أن يكون لذلك علاقة وثيقة بإيحاءات البيئة التي نشأ في ظلالها، ذلك أن (قطنا) لا تزال محتفظة بالكثير من مواريث الحياة الإسلامية، كالمألوف في الأوساط البعيدة عن مهب التغيرات السريعة التي تتعرض لها الحواضر الكبرى .. ، ونستدل على هذا من اتصاله الوثيق بشيخ قطنا ومفتيها وعلامتها الشيخ إبراهيم الغلاييني رحمه الله، الذي كان أديب الصالح أحد الطلاب المواظبين على حلقته الخاصة في العلوم الشرعية، ثم توثقت الصلة بينهما عن طريق المصاهرة ، إذ زوجه الشيخ إحدى بناته، التي أنجبت له ثلاثة من الأبناء وأربعاً من البنات، ومن هنا نكتشف إحدى أهم الخلفيات التي حببت إليه العلم الشرعي، وزودته بالكثير من روافد الثقافة الإسلامية، التي أصبحت المدرسة الحديثة عاجزة عن توفيرها للمسلم .
والذي يعرف الشيخ إبراهيم الغلاييني لابدّ أن يتصور أثره العميق في نفوس طلابه، فهو عالم متفتح الذهن والقلب، رحب الصدر للمناقشة والمراجعة، إلى كونه قوي الشخصية عميق التأثير في قلوب المتصلين به .
ويذكر الشيخ محمد المجذوب قصة طريفة مكنت له من التعرف على بعض خصائص هذا الشيخ فقد قدم اللاذقية ذات يوم بدعوة من بعض مريديه، وفي جلسة مكتظة بهؤلاء في منزل آل الأزهري، اجتمع الشيخ محمد المجذوب به، واستمع إلى حديثه، وشاهد تعلق الأتباع به، وتسابقهم إلى التبرك بسؤره .. ثم صحبه في بعض رحلاته القريبة، فسرّه منه فهمه السليم لأبعاد بعض الأحاديث النبوية، وذات مساء ودعه الشيخ، فأرسل ورائه من يخبره بأنه ينتظر زيارته في صباح اليوم التالي .
ولم يفته ما وراء هذه الدعوة، فقد كان أكثر الحضور اهتماماً بالشيخ يومئذ ذلك الفتى الذي لا يستهويه شيء مثل الوشاية وإثارة عوامل الفتنة، فتوقع ما كان، وما سيكون .. وفي الموعد المضروب، وكانت الحجرة مكتظة بالزائرين، طرح الشيخ الموضوع دون مقدمات، فإذا هي كما قدّر دسيسة جاهل لا يفرق بين الحق والباطل، وأجابه الشيخ المجذوب بالتفصيل مع ذكر الدليل من كتاب الله وسنة رسوله فإذا هو يصرّح بموافقته، وهو يقول : أنت على حقّ .. ـ ، وبهت الذي كذب
ومن هذه الطرفة يدرك القارئ أن المرحوم مفتي قطنا لم يكن من الشيوخ المغفلين، كذلك المفتي السوري الآخر، الذي أغلق على نفسه منافذ العلم الحق حين سمعناه يعلن أن الأولين لم يتركوا للآخرين قولاً، فلا غرو أن يكون لهذا الشيخ أثره في توجيه الشيخ محمد أديب الصالح إلى المسلك الذي أخذ به نفسه، فكان توفيقاً من الله إلى التي هي خير وأبقى ..
الدرسات العليا :
· دخل الشيخ محمد أديب الصالح في كلية الشريعة معيداً بمسابقة شرعية عام 1956 ـ 1957 م وذلك بعد التدريس خمس سنوات، أو تزيد في ثانويات ودور المعلمين بدمشق، وحلب، وكان من تلامذته في دار المعلمين في حلب مصطفى البيراوي، ود.فخر الدين قباوة . وذلك ما بين العامين 1949 ـ 1956م .
ثم حصل على إيفاد من جامعة دمشق إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1959 م بعد تدريس مادة " أحاديث الأحكام " سنة دراسية بكلية الشريعة بدمشق .
· وهناك حصل على شهادة معهد الشريعة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة (وهي مع رسائلها الموجزة بمثابة درجة الماجستير) عام 1961 م .
وكان عنوان رسالته تحقيق كتاب " تخريج الفروع على الأصول " للإمام الزنجاني ت 656 هـ . مع دراسة وافية للكتاب، وأهمية موضوع تخريج الفرع على الأصل فيه ، إذ قام منهجه على تتبع أبواب الفقه بالتسلسل والكشف عن علاقة الفرع الفقهي بالقاعدة عند كل من الحنفية والشافعية مضافاً إلى ذلك الفهارس العلمية الشاملة .
ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق (الشريعة الإسلامية) سنة 1963م من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى مع تبادل الرسالة مع الجامعات .
وكان موضوع أطروحته (تفسير النصوص في الفقه الإسلامي ـ دراسة مقارنة) التي أشرف عليها الشيخ محمد أبو زهرة ، وكانت لجنة المناقشة تتألف من الشيخ زكريا البرديسي، والدكتور محمد سلام مدكور، الذي أخر البحث سنة كاملة ثم قال للباحث هذا ليس تخصصي فذهب إلى الشيخ محمد الزفزاف الذي كان مغضوباً عليه من الحكومة بسبب معارضته للاختلاط في دار العلوم .
شيوخه وأساتذته :
نهل الشيخ محمد أديب الصالح العلم والفقه والتربية والتزكية على أيدي علماء أفذاذ ، منهم:
- الشيخ محمد خير الجلاد : تلقى العلم على يديه في المرحلة الثانوية ، وتأثر بأسلوبه وأثنى عليه
- العلامة الإمام محمد أبو زهرة : الفقيه المصري المشهور ، وصاحب سلسلة الأئمة : الشافعي ، أبو حنيفة ، والإمام أحمد، ومالك، والإمام زيد وابن تيمية ابن حزم وجعفر الصادق ، وله كتاب المذاهب الإسلامية، وخاتم النبيين ...وغيرها ..
- الشيخ الأزهري علي الخفيف .
-الشيخ فرج السنهوري ..
الذين يقول الشيخ محمد أديب الصالح : إنهم من الرعيل الأول الذي لا يكاد يعوض .
أعماله والوظائف التي تقلدها :
وكان نظام الجامعة في دمشق لا يكتفي بالحصول على رسالة الدكتوراه، فمن يريد أن يدرس في الجامعة لا يكفي حصوله على الدكتوراه، بل لابد من تشكيل لجنة تفحص الرسالة من جديد. يعني منطقهم هناك أن هذه الرسالة صلحت لأن تأخذ دكتوراه، لكن هل تصلح لأن تجعلك مدرّساً ؟
وكان في اللجنة الأستاذ مصطفى الزرقا رحمه الله تعالى، فتشكلت اللجنة فحصوا الرسالة، وبدأ د. محمد أديب صالح في التدريس، على أساس الدكتوراه. وقبل المناقشة درست معيداً سنة كاملة.
ثم عمل مدرساً لمادة التفسير في جامعة دمشق في كلية الشريعة عند افتتاحها عام 1954م .
1964/ 1969 م : مدرس بكلية الشريعة والمشاركة بوضع المناهج مع تدريس مادة أصول الفقه في كلية الحقوق ومواد علوم القرآن وعلوم الحديث والبلاغة النبوية في كلية الآداب بجامعة دمشق .
1964 ـ 1974 م : تولي رئاسة قسم علوم القرآن والسنة بكلية الشريعة بجامعة دمشق وتدريس آيات الأحكام وأحاديث الأحكام وأصول الفقه بكلية الشريعة وأصول الفقه بكلية الحقوق .
1969 م : الانتقال إلى رتبة أستاذ مساعد .
1974 م : الانتقال إلى رتبة أستاذ .
1970 ـ 1974 م : التدريس بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية محاضراً فيها في أول عام افتتحت فيه، ورئيساً لقسم أصول الدين ودام ذلك سنتين، ثم كانت الإعارة سنتين أيضاً ، وكان ـ مع التدريس في هذه المرحلة ـ
الإسهام في وضع مناهج الكلية ، ثم تثبيتها مع مراعاة قابلية التطوير وهذا مع القيام بأعباء التدريس بجامعة دمشق خلال السنتين الأوليين والمشاركة في تأليف بعض كتب التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية في المدارس الأردنية .
وكذا المشاركة في ندوات الجامعة العلمية والثقافية ولدورات وزارة الأوقاف الأردنية التربوية والدعوية .
1974 ـ 1978 م : الانتقال إلى رتبة أستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق .
1978 ـ 1988 م : أستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض ، (وكان قد قدم إليها معاراً من دمشق) .
وقد كان من بين الأعمال فيها ما يلي :
ـ ما كان من توفيق الله بإنشاء قسم السنة وعلومها في هذه الكلية ، بالتعاون مع بعض الزملاء والعمل على أن تكون مناهجه ومقرراته على المستوى المطلوب قدر المستطاع مع التركيز ـ في موضوع التخريج في المناهج والمصادر ـ على العناية بتخريج أحاديث الأحكام في كتب الفقه والأحاديث التي ترد في كتب الأصول إذ فيها جملة لا بأس بها من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة أحياناً والمطلوب ـ دائماً ـ أن يكون الاعتماد على الأحاديث والآثار المقبولة التي لابد منها في كثير من الأحيان سواء في ذلك تقعيد القاعدة أو البحث فيما ترتب على الاختلاف في القواعد من آثار في الفروع والأحكام .
ـ رئاسة القسم المذكور لمدة ثماني سنوات .
ـ الإسهام في أعمال المجلس العلمي عن طريق العضوية في عدد من الدورات .
ـ الإشراف على عدد وافر من رسائل الماجستير والدكتوراه في الكلية والمشاركة في مناقشة عدد وافر أيضاً من رسائل الماجستير والدكتوراه في مختلف جامعات المملكة وبعض البلاد العربية .
ـ عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منذ عام 1977 م وحتى صدور نظام التعليم العالي بعد سنوات طوال .
ـ التحكيم في الإنتاج العلمي وبحوث الترقية لأعضاء هيئة التدريس في عدد من الجامعات، والتحكيم في صلاحية نشر الكتب والبحوث في بعض المجلات المحكمة في المملكة وغيرها .
ـ المشاركة في عدد من المؤتمرات ، وقد كلفت بأن مقرراً لبعض لجانها مثل : مؤتمر السنة والسيرة ، مؤتمر المنظمات الإسلامية ، مؤتمر فقه الدعوة والدعاة ، مؤتمر مكافحة المسكرات والمخدرات .
1988 ـ 1996 م : أستاذ في قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية في جامعة الملك سعود ـ الرياض (إثر الانتقال إليها من جامعة الإمام) وتدريس نصوص الأحكام وفق بيان العربية وقواعد الأصول .
وفي هذه الكلية تولى تدريس نظام الإسلام، مع التفسير، والحديث، وأصول الفقه في بعض الأحيان ..
وشاء الله أن يمتد نشاطه إلى أبعد من الحدود السورية، فأعير إلى الجامعة الأردنية لتدريس التفسير والحديث والثقافة الإسلامية على مدى سنتين كانت حافلتين بالنشاط العلمي والإسلامي، الذي عرف به داخل الجامعة وخارجها، ثم تلا ذلك تجواله التدريسي في مناطق أخرى من وطن العروبة والإسلام، فاستقدم أستاذاً زائراً إلى جامعة الرياض ـ الملك سعود ـ حيث أمضى شهراً ونصفاً في قسم الثقافة من كلية التربية ، وكذلك دعي زائراً إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وإلى كلية التربية للمعلمين والمعلمات في قطر، حتى استقرا أخيراً في أسرة التدريس من جامعة الإمام .
فمنذ سنوات ست يتولى رئاسة قسم السنة وعلومها في هذه الجامعة، إلى جانب مشاركاته المستمرة في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه فيها وفي كل من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، إلى ما هناك من دراسات علمية، وما سيتتبعها من تقارير يكلف بها من قبل هذه الجامعات وجامعة الإمارات .. ولعل مما يدخل في ذلك عضويته في المجلس العلمي بجامعة الإمام، وعضويته الأخرى في المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية .
ولا جرم أن في هذه الممارسات المتعددة الجوانب لمتسعاً لكثير من الإمكانات الفكرية والعلمية، من شأنها ألا تقف بمعطياته عند حد معين، بل تمده بمنطلقات رحبة تصور سعة الأفق الذي منه يستمد وبه يتأثر.
وما دمنا في صدد الحديث عن مجالات نشاطه العلمي والعملي فلا بد من الإشارة على جوانبها الأخرى، خارج نطاق المدرسة والجامعة، فهناك الخطابة المسجدية التي مارسها سنوات كثيرة في مسجد الجامعة ـ بدمشق ـ ثم في مساجد قطنا إلى جانب حلقات التدريس في تلك المساجد، ثم الندوات الثقافية التي لم تكد تنقطع بينه وبين الطلاب .
وإلى جانب هذا وذاك من ألوان النشاط العلمي والدعوي لا ننسى عمله في مجلة (حضارة الإسلام) التي هي واحدة من حسنات المرحوم الدكتور مصطفى السباعي، فقد تولى رئاسة تحريرها منذ العام 1965 وحتى إغلاقها يكتب افتتاحياتها، ويمدها بالبحوث والمقالات يبعث بها إلى المجلة من مقر عمله في الرياض .
وأدار كثيراً من الندوات، ويشهد له كل من حضرها أنه كان موضع التقدير لبراعته في إدارة الجلسات ولأفكاره العميقة التي كان يركز عليها في مناقشة البحوث .
دوره في تأسيس الحركة الإسلامية في سورية :
ويتحدث عن اللقاء الأول بالشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى فيقول :
(( كنا نصلي المغرب في المسجد القريب من شقتنا في المعادي، بعد أن انتهينا من الفريضة، التفتّ قلت: هذا الإمام حسن البنا (كما نعرفه في الصور) رأيته يصلي جانب سارية في رواق، فقلت لصديق يصلي معي: أليس هذا الشيخ حسن البنا ؟ -قال: ما الذي سيأتي بحسن البنا إلى هنا ؟
-قلت: هذا حسن البنا! كملنا صلاتنا ، وقلت لصديقي: أنا سأذهب إليه. فعلاً كان جالساً وراء السارية يستغفر، جلست، فسلَّمت عليه، قلتُ له: نحن نحبكم على البعد، ونعرفكم في الصورة، ونحن ستة طلبة سوريون موفدون إلى الأزهر..، فمباشرة رحَّب بي، وأشار إلى المستقبل الذي ينتظرنا، وأن ندرس الإسلام كما هو..
ثم رأيت منه من المؤانسة ما شجعني من أول لقاء أن أدعوَه أن يزورنا، فقلتُ له: شقتنا قريبة جداً ، فهل تزوروننا ؟
عرفنا فيما بعد أنه كان قد أصدر جريدة ( الإخوان المسلمون )، وكان لها ضجيج كبير، وكان في جولة ليتمّ شؤونها المالية... فصرف السائق، أو اعتذر، وخرج معنا، وفوجئ إخواننا في الشقة بأن الإمام حسن البنا جاء يزورهم! كلهم يعرفونه بالصورة، لكن ناس أكثر من ناس ( ناس أغلقوا الباب، ناس تركوه مفتوحاً شيئاً ما، على حسب السيرة والتربية) فلما رأى البعض بعمائم استشهد بالبيت:
سأطلبُ حقّي بالقَنا ومشايخٍ كأنّهمُ من طول ما التَثموا مُردُ
وكان حديثه حديثاً شيقاً جداً عن مهمة الطالب المسلم بعد أن يتخرّج، والواجب، والوضع في سورية، كأنه أعطانا منهجا ًكاملاً يعبر عن تصوره لخرّيج الأزهر كيف يؤدي الرسالة على الوجه الأكمل، كلام ما قرأناه، ولا سمعناه..
شرب قهوته، وانصرف، وكان لبعضنا لقاءات منتظمة معه فيما بعد.
وبالنسبة لعلاقة محمد أديب الصالح بالحياة الاجتماعية في مصر، فكانت العلاقة مع من يتقارب معهم فكرياً، وما يزال يذكر حتى قبيل وفاته رحمه الله تعالى : أن حسن البنا رحمه الله تعالى قتل وكان محمد أديب صالح في إجازة نصفية، فعندما رجع أول إنسان لقيه، كان صديقاً له اسمه الشيخ ( عبد الرحمن الزعبي) رحمه الله تعالى، وهذا عمل فيما بعد في إدارة الأزهر، فكان أول كلمة قالها لأديب الصالح: (( يا أخي فلان، يبدو أن الأمة ليست أهلاً لاستمرار حسن البنا فيها)) .
-انتسب فضيلة الشيخ د. محمد أديب الصالح إلى حركة الإخوان المسلمين في سورية في وقت مبكر، وكان من جيل المؤسسين، ومن أبرز تلاميذ العلامة الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله تعالى -، ثم تدرج في المناصب القيادية حيث صار رئيساً للتحرير في مجلة ( حضارة الإسلام ) بعد وفاة مؤسسها فضيلة د. مصطفى السباعي – رحمه الله تعالى – عام 1964م .
وانتخب من قبل الهيئة التشريعية بجماعة الإخوان المسلمين أميناً للسر، وكان يشاركه أمانة السر الأستاذ قاسم التونجي ..وحدث ذلك عام 1954م .
ثم انتخب أيضاً في نفس العام في عضوية المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في سورية, وبعد اجتماع المكتب التنفيذي انتخب نائباً للمراقب العام للإخوان المسلمين آنذاك د. مصطفى السباعي وذلك في 15 ربيع الأول 1374/ 10 تشرين الثاني 1954م .
حج مرات عديدة، والتقى بالعلماء هناك, واستفاد من علومهم, منهم : محمد إبراهيم الختني وغيره ..
وفي عام 1978م بعد المواجهات الدامية في سورية, غادر البلاد إلى السعودية, فعمل أستاذاً للحديث في كلية أصول الدين قسم السنة وعلومها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .., وظل مدرساً فيها ما يقارب عشرين سنة، وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية في الدراسات العليا منها على سبيل المثال: اليهود في السنة المطهرة – ماجستير تقدم بها عبد الله بن ناصر بن محمد الشقاري يوم الأحد في 25/7/1403 هجرية .
مذاعات إسلامية :
ولأحاديثه الموقوفة والمستمرة عن طريق إذاعات المملكة صورة أخرى من نشاطه الفكري لا يحسن بمترجم له إغفالها .. وأول ما يتبادر للذهن منها برنامجه المعروف باسم (معالم قرآنية في البناء والتنمية) .
وقد قارب ما سجل منه الألف من الحلقات اليومية على مدى أربع سنوات، ثم اضطر إلى وقفه تحت ضغط المشاغل الجامعية، ولا تزال الإذاعة تعيد بعض حلقاته بين الحين والآخر، وقد أخبره مدير إذاعة القرآن الكريم أنهم قد أهدوا منها الكثير إلى العديد من الإذاعات العربية والإسلامية .
ومجرد اختياره لهذا العنوان يصور نزوعه الفكري إلى استكشاف الدقائق القرآنية في تربية الإنسان على النحو المتميز الذي يشمل كل خصائصه الذاتية، ليجعل منه الأنموذج الرباني الذي لا يطغى فيه جانب على آخر..
ولنستمع إليه يحدد هدفه من هذا العنوان بأنه يقدم (المبحث القرآني عن طريق حركات مركزة ومحددة في موضوع محدد يتعلق بالبناء عموماً، وبناء الإنسان بخاصة ، إذ أن التنمية بكل فروعها وميادينها رهن بناء الإنسان على المثال المتكامل الذي أراده الإسلام، وعلى هذا النهج تعرض بعض الحلقات لنماذج من أصول التنمية ، كما أوردها القرآن، والتي عمادها المتكامل الذي ينأى بالتنمية عن العثرات التي تتخبط فيها الحضارة الحديثة، فمع التنمية لقدرات الإنسان وملكاته ـ بعد العقيدة ـ تنمية الجوانب الحياتية جميعاً ،من منطلقات سليمة تنتهي إلى غايات سليمة وبوسائل نظيفة متناسقة..).
وهناك حديثان آخران على ترتيب أسبوعي يبثان عن طريق إذاعة القرآن الكريم .. أولهما : السنة : علومها ومنزلتها من القرآن الكريم . وقد سجل منها حتى كتابة هذه السطور حوالي التسعين من الحلقات .. أما الثاني فعن (اليهود في القرآن والسنة) وبلغت مسجلاته السبعين .. ويقول : إن البرنامجين مستمران في الدورة الإذاعية خلال شهر رمضان المبارك ـ الذي نعيش في ظلاله هذه الأيام .
ومرة أخرى نعيد التأمل في موضوعات هذه المذاعات فنزداد علماً بتلك المواهب التي تحفزه لاختيار الأكثر أهمية من الأحاديث، على أساس من الحاجة الماسة إلى الجديد الطريف الذي يعالج واقع الحياة الإسلامية، بعيداً عن التكرار الذي يستهوي الكثير من أهل العلم في هذه الأيام، سواء عن طريق الإذاعة أو البحوث التي قتلها مفكرو الإسلام كشفاً وتدقيقاً في القديم والحديث .
وقد كان أسلوبه مميزاً ومؤثراً في البرامج الإذاعية ، وقد قدم الكثير من الحلقات في إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة والقنوات السعودية ، ومن تلك البرامج :
- اليهود في القرآن والسنة .
- مشاهد القيامة في القرآن والسنة .
- التقوى في القرآن والسنة .
- مصطلح الحديث ...وقد فرغت جميعها وطبعت ليعمّ نفعها .
رأيه في صحوة الجيل :
وكانت فرصة صالحة لاستطلاع رأي فضيلته في بعض أحوال المسلمين :
هذه الصحوة التي كتب عنها الكثير، ونلمسها في أوساط الشباب المسلم على امتداد العالم الإسلامي، وحيثما وجد هذا الشباب، لابد أن يكون لها صورة ما في رؤيتكم الإسلامية :
يقول فضيلته في الجواب :
لابد لهذه الصحوة من أمور من أهمها :
أ ـ ربط الشباب بالأصول في فهم كتاب الله، والوثوق بالحديث النبوي وفهمه ، وما يؤصل ثقتهم بمواجهة نصوصهما ومناهج العلماء في فهمها، مما يجعلهم على بينة، وينأى بهم عن الإفراط والتفريط .
ب ـ العمل على ترسيخ صلتهم بنماذج من أعلام هذه الأمة عبر التاريخ ، لكيلا ينساقوا مع تفسيرات مادية لتاريخنا ، أو إغراق في نظرات تجعل من التاريخ متعبة للشباب .
ودراسة نماذج مضيئة من الإعلام تختار من الميادين كلها تنأى بالشباب عن العاطفة الجامحة ، وتشغله بالتأسي الجاد الذي لا بد له من المعرفة والصدق والعزيمة . وتفسير التاريخ نظرة إسلامية صحيحة في ضوء العقيدة وما هو حقها ، يضع الأمور في نصابها عند الشباب .
جـ ـ محاولة اشتمال الصحوة ضمن التيارات التي منها ما يدفع إلى ردة الفعل بسبب ظلم الطغاة وجور أولي التنفيذ ، أو انحراف بعض من يتصدون منابر العلم والتوجيه . ومنها ما وقع في حمأة الانشغال بالجزئيات عن الكليات ، ويجعل الشاب يقدم ما يراه مهماً وهو غير ذلك على الأهم ، الذي هو جمع القلوب على كلمة التوحيد ومقتضياتها ، ومواجهة التحديات بوعي وبصيرة ، وقدرة على فهم طبيعة الأرض التي يتحركون عليها ، والعدو الذي يواجهونه . وما الذي يريده الإسلام في مثل هذه المواقف .
د ـ وإذا سلكت هذه السبيل ممن أقامهم الله على هذا الثغر كان في مقدورنا توظيف الصحوة في المكان المناسب . والتوسط في مواجهة القضايا وحل المشكلات وفق المنهج الإسلامي جيد وطيب . فلا ملامة على من لا يوافقنا في الرأي ، ولا مهاترة يذهب معها الحق وتضيع الفرصة .
المؤلفات والبحوث :
كتب الأستاذ الدكتور محمد أديب الصالح العديد من الكتب والمؤلفات والأبحاث النافعة العميقة في الاختصاصات الشرعية المختلفة ... ولعل مؤلفاته المطبوعة أو التي في طريقها إلى المطبعة أقل عدداً مما يتوقع من مفكر على المستوى الذي عرفناه، بيد أن أعباء العمل التي تحاصره أبداً لها حكمها في تحديد نتاجه، كشأنها في الكثير من أهل العلم الذين حبسهم الجهاد باللسان عن التدوين في الأوراق، هذا إلى أن قوة المضمون في هذا القليل ترجح الكثير مما يعرض من المصنفات في الأسواق .. ولعله حين يصير ـ مثلي ـ إلى التفرغ للتأليف يمنحنا المزيد من الخير الذي ينطوي عليه إن شاء الله ..
أولاً :
المؤلفات والتحقيق :
1-" تخريج الفروع على الأصول " للإمام الزنجاني المتوفي سنة 656 هـ ـ حقيقه لأول مرة . وقد طبعته جامعة دمشق في مطبعتها الطبعة الأولى عام 1963م، وعمل المؤلف يذكر بالتلاحم بين أصول الفقه وأصول الحديث ، لأن " أصول الحديث " هو المفتاح الحقيقي لتحرير كتب الأصول مما فيها من أحاديث وآثار ضعيفة أو موضوعة في بعض الأحيان ولو على قلة .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن صدور الكتاب محققاً قد أبرز عمل الزنجاني العظيم وأصبح تخريج الفروع على الأصول مادة مقررة في أغلب الجامعات على صعيدي الإجازة والدراسات العليا في مقدمتها جامعة الأزهر .
وهذا ما دعاه إلى مضاعفة الجهد في خدمة الكتاب، فزاد من تحقيقه، وعني بتوثيق كل واحدة من مسائله من مصادرها الأصلية، وبذلك تتابعت طبعاته حتى بلغت الرابعة .
2 ـ " تفسير النصوص في الفقه الإسلامي " مجلدان :
وقد طبع ثانية في مجلدين، وهو على وشك الصدور في الطبعة الثالثة .
دراسة مقارنة لمناهج الاستنباط . على هدي التطور التاريخي للمصطلحات الأصولية وتخريج الأحاديث والآثار المتعلقة بالقواعد الأصولية والأمثلة عليها ، مضافاً إلى ذلك : بيان ما ترتب على الاختلاف في القاعدة الأصولية من آثار في الفروع . ومما يثلج الصدر أن هذا الكتاب مقررـ على طلاب الدراسات العليا في العديد من كليات الشريعة في العالم العربي . وقد لمست ذلك بنفسي في المملكة هنا وفي الأردن وفي الإمارات، وحدثت عن غيرها .
3ـ " مصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط " : ألفه الدكتور محمد أديب الصالح لكلية الحقوق بجامعة دمشق، وجاءت الطبعة الجديدة الثانية موسعة، منقحة، فيها مزيد عناية بالتخريج والإضافات وتوجه جديد بأدلة جرى الإطلاع عليها من كلام الزنجاني وغيره في المصدرين المعروفين : الاستحسان والمصالح المرسلة وتحرير موقف الشافعية من كل من هذين المصدرين في ضوء هذا التوجه دون إهمال لتوضيح الموقع والدليل في العبارة مع الحفاظ الدقيق على الحقيقة العلمية ، ومراعاة التطور التاريخي للقاعدة والمصطلح بحيث يجمع التعريف هنا أشتات التعريفات عند الأقدمين ـ يرحمهم الله ـ ويعرضه بيسر ولين قدر المستطاع الأمر الذي آمل أن يسهم فيما يدعى إليه من التجديد . وما لابد من الإشارة إلى أن نواة هذا الكتاب كانت مذكرات درست موضوعاتها لطلاب السنة الرابعة بكلية الحقوق بجامعة دمشق ، حيث كانت الكلية قد أسندت إلي بموافقة كلية الشريعة تدريس مادة الأصول فيها ست سنوات كوامل .
4-(لمحات في أصول الحديث والبلاغة النبوية) : وطبع للمرة الثالثة في المكتب الإسلامي في بيروت، وهو في الطريق إلى الرابعة .وهو كتاب لطيف في مصطلح الحديث ، كتب له مقدمة في تاريخ السنة وأصول الحديث وعرج على البلاغة النبوية باختصار .
5-(من الجامع لأحكام القرآن) : تفسير ودراسة تحليلية لنصوص من تفسير القرطبي ، مع ترجمة للمؤلف، ودراسة لمنهجه في التفسير .
6 ـ " على الطريق " مجموعة مقالات فكرية، وبحوث تتعلق بالعلوم الإسلامية .
7- " هكذا يعلم الربانيون ": وهي مقالات تربوية تهتم بتزكية النفس نشرها تباعاً في مجلة حضارة الإسلام الصادرة في دمشق، وقد جمعها في مجلد أنيق
8 ـ " أدعياء الهيكل : مقالات عن اليهود .
9- القيامة : مشاهدها وعظاتها في الحديث النبوي . 3 أجزاء .
10- التقوى في هدي الكتاب والسنة وسير الصالحين: " 4 أجزاء في مجلدين .
11-" معالم في الغاية والمنهج " مجموعة افتتاحيات " حضارة الإسلام " بوصفي رئيس التحرير، وعدد من المقالات والبحوث العلمية والفكرية . مجلدان .
12- " القصص في السيرة النبوية ".
13-(مذكرات في التفسير) : لطلاب كلية الشريعة، ويقول إن هذه المذكرات في طريقها لتكون عدة كتب، بعد أن تولاها بالمراجعة والتنقيح والتعديل في ضوء التدريس والمعاناة ..
14 -(معالم قرآنية في البناء والتنمية) .
15- (على الطريق) جزءاً ثانياً .
16-(من هدي النبوة): مجموعة أحاديث مختارة درست، وشرحت بتحليل في المعهد العالي للدعوة الإسلامية .
17- (البلاغة النبوية): مجموع محاضرات ألقيت على طلبة قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة دمشق .
18-(أصول الفقه).
19-(من أحكام القرآن): وهو آيات الأحكام التي درسها في جامعة دمشق
20-(تخريج أحاديث البزدوي): للقاسم بن قطلوبغا - بتحقيق المترجم .
ثانياً :
ومن البحوث :
1 ـ نظرة في الإجماع عند الشافعي -رحمه الله- (منشور) . مجلة كلية الشريعة بالجامعة الأردنية 1970 ـ 1971 العدد الأول .
2 ـ بحث عن المستشرق جولد زيهر وأمثاله في الموقف من الاستنباط وأصول الفقه بعنوان : عجمة القلب واللسان .(منشور).
3 ـ بحث عن الإمام الزنجاني وكتابه : " تخريج الفروع على الأصول " بعنوان : عالم وكتاب . (منشور).
4ـ تحقيق كتاب :" تخريج أحاديث البزدوي " للقاسم بن قطلوبغا ، قيد الإنجاز والطبع . وهو كتاب في غاية الأهمية لأنه يخرج أحاديث وآثار كتاب جد مهم من كتب أصول الحنفية . وهذا الكتاب أنموذج للعلاقة التي يفترض أن تكون حميمة بين أصول الفقه وأصول الحديث كما أشرت إلى ذلك من قبل . وفوائد ذلك على ساحة العلم لا تخفى على منصف وأبسطها أن يكون الأصولي على بينة من أمره في العلاقة بالنصوص .
5 ـ شرح كتاب " الرسالة " للإمام الشافعي (تخطيط وتهيئة) .
6 ـ" أحكام القرآن " تفسير آيات الأحكام في سورة البقرة (بحث موسع للطلبة).
7 ـ " أحكام القرآن " تفسير آيات الأحكام في سورة النساء (بحث موسع للطلبة) . وهما كتابان معدان للطبع ومنشوران كمذكرات لطلبة الشريعة .
8 ـ" عربية اللسان في القرآن الكريم ".
9 ـ " في البلاغة النبوية " منشور.
10 ـ " حول التفسير حسب النزول وعلاقة ذلك بالمعاني والأحكام .منشور.
11 ـ بين الطبري ويحيى بن سلام .
المشاركة الإذاعية :
كان من توفيق الله ما أتيح له من المشاركة الإذاعية في إذاعة القرآن الكريم منذ المجيء إلى المملكة العربية السعودية عام 1978 م وحتى الآن، وذلك بتقديم عدد من البرامج والأحاديث التي تذاع أيضاً من إذاعتي البرنامج العام والبرنامج الثاني، وكذا المشاركة في ندوات علمية إذاعية وتلفزيونية .
ومن البرامج الإذاعية :
1 ـ " معالم قرآنية في البناء والتنمية " وقد ناهزت حلقاته الألف حلقة .
2 ـ" السنة ومكانتها التشريعية في الإسلام ".
3 ـ " اليهود في القرآن والسنة ".
4 ـ " مشاهد القيامة في الحديث النبوي ".
5 ـ " التقوى في الكتاب والسنة ".
6 ـ " الربانيون " قدوة وعمل .
7 ـ " القصص في السنة النبوية ".
وتتم إذاعة بعض من هذه البرامج ـ بالتنسيق مع إذاعة القرآن الكريم بالرياض وإهداء منها ـ في عدد من إذاعات الدول العربية والإسلامية وتحرص إذاعة القرآن الكريم مشكورة على تجديد إذاعة بعض البرامج التي ترى في عطائها صلاحية الإعادة، ولذلك تتكرر إعادة إذاعة تلك البرامج كالذي هو حاصل في هذه الدورة بدءاً من المحرم حيث تعاد إذاعة برنامج : مشاهد القيامة في الحديث النبوي حيث يستمر ذلك حتى المحرم 1427 هـ .
أنموذج من أحاديثه المذاعة :
ـ مع اليهود ـ
اليهود هم اليهود .. وقصتنا التي طال أمدها مع الذين غضب الله عليهم ما تزال على ما يبدو بعيدة النهاية حتى تعود أمتنا سيرتها الأولى . وفي القرآن ضياء على دروب هذه الرحلة [ومن أصدق من الله حديثاً !] فالمسلم يردد قوله تعالى :[غير المغضوب عليهم ولا الضالين] مرات ومرات في الصلاة وخارج الصلاة .
والذي رأيناه من مكرهم وغدرهم، ونراه اليوم من صلفهم وتجاوزهم كل الحدود، كما يمثل في وجهه الأول حقيقة ما هم عليه ، يمثل في وجهه الآخر، انعكاس ما نحن عليه في أنفسهم . فهم ينطلقون من حقيقة ما هم عليه أولاً، ومن اقتناعهم بما نحن عليه ثانياً .
وكل هذا ينبغي أن يزيد الأمة حرصاً على وضوح الرؤية بشأن هؤلاء اليهود، والنظر إلى أمرهم نظرة جادة ، لا تدع الاعتبار بالماضي ، كما لا تغفل أثر الحاضر في المستقبل . فالخطر الداهم ممن حل عليهم غضب الله ولعناته، لا يقتصر على ميدان دون ميدان ، ولكن يتعدى السلم والحرب إلى الميادين كلها ، والأمة التي تقف على أبواب يقظة جديدة، يجب أن تكون أمورها الثقافية ـ بمدلولها الواسع ـ والسياسة، والاقتصادية، والاجتماعية، في حسابها عندما تحارب أو تسالم ، عندما تهادن أو تخاصم .
من أجل ذلك علينا أن نحسن بناء الفرد على العقيدة وحب الجهاد، ونحول دون زعزعة كيان الجماعة ، ونوظف العلم في الإفادة من ثروتنا ، وتنمية طاقاتنا المعنوية والمادية ، كي نستطيع مواجهة المراحل المقبلة ، وما تلده الليالي من وقائع وأحداث .. ويوم لا نضع في حسابنا ما عليه عدونا من خلائق جاء على ذكرها القرآن الكريم والسنة المطهرة وأكدتها الوقائع ، ونهمل طبيعة العلاقة بيننا وبينهم على مدى التاريخ ، وخصوصاً ما كان من عدائهم للرسالة والرسول ، وما تبع ذلك من شرور مزقت فيما مزقت تلك الراية التي كان يجتمع حولها المسلمون .. يوم نفعل ذلك على طريق حسم ما بيننا وبينهم ، نكون غافلين عن الحقيقة متخلين عن واحد من أمضى الأسلحة في ميدان الصراع ، وهل أدل على ذلك من واقع صنيعهم اليوم ، ودس أنوفهم في كل ميدان ، محاولة منهم للتأثير في حياتنا تحت شتى العناوين ، والإفادة من تخلخل الصف وانحسار الإسلام عن حياة المسلمين في كثير من البقاع!
إن باباً عريضاً للعزة والنصر سوف يكون ملكاً لهذه الأمة، إذا هي اعتبرت بالماضي ، ولم تغفل طبيعة الصراع في الحاضر، وكانت على ذكر من أنه لا يحسن الظن بهؤلاء الأعداء ومن هم على شاكلتهم . إلا زائغ عن طريق الحق أو غافل، ففي ظلال الإخراج المسرحي لصلح منفرد نرى من بعض تصريحات رئيس وزرائهم قوله : (لن نتخلى بأي حال من الأحوال عن مدينة القدس عاصمة إسرائيل التي توحدت إلى الأبد) وهو يعتبر ـ كما نعلم ـ الضفة الغربية التي أسماها (يهود السامرة) جزءاً لا ينفصم من أرض إسرائيل الكبرى .
وللتاريخ كلمة هو قائلها في من يتبرع ، أو يساوم على قضية الأمة بكاملها ، لأنها في دم كل مسلم وروحه وقلبه ، وليست ملك إنسان سوف تبدي الأيام أنه لا يملك ما يساوم عليه ، وحسبنا في هذه الدقائق الخمس أن نذكر قول الله تعالى بعد أن عرض للكثير من ضلالهم ، والخطاب للمؤمنين :
[أفتطمعون أم يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون ! .. أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون، وما يعلنون !].
ويخاطب الله المسلمين خطاباً يحملهم على اليأس من خيرهم .. كيف .. وهؤلاء اليهود يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ويبدلونه، وكأنهم يحسبون الله غافلاً عما يعملون .. فإذا كان هذا موقفهم من رب العالمين وكلماته فكيف يبقى للطمأنينة إليهم مكاناً ؟!..
إنه الدرس الذي لا يصح لغافل أن ينساه ، والمعلم القرآني الذي يجب على الأمة أن تسير في علاقتها باليهود على هداه ..
النشاطات الأخرى :
ـ رئاسة تحرير مجلة " حضارة الإسلام " من عام 1964 وحتى عام 1981 م، وهي مجلة محكمة كانت تصدر في دمشق . وقد استودعها عدداً وافراً من الافتتاحيات والبحوث والمقالات يربو عدد صفحاتها على خمسمائة وألف، وقد حدّد طبعها في مكتبة العبيكان بمجلدين، وكان ذلك بعنوان " معالم في الغاية والمنهج ".
ـ الإسهام في التوجيه العلمي الدعوي والمشاركة في عدد من الندوات والمحاضرات، مع القيام ـ بحمد الله من زمن طويل ـ على عدد من الحلقات العلمية المتخصصة في أصول الفقه وأصول الحديث وتفسير النصوص في الكتاب والسنة والإسهام في التوعية الإسلامية قدر المستطاع .
ـ المشاركة في النشاط العلمي والدعوي في كل من قطر والكويت، وبخاصة في شهر رمضان المبارك .
ـ المشاركة الفعالة في الندوات العلمية والتربوية التي كانت تنظمها كلية الشريعة بجامعة دمشق والتي أسهمت في تكوين الطالب والطالبة والارتقاء بهما إلى مستوى السلوك الذي فيه تتحقق أهداف
في الإعداد العلمي والتربوي .
ـ تولي إلقاء خطبة الجمعة في مسجد جامعة دمشق خلال الأعوام : 1964 ـ 1969 ، وهو مسجد كبير تشرف عليه كلية الشريعة وتؤمه أعداد كبيرة من الأساتذة والطلاب ـ من مختلف التخصصات ـ وكبار المثقفين ، وقد كانت الخطابة فيه موجهة بحيث تكون صورة من صور التكامل العلمي والفكري مع العمل الجامعي في كليتي الشريعة والحقوق .
ـ المشاركة في بعض المؤتمرات ومحاضرات وندوات بعض الأسابيع الثقافية في بعض الجامعات وما هو منها بسبب .
ـ زيارة بعض الجامعات العربية والتدريس فيها بناء على دعوات منها بصفة أستاذ زائر وذلك لمدة تتراوح بين الشهر والشهرين وأحياناً أكثر، حصل ذلك بجامعة قطر، وجامعة الملك سعود ، وجامعة الإمام قبل الإعارة .
ـ ومن نعم الله جل شأنه بعد توقف العمل الجامعي للتقاعد : ما من الله به عليه من استمرار اللقاء الدوري على حلقات علمية خاصة في " أصول الفقه " ـ على الأعم الأغلب ـ و" الحديث النبوي " في مصادره وشروحه .
ـ ثم توافر الوقت والبركة فيه : لاصطحاب مكتبته الخاصة في المنزل ، أكثر من ذي قبل ، وهي مكتبة تضم ـ بحمد الله ـ آلاف العناوين المنوعة حيث التفرغ لشيء من التنقيح والاستدراك لبعض المؤلفات تمهيداً لإعادة طباعتها، وإنجاز ما يكون من المقدور عليه من البحوث والتآليف .
يضاف إلى ذلك : القيام بما تكلفه به بعض الجامعات من مناقشات لرسائل الدكتوراه ، أو التحكيم في تقويم إنتاج علمي لترقية صاحبه في السلم الجامعي ، أو النشر في مجلة علمية محكمة ، ناهيك عما قد يصحب ذلك من استشارة علمية من قبل مراكز البحوث ، أو تقويم بحث علمي يراد نشره عندها .
والاستضافة العلمية التي قد تشرفه بها جامعة من الجامعات، كالذي حصل من قريب ، من جامعة الشارقة ، وجامعة الإمارات ، وكلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي : أمر طيب يجدد للأستاذ الجامعي آفاق التعاون العلمي البناء والحمد لله رب العالمين .
· تجدر الإشارة هنا إلى أن الميل إلى مادة " أصول الفقه " كان يحمله على شيء من التوسع بدراسة خاصة على بعض مشايخه المتخصصين يومذاك، وكان الواحد منهم يحرص على قراءة الكتاب ـ بفهم ـ من الجلدة إلى الجلدة .
· الرتب المذكورة في أعلاه هي وفق مصطلح جامعة دمشق وقتذاك . والحقبة الزمنية بين المرتبة والمرتبة التي تليها خمس سنوات .
علماً بأن حامل الدكتوراه ـ ولو كان موفداً من الجامعة مثله ، لابد من فحص الرسالة من قبل لجنة تشكلها الجامعة لأن الرسالة صلحت للدكتوراه، ولكن الصلاحية للتدريس في الجامعة الموفدة أمر آخر.
وفاته - رحمه الله تعالى - :
توفي فضيلة الشيخ محمد أديب الصالح يوم الأحد 7 شوال 1438هـ/ الموافق 2/7/2017م عن عمر تجاوز / 91 / عاماً قضاها في التعليم، والتدريس، والتأليف والدعوة إلى الله تعالى، وتشهد له ساحات العلم، والدعوة بغزارة العلم، وعمق الفكرة، ودماثة الخلق، والتواضع.
وقد وصف الأخ عمير الجنباز جنازة الشيخ، فقال : في تشييع شيخنا العلَّامة محمد أديب الصالح رحمه الله تعالى، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺟﻨﺎﺯﺗﻪ ﻣَﺸﻬُﻮﺩﺓ، ﻭأعداد ﻣﻦ ﺣﻀﺮﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﻣَﻌﺪُﻭﺩﺓ، ﻓﺮﺣﻢَ ﺍﻟﻠﻪ ﺭُﻭﺣَﻪ، ﻭﻧﻮَّﺭَ ﺑﺎﻟﻤﻐﻔﺮﺓِ ﺿﺮﻳﺤَﻪ..
فقيدُ العُلا حبرٌ سمَا بفعالهِ...إلى ذروة المجدِ الرَّفيع الدَّعائمِ
تغمَّده ربُّ العبادِ برحمةٍ... وبوَّأه الفردوسَ مع كلِّ ناعمِ
أحواله الاجتماعية :
وفضيلة الشيخ محمد أديب الصالح متزوج من ابنة الشيخ إبراهيم الغلاييني (أم إقبال )، وقد أنجب الشيخ منها أربع بنات : فاطمة أديب الصالح، ومؤمنة ، وثلاثة ذكور : محمد إقبال، ويمان ...
فاطمة محمد أديب الصالح :
ولدت في العاصمة ( دمشق) عام 1955م ونشأ في كنف أسرة مسلمة ملتزمة .وتقيم مع أسرتها في الرياض
وتعمل مستشارة التحرير في مجلة ( بريد المعلم ) .
تحمل شهادة دبلوم تربوي من جامعة الملك سعود في الرياض .
كما تحمل إجازة في اللغة العربية من كلية الآداب في جامعة دمشق .
وهي عضوة في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وفي رابطة أدباء الشام
الكتب والبحوث التي ألفتها ونشرتها :
مجموعة قصصية للأطفال (3 قصص) بعنوان: طفولتنا الجميلة/ دار الهدى- الرياض
زاوية شهرية ( نسمة حرية) في مجلة الأسرة الصادرة في الرياض(1993-1996)
كتيب بعنوان: من أوراق زوجة معتقل ( صدر باسم مستعار) - دار الفرقان- عمّان .
عنوان المراسلات : ص.ب301175- الرياض:11372
e-mail : [email protected]
مؤمنة محمد أديب صالح (سورية) :
ولدت عام 1958في مدينة دمشق.
حصلت على الشهادة الثانوية من دمشق 1976 , والتحقت بكلية الآداب بجامعة دمشق ـ قسم اللغة الفرنسية, ثم تحولت إلى كلية الشريعة, ثم سافرت إلى الرياض عام 1980 دون أن تكمل دراستها الجامعية. وتدرس الآن في معهد الخليجية للتنمية للحصول على دبلوم في الكومبيوتر.
لها ديوان دوح بغداد – مكتبة العبيكان – الرياض 1428ه/ 2007م – ص 176 ، 14/ 21 سم .
عنوانها: شركة هاشم للمقاولات والتجارة ص.ب: 10005 ـ الرياض 11433 ـ المملكة العربية السعودية.
المـوهــــــــوم :
أغرتْ حبيبكَ رقة فتمادى ومضى يؤمّل جودك المعتادا
ورنا لأيام الصفاء مرددًا بشراكَ قلبيَ قد غدوت مُرادا
يا لهف قلب أحبةٍ لم يعلموا أن الحبيب كعهده ما عادا
أن الحبيب مشى بدرب زهادة ورمى مجالس أنسه وأبادا
مَنْ مبلغٌ عني الحبيب بليلةٍ زادت قميرَ سمائنا إجهادا
أرجو التفاتًا من قساةِ أحبةٍ لا يعرفون بليلهم تَسهادا
يا راحلين وما بجيب رحالكم إلا التجافيَ زادكم أصفادا
يا تاركي قلبي تلهَّبَ جمرُهُ وشكا إليَّ حنينه وأعادا
يا سائرين على دروب عقولكم أين القلوب تردُّ مَنْ قد حادا
للقلب حظ, فاتقوا ربَّ الورى وارعوْا وجيب فؤادكم لو نادى
ما بالعقول يسير ركب حياتنا أعطوا القلوب مع العقول قيادا
يا سائري دربَ التجاهل لم يزل قلبي لمدِّ بحوركم منقادا
يرجو التواصل والحبيب يردُّه ويروم عيش زمانكم لو جادا
لما اعتلى عرش الفؤاد غزالكم نفرت ظباء جوارنا حُسّادا
وتركنه يدمي الفؤاد بصدِّه أين الظباء يزرنني عُوّادا
لما تمكّن سهمه بضلوعنا واصطاد مِنْ أرواحنا ما اصطادا
ما عاد ينفع للعليل دواؤكم حتى ينال من الحبيب ودادا
ســــربـــرينـــيتـــشـا :
أنا ريشة فقدت قوادِمَ عزّها وهوت خوافي مجدها الموؤودِ
أنا نغمة البلوى بلحن حياتكم أفما سمعتم باكيات نشيدي?!
أنا زهرة ذبلت بقاحل روضكم هلاَّ افتديتم زهرة بقيود?!
أنا صرخة جرحت سكون مسائكم أُشْوى بنار صحابة الأخدود
أنا بضعة منكم ونبضُ وريدكم كيف القلوب تطيق قطع وريد?
أنا نار حرب لا يطيق أُوارَها إلا كماة شهادة وخلود
أم الأرامل والثواكل والضنى خوف اليتيمة واحتضار وليد
هل قُدَّ من صخرٍ فؤاد بنيكُم أو سال دمع العين من جلمود
أنا كنت رائعةً ببِيض مآذني وجلال محرابي, وبيت سجودي
أنا زهرة البلقان نَبْتُ هداية وخميل حُسْنٍ دائم التجديد
أنا ألف محراب وألف منارة بنت الخلافة أهتدي بحميد
جدي (محمد) والمراد معلمي من آل عثمانَ استقيت خلودي
سل قائمًا يتلو بظل منارتي عذب القراءة, ساحر التجويد
سل فتيةً فُتِنوا بسحر مرابعي وصبيَّة عشقت عبير ورودي
مهما أناديكم أتاني ردكم في ثني عِطفٍ والتفات صدود
فمتى تفيق من السقام مروءة ومتى تجيء جيوشكم لحدودي?
الــرحيـــــــل الـثــــاني :
أراحلةٌ إلى أرض الغيابِ? وتاركةُ المحبِّ بلا جوابِ
ونائيةٌ عن الأحبابِ صبحًا وهاجرةُ الحنانِ إلى الوصاب
أراحلةٌ ولا تدرين أنِّي إذا ما غبتِ غادرني صوابي
ولا تدرين أنَّ لديَّ قلبًا بحبكِ عاش دومًا في شباب
أليلى كفكفي دمعاتِ أختٍ بقربكِ ما درت معنى الصِّعاب
تدثرها برودٌ من حنانٍ وتسريةٍ ودفء في العتاب
أراحلهٌ وأولاد أحاطوا بقلب الأهلِ سورًا دون باب
تمكن حبهم بشغاف قلب تذيب شِغافَه سِيَرُ الغياب
سترتحلين عن عيني وسمعي ويشقى القلبُ في حُلَلِ العذابِ
أصداء الرحيل :
نعي الشيخ الدكتور محمد أديب الصالح رحمه الله :
أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سورية بياناً نعت فيه العلامة محمد أديب الصالح جاء فيه :
(( بسم الله الرحمن الرحيم
((مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا))
تنعى جماعة الإخوان المسلمين في سورية فضيلة الشيخ المربي العلامة الدكتور محمد أديب الصالح، والذي وافته المنية ظهر الأحد ٨ شوال ١٤٣٨، الموافق ٢ تموز ٢٠١٧ في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.
والشيخ الراحل من مواليد ١٩٢٦ في بلدة قطنا جنوب دمشق، وهو من علماء سورية ومفكّريها ودعاتها، وزوج ابنة العالم الشيخ ابراهيم الغلاييني رحمه الله، ومن الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين في سورية.
يحمل الشيخ رحمه الله شهادة الدكتوراه في الحقوق من جامعة القاهرة، عمل الشيخ الراحل رئيساً لقسم القرآن والسنة بجامعة دمشق، وأستاذاً لأصول الفقه، ورئيس قسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، ورئيس تحرير مجلة حضارة الإسلام.
من مؤلفاته :
أدعياء الهيكل، معالم قرآنية في البناء، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي.
عرفته ساحات العلم والدعوة داعية حصيفاً، وخطيباً مفوّهاً تهتزّ له المنابر، قوي الحجة، فطناً ألمعياً، مهيباً لطيفاً نبيلاً، مربّياً مبدعاً.
رحم الله الشيخ العلامة الدكتور محمد أديب الصالح وتقبله في عداد الدعاة العاملين، ونتقدّم بالعزاء لأسرته وذويه وطلابه ومحبيه، وللشعب السوري الحر العظيم.
و إنا لله وإنا اليه راجعون
جماعة الإخوان المسلمين في سورية
المكتب الإعلامي
٩ شوال ١٤٣٨ه
٣ تموز ٢٠١٧م
-الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينعي الداعية الإسلامي الشيخ الدكتور محمد أديب الصالح - رحمه الله - :
وفي تاريخ: 3 يوليو، 2017م أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين البيان التالي :
(( فقد تلقينا بقلوب مفعمة بالرضا بقدر الله وفاة فضيلة الشيخ الدكتور محمد أديب صالح رحمه الله.. حيث حفلت حياته بأنشطة دعوية ممتدة في مناطق العالم الإسلامي، كما حفلت بتدريس العلوم الشرعية لطلاب العلم في أكثر من جامعة عربية وإسلامية.
وقد تعلم رحمه الله بحلقات العلم على أيدي نخبة من العلماء الكبار وفي مقدمتهم الأستاذ الشيخ إبراهيم الغلاييني مفتي قطنا ـ والتي مهدت للقدرة على إمكان التعامل مع بعض من أمهات الكتب في الشريعة واللغة العربية، ساعد على ذلك حفظ عدد لا بأس به من المتون. وكان ذلك قبل التحاقه بالجامعة. وحصل على إيفاد من وزارة المعارف يومذاك إلى الجامعة الأزهرية، وكان الحصول على شهادة تلك الجامعة عام 1949م، ثم حصل على إجازة الحقوق من كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1950 م.
بعدها دخل كلية الشريعة معيداً بمسابقة شرعية عام 1956 ـ 1957 م. وذلك بعد التدريس خمس سنوات أو تزيد في ثانويات ودور المعلمين بدمشق وحلب. وتمت إيفادته من جامعة دمشق إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1959 م بعد تدريس مادة "أحاديث الأحكام" سنة دراسية بكلية الشريعة بدمشق .
وتم له الحصول على شهادة معهد الشريعة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة (وهي مع رسائلها الموجزة بمثابة درجة الماجستير) عام 1961.
وتم لفضيلته رحمه الله الحصول على الدكتوراه في الحقوق (الشريعة الإسلامية) من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى مع تبادل الرسالة مع الجامعات الأجنبية، مع التوصية بطباعتها، وكان موضوع الرسالة: تفسير النصوص في الفقه الإسلامي/ دراسة مقارنة... ثم تدرج في السلم الاكاديمي 1964 ـ 1969 م: عمل كمدرس بكلية الشريعة والمشاركة بوضع المناهج مع تدريس مادة أصول الفقه في كلية الحقوق ومواد علوم القرآن وعلوم الحديث والبلاغة النبوية في كلية الآداب بجامعة دمشق . ثم تولى رئاسة قسم علوم القرآن والسنة بكلية الشريعة بجامعة دمشق وتدريس آيات الأحكام وأحاديث الأحكام وأصول الفقه بكلية الشريعة وأصول الفقه بكلية الحقوق .
وتولى التدريس بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية محاضراً فيها في أول عام افتتحت فيه ورئيساً لقسم أصول الدين ودام ذلك سنتين ثم كانت الإعارة سنتين أيضاً، وكان ـ مع التدريس في هذه المرحلة ـ الإسهام في وضع مناهج الكلية ثم تثبيتها مع مراعاة قابلية التطوير وهذا مع القيام بأعباء التدريس بجامعة دمشق خلال السنتين الأوليين والمشاركة في تأليف بعض كتب التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية في المدارس الأردنية. وكذا المشاركة في ندوات الجامعة العلمية والثقافية ولدورات وزارة الأوقاف الأردنية التربوية والدعوية..
ثم أستاذا في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، (وكان قد قدم إليها معاراً من دمشق) .
أعمال علمية :
أما أعماله العلمية فقد بدأت بتحقيق كتاب "تخريج الفروع على الأصول" للإمام الزنجاني ت 656 هـ . مع دراسة وافية للكتاب وأهمية موضوع تخريج الفرع على الأصل فيه، إذ قام منهجه على تتبع أبواب الفقه بالتسلسل والكشف عن علاقة الفرع الفقهي بالقاعدة عند كل من الحنفية والشافعية مضافاً إلى ذلك الفهارس العلمية الشاملة.
وكان له الكثير من المؤلفات والبحث والتحقيق مثل تخريج الفروع على الأصول " للإمام الزنجاني المتوفي سنة 656 هـ ـ تحقيق، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي" مجلدان: دراسة مقارنة لمناهج الاستنباط، لمحات في أصول الحديث، مصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط، مع الجامع لأحكام القرآن "منهج القرطبي ودراسة تحليلية لنصوص من تفسيره، على الطريق" مجموعة مقالات فكرية وبحوث تتعلق بالعلوم الإسلامية. هكذا يعلم الربانيون. وغيرها.
وكان له الكثير من النشاطات الأخرى نذكر منها على سبيل المثال رئاسة تحرير مجلة "حضارة الإسلام" من عام 1964 وحتى عام 1981 م، وهي مجلة محكمة كانت تصدر في دمشق. وقد استودعتها عدداً وافراً من الافتتاحيات والبحوث والمقالات يربو عدد صفحاتها على خمسمائة وألف وقد حددت طبعها في مكتبة العبيكان بمجلدين وكان ذلك بعنوان "معالم في الغاية والمنهج"، الإسهام في التوجيه العلمي الدعوي والمشاركة في عدد من الندوات والمحاضرات.
مشاركات إذاعية :
هذا بالإضافة إلى الكثير من المشاركات الاذاعية حيث أتيح له من المشاركة الإذاعية في إذاعة القرآن الكريم منذ ذهابه إلى المملكة العربية السعودية عام 1978 م وحتى الآن، وذلك بتقديم عدد من البرامج والأحاديث التي تذاع أيضاً من إذاعتي البرنامج العام والبرنامج الثاني، وكذا المشاركة في ندوات علمية إذاعية وتلفزيونية.. وقد استضافته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية في مواسمها الثقافية والدعوية لسنوات عدة.
وقد فقدت الأمة الإسلامية واحدا من أبنائها المخلصين الأفاضل نسأل الله العلى القدير أن يغفر له ويرحمه رحمة واسعة ويعفو عنه، ويجزيه خير الجزاء، ويكرم نزله، ويدخله جنة الفردوس، وأن يلهم أهله وذويه، وأهله ومحبيه وزملاءه الصبر والسلوان إنه نعم المولى ونعم المجيب.
هيئة علماء المسلمين تنعى الفقيه والأصولي الأستاذ الدكتور محمد أديب صالح رحمه الله تعالى :
وسارعت هيئة علماء المسلمين في العراق إلى نعي العالم الجليل في يوم الأحد 02-07-2017 م تقول فيه :
(( نعت الأمانة العامة في هيئة علماء المسلمين في العراق؛ الفقيهَ والأصوليَّ الأستاذ الدكتور (محمد أديب صالح)، الذي وافاه الأجل في العاصمة السعودية الرياض عن عمر ناهز (91) عامًا، إثر تدهور حالته الصحية نتيجة كبر السن.
وأوضحت الهيئة في بيان النعي الذي أصدرته اليوم الأحد؛ أن الشيخ ـ رحمه الله ـ ولد في مدينة (قطنا) جنوب غرب دمشق، ونشأ يتيمًا بعد وفاة والده في الشهر السادس من عمره، ثم بدأ تعليمه في إحدى مدارس قطنا، وأخذ الشهادة الابتدائية منها، ثم انتقل إلى دمشق وأكمل تعليمه هناك، ودرس عند الشيخ ( إبراهيم الغلاييني ) فحفظ المتون الشرعية، وأخذ قدرًا وافرًا من العلوم الشرعية والعربية وفي مقدمتها: الفقه والتجويد.
وأضافت الهيئة أن الشيخ محمد أديب ـ رحمه الله ـ حصل على إجازة الحقوق من كلية الحقوق بجامعة دمشق، ثم دخل كلية الشريعة معيدًا، ثم حصل على شهادة معهد الشريعة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم الدكتوراه في الحقوق (الشريعة الإسلامية) من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى، وقد رأس قسم القرآن والسنة بجامعة دمشق، وعمل أستاذًا لأصول الفقه بكلية الحقوق فيها، ثم أستاذًا ورئيسًا لقسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض.
وللشيخ الفقيد ـ رحمة الله عليه ـ عدد من المؤلفات النافعة، من أبرزها: تحقيق كتاب (تخريج الفروع على الأصول) للزنجاني، وتفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ومصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط، ولمحات في أصول الحديث، والقيامة؛ مشاهدها وعظاتها في الحديث النبوي، وغيرها من الكتب في التفسير والفكر والدعوة والسلوك، فضلًا عن مجموعة كبيرة من البحوث والمقالات المتنوعة، وقد تخرج على يديه آلافٌ من الطلبة الجامعيين وغيرهم، ومئات من أساتذة الجامعات في سورية، والأردن، والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن أنه رأس تحرير مجلة (حضارة الإسلام) الرائدة، التي كانت تصدر من دمشق في النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي.
وابتهلت الهيئة إلى الله عز وجل أن يرحم الفقيد ويغفر له ويجزيه خير الجزاء على ما قدم، وأن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه وتلاميذه ومحبيه الصبر الجميل..)).
هيئة علماء فلسطين في الخارج تعزي بوفاة العالم المهاجر محمد أديب الصالح رحمه الله :
(( بسم الله الرحمن الرحيم :
[يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي] سورة الفجر : 27 .
الحمد لله ربّ العالمين، والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد:
فقد تلقت هيئة علماء فلسطين في الخارج ببالغ الحزن والاحتساب عند الله تعالى نبأ وفاة فضيلة العالم المهاجر الشيخ محمد أديب الصالح - رحمه الله - .
الذي وافاه الأجل في مهاجره في المملكة العربية السعودية يوم الأحد 7 شوال 1438هـ الموافق 2/7/2017م عن عمر تجاوز 90 عاماً قضاها في التعليم والتدريس والتأليف والدعوة إلى الله تعالى، وتشهد له ساحات العلم والدعوة بغزارة العلم وعمق الفكرة ودماثة الخلق والتواضع.
وقد خلّف من بعده عشرات المؤلفات والمقالات والكثير من التلاميذ الذين يحملون السيرة الطيبة ويتابعون المسيرة النافعة من بعده بإذن الله تعالى.
وإننا إذ نعزي الأمة الإسلامية جمعاء وأهل سورية الحبيبة وعلماءها وذوي العالم الفاضل وتلاميذه فإننا نضرع إلى الله عزّ وجل أن يتقبل الراحل في واسع رحمته وأن يكرم وفادته وأن يحشره مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وأن يعوّض الأمة خيراً؛ إنه أكرم مسؤول.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
هيئة علماء فلسطين في الخارج
7/10/1438هـ
2/7/2017م
-ينعى المنتدى العالمي للوسطية المفكر السوري الدكتور محمد أديب الصالح :
(( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))
توفي بالعاصمة السعودية الرياض ظُهر اليوم الأحد، الدكتور محمد أديب صالح، أستاذ ورئيس قسم القرآن والسنة بجامعة دمشق، وأستاذ أصول الفقه بكلية الحقوق فيها، وأستاذ ورئيس قسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض سابقاً، رئيس تحرير مجلة ”حضارة الإسلام”.
والدكتور الصالح عالم وأديب وأكاديمي تخرج على يديه آلاف الطلبة الجامعيين، ومئات من أساتذة الجامعات في سورية، والأردن، والمملكة العربية السعودية، وهو من مواليد عام 1926م في قطنا جنوب غرب دمشق.
الصالح عمل مدرسًا في جامعات دمشق وعمان والرياض، وتخرج على يده الآلاف من الطلاب، وله صلة قرابة مع الشيخ إبراهيم الغلاييني، الذي شغل منصب مفتي دمشق وضواحيها منذ عام 1940 إلى أن توفي عام 1958.
يحمل الصالح شهادة من الجامعة الأزهرية، وعلى إجازة الحقوق من كلية دمشق عام 1950.
وله العديد من المؤلفات والمطبوعات أبرزها: “تخريج الفروع على الأصول”،” تفسير النصوص في الفقه الإسلامي”،” على الطريق” وهي مجموعة مقالات فكرية وبحوث تتعلق بالعلوم الإسلامية ، “هكذا يعلم الربانيون “، و”أدعياء الهيكل”، وغيرها.
ومن المقرر أن يُصلى عليه بعد صلاة العصر من يوم غدٍ الاثنين، في الجامع “الراجحي” في الرياض.
من جهتها، نعت الأمانة العامة في هيئة علماء المسلمين في العراق؛ الصالح، وقالت في بيان النعي الذي أصدرته اليوم الأحد؛ أن الشيخ ـ رحمه الله ـ ولد في مدينة (قطنا) جنوب غرب دمشق، ونشأ يتيمًا بعد وفاة والده في الشهر السادس من عمره، ثم بدأ تعليمه في إحدى مدارس قطنا، وأخذ الشهادة الابتدائية منها، ثم انتقل إلى دمشق وأكمل تعليمه هناك، ودرس عند الشيخ (إبراهيم الغلاييني) فحفظ المتون الشرعية، وأخذ قدرًا وافرًا من العلوم الشرعية والعربية وفي مقدمتها: الفقه والتجويد.
وأضافت الهيئة أن الشيخ محمد أديب ـ رحمه الله ـ حصل على إجازة الحقوق من كلية الحقوق بجامعة دمشق، ثم دخل كلية الشريعة معيدًا، ثم حصل على شهادة معهد الشريعة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم الدكتوراه في الحقوق (الشريعة الإسلامية) من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى، وقد رأس قسم القرآن والسنة بجامعة دمشق، وعمل أستاذًا لأصول الفقه بكلية الحقوق فيها، ثم أستاذًا ورئيسًا لقسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض.
وللشيخ ـ رحمة الله عليه ـ عدد من المؤلفات النافعة، من أبرزها:
تحقيق كتاب (تخريج الفروع على الأصول) للزنجاني، وتفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ومصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط، ولمحات في أصول الحديث، والقيامة؛ مشاهدها وعظاتها في الحديث النبوي، وغيرها من الكتب في التفسير والفكر والدعوة والسلوك، فضلًا عن مجموعة كبيرة من البحوث والمقالات المتنوعة، وقد تخرج على يديه آلافٌ من الطلبة الجامعيين وغيرهم، ومئات من أساتذة الجامعات في سورية، والأردن، والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن أنه رأس تحرير مجلة (حضارة الإسلام)، التي كانت تصدر من دمشق في النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي.
العلامة الدمشقي محمد أديب صالح في ذمة الله :
كتب الأستاذ (سيف محمد) مقالة في مجلة المجتمع ( الكويت ) يقول فيها :
(( توفي اليوم الأحد في الرياض العلامة الدمشقي د. محمد أديب صالح (91 عاماً) من علماء بلاد الشام، أستاذ ورئيس قسم القرآن والسُّنة بجامعة دمشق، وأستاذ أصول الفقه بكلية الحقوق فيها، وأستاذ ورئيس قسم السُّنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض سابقاً، ورئيس تحرير مجلة "حضارة الإسلام".
ولد المرحوم عام 1926م في قطنا جنوب غرب دمشق، توفي والده وعمره ستة أشهر فتولت أمه رعايته، تخرج على يديه آلاف الطلبة الجامعيين، ومئات من أساتذة الجامعات في سورية، والأردن، والسعودية، صحب د. مصطفى السباعي، وأفاد منه الكثير، وخلفه في مجلة "حضارة الإسلام".
التزم بحلقات العلم على أيدي نخبة من العلماء الأفاضل وفي مقدمتهم الشيخ إبراهيم الغلاييني، مفتي قطنا، التي مهدت للقدرة على إمكان التعامل مع بعض من أمهات الكتب في الشريعة واللغة العربية، ساعد على ذلك حفظ عدد لا بأس به من المتون.
وتولى رئاسة تحرير مجلة "حضارة الإسلام" من عام 1964 وحتى عام 1981م، وهي مجلة محكمة كانت تصدر في دمشق، وقد استودعتها عدداً وافراً من الافتتاحيات والبحوث والمقالات يربو عدد صفحاتها على 1500 وقد حددت طبعها في مكتبة العبيكان بمجلدين وكان ذلك بعنوان "معالم في الغاية والمنهج".
أسهم في التوجيه العلمي الدعوي والمشاركة في عدد من الندوات والمحاضرات، مع القيام على عدد من الحلقات العلمية المتخصصة في أصول الفقه وأصول الحديث وتفسير النصوص في الكتاب والسُّنة والإسهام في التوعية الإسلامية، فضلاً عن المشاركة في النشاط العلمي والدعوي في كل من قطر والكويت، وبخاصة في شهر رمضان المبارك، والمشاركة الفعالة في الندوات العلمية والتربوية التي كانت تنظمها كلية الشريعة بجامعة دمشق والتي أسهمت في تكوين الطالب والطالبة والارتقاء بهما إلى مستوى السلوك الذي فيه تتحقق أهداف في الإعداد العلمي والتربوي.
كما تولى إلقاء خطبة الجمعة في مسجد جامعة دمشق خلال الأعوام: 1964 – 1969م، وهو مسجد كبير تشرف عليه كلية الشريعة وتؤمه أعداد كبيرة من الأساتذة والطلاب - من مختلف التخصصات - وكبار المثقفين، وقد كانت الخطابة فيه موجهة بحيث تكون صورة من صور التكامل العلمي والفكري مع العمل الجامعي في كليتي الشريعة والحقوق.
وتتقدم مجلة "المجتمع" بخالص التعزية والمواساة في وفاة د. محمد أديب صالح، داعية المولى أن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه وتلامذته الصبر والسلوان.
كلمة وفاء للدكتور محمد أديب صالح :
وكتب الأستاذ (نبيل شبيب) كلمة تحدث فيها عن رحيل الدكتور محمد أديب صالح يقول فيها :
(( كان كما "يجب أن يكونَ عليه العلماء من استقامة وثبات على الحقِّ من غير مداهنة ولا مماراة. وهو رجلٌ متواضع سَمح يُؤنس إخوانه، مع غَيرة صادقة على الإسلام، وحرص على المسلمين"
رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فقد أعطى منذ نشأته الأولى ما استطاع حتى وفاته، بل تذكرنا وفاته أيضا بأن بلادنا عرفت في هذه الحقبة التاريخية من العلماء الأبرار العاملين المجاهدين الصادقين من ندين لهم جيلا بعد جيل بفضل كبير، بما حفظوه وجددوه من علم، وما نشروه وعززوه من وعي، وكيف كانوا طوال حياتهم ومن بعد رحيلهم إلى كنف الله عز وجل في موقع القدوة الصالحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وأرجو الاعتذار لأهل الفقيد ومحبيه، ولأقرانه من العلماء الصادقين العاملين المخلصين، ولا أحسب نفسي إلا بعض أهله، تلميذا بين يدي كتبه وعبر اللقاءات المعدودة معه.. إنه الاعتذار أن يتسرب إلى هذه الوقفة القصيرة وفاء للفقيد، كلمات تتجاوز المعتاد إلى تذكير فريق من شباب بلادنا في هذه الحقبة التاريخية وما يقع فيها من فواجع كبيرة، بخطر استفحل في السنوات الأخيرة استفحالا كبيرا، فلا بد من التأكيد أنّ كلّ تعميم سلبي أو إيجابي يعود بالضرر علينا علما ومعرفة ووعيا وتعاملا مع بعضنا بعضا. لئن كانت الآلام مما نشهد من أحداث تدفع بعضنا إلى نقد من يوصفون بحق أنهم وضعوا أنفسهم بأنفسهم في خانة "علماء السلاطين" فلنحذر أشد الحذر من تعميم تلك المقولة وأشباهها على علمائنا جميعا، ولنحذر أشد الحذر من الإسهام فيما يريده أعداء بلادنا وشعوبنا وقضايانا وديننا من أن نقوّض بأنفسنا مكانة قيمنا ومنزلة من يجسد هذه القيم بعلمه وعمله وواقع حياته.
الأستاذ الدكتور محمد أديب صالح، "العلاّمَةُ الأصولِيُّ المُحَدِّثُ المُفَسِّرُ الفَقيهُ المُعَلِّمُ المُرَبّي الكاتِب الخَطيب المُجاهِد في سَبيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ بلِسانِهِ وقَلَمِهِ وعَمَلِهِ على امتِدادِ حَياتِهِ التي تَجاوَزَت بهِ التِّسْعين مِنَ العُمر" - كما يشهد على ذلك أستاذي الجليل عصام العطار حفظه الله - شاهد على ما يمكن أن يصنعه العالم الفرد في حياة الأمة، وإن كانت تمرّ بفترة من أقسى ما عرفته على امتداد القرون الماضية، كذلك وإن كان العالم الفرد نفسه يعيش في ظروف بالغة الصعوبة، أثناء وجوده وعطائه في موطنه الأصلي ثم خلال ترحاله واستمرار عطائه خارج حدود بلده الأصلي.
ولا أحسب إلا أنني فرد من عدد كبير لا يحصى من أهل بلادنا كانوا كما كنت في سن النشأة الأولى قبل الشباب، عندما وجدت عطاء العالم الفقيد يساهم في رسم معالم الطريق بين يديّ، عندما كان رئيس تحرير مجلة "حضارة الإسلام" في دمشق، ولئن جاز لي بعد خمسين عاما في عالم الإعلام تصنيف بعض "المجلات الإسلامية" في المقدمة من تاريخ إعلامنا باللغة العربية، فمجلة "حضارة الإسلام" تحتل مكان الصدارة إلى جانب "الأمة" و"المسلم المعاصر"، فهي المجلات التي رسمت المعالم الكبرى لرؤية مستقبلية حضارية في أبعادها، منهجية في طريقها، وقد ارتقت إلى ما فوق الانتماءات الحركية وغير الحركية، وإن كانت بدايات نشأتها مرتبطة باتجاه من الاتجاهات في تاريخ الدعوة.
كانت مجلة "حضارة الإسلام" ثقافية حضارية، وفكرية أدبية، وحركية توجيهية، ولم أكن أعي بوجودها عندما أسسها وترأس تحريرها "مصطفى السباعي" رحمه الله، إنما طالعتني فيها لأول مرة أقلام أساتذتي الأوائل من علماء تلك الفترة، ومنهم الأستاذ "د. محمد أديب صالح" رحمه الله، إذ استلم رئاسة تحريرها بين عامي ١٩٦٤ و١٩٨١م، وبقيت أتابعها لاحقا قدر المستطاع من دار الغربة في ألمانيا بعد ١٩٦٥م، ولم يكن ذلك سهلا قبل ظهور الشبكة العنكبوتية وثورة وسائل الإسلام الحديثة، وأكرمني الله تعالى بصحبة أستاذي الجليل عصام العطار منذ ذلك الحين، كما أكرمني بأكثر من لقاء مباشر -أشبه بكنز ثمين- مع بعض من عرفتهم عبر كتبهم وكتاباتهم، وكان منهم الفقيد رحمه الله.
لم أكن أعي في تلك الفترة مدى تأثير تخصص العالم الفقيد في "علم أصول الفقه" على افتتاحية المجلة بقلمه كرئيس تحريرها، رغم تنوّع ما كانت تطرح من مواضيع، وقد اجتمع من افتتاحياته تلك مجلدان بعنوان (معالم في الغاية والمنهج) فيما بعد، إنما لم يمنع ضعف الوعي أن يكون تأثير ما كنت أقرؤه كبيرا على اقتناعي إلى اليوم بأن "علم أصول الفقه" هو الأساس الذي نحتاج إليه في عصرنا هذا بإلحاح كبير، لاستئناف ما انقطع من حبال الاجتهاد منذ قرون وقرون، فعلم أصول الفقه من أسس مشروعية تجدّد أحكام الإسلام الاجتهادية دون استثناء، مما يحقق عبر التطبيق العملي صلاحيتها - بهذا التجديد وبقابلية التعدد في الاجتهادات - لكل زمان ومكان، وعلم أصول الفقه أشبه بالمرجعية التي يمكن العودة إليها لتخفيف وطأة الشطط في تبني مذهب بعينه أو اجتهاد بعينه بدلا من تعايش الجميع بقدر ما يتلاقون على كلمة مالك بن أنس رحمه الله تعالى: "كل يؤخذ منه ويترك إلا صاحب هذا القبر"، نبينا محمد صلوات الله تعالى عليه وعلى كافة الأنبياء والمرسلين.
وقد كان أستاذنا الفقيد في أكثر من بلد وفي أكثر من جامعة مرجعا في علم أصول الفقه وتدريسه، بل وضع المناهج الجامعية المعتمدة في تدريسه، ومرجعا في تحقيق أهم كتبه، وتخريج أحاديثها، وبيان العلاقة الوثيقة بين القواعد الأصولية التشريعية وعلم الحديث، فكان في مقدمة ما حققه من كتب "تخريج الفروع على الأصول" للإمام الزنجاني، ولعل أحدثها كتاب "علم أصول الفقه" لعبد الوهاب خلاف رحمه الله، كما كانت رسالة الدكتوراه في الحقوق للفقيد بعنوان "تفسير النصوص في الفقه الإسلامي/ دراسة مقارنة".
ويبقى أثر الموقع المركزي لعلم أصول الفقه بين العلوم الإسلامية واضحاً في إنجازات أخرى للعالم الفقيد، علاوة على مؤلّفه المشار إليه "تفسير النصوص في الفقه الإسلامي" مثل "مصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط" وحتى في كتبه الفكرية والدعوية الأخرى، لا سيما سلسلة كتب (معالم قرآنية في البناء).
ونلمح مكانة أصول الفقه، علاوة على أهمية تخريج الحديث واللغة العربية، في بصماته الظاهرة للعيان على امتداد سبعين عاما وزيادة، في تأسيس عدد من الكليات والأقسام الجامعية ورئاستها وتطوير مناهج التدريس فيها، في سورية والأردن والسعودية، وكذلك ما شارك فيه من تقويم الرسائل الجامعية، والتحكيم في إجازة التدريس الجامعي وفي صلاحية نشر الدراسات والكتب، وما قدمه من أحاديث إذاعية.. والقائمة طويلة، ولا بد من التنويه تخصيصا بما كان - رحمه الله - يعلق من أمل كبير على جيل المستقبل، وقد عبر عن ذلك في مواضع عديدة من كتبه، ومن ذلك إرشاده في مقابلة مطولة، لعدد من أسباب تأهيل الشباب لأداء مهامهم الكبيرة، ومن ذلك:
أ ـ ربط الشباب بالأصول في فهم كتاب الله، والوثوق بالحديث النبوي وفهمه، وما يؤصل ثقتهم بمواجهة نصوصهما ومناهج العلماء في فهمها، مما يجعلهم على بينة، وينأى بهم عن الإفراط والتفريط.
ب ـ العمل على ترسيخ صلتهم بنماذج من أعلام هذه الأمة عبر التاريخ، لكيلا ينساقوا مع تفسيرات مادية لتاريخنا، أو إغراق في نظرات تجعل من التاريخ متعبة للشباب.
ولعل خير ما يقال في أستاذنا الفقيد اليوم، ما قاله قبل عامين عن أخيه أستاذنا المؤرخ محمود شاكر غداة وفاته:
(إن الشيخ محمود شاكر عالم في تخصُّصه، موهوب في عمله، موفَّق في مصنَّفاته. وهو يجمع إلى العلم مكارمَ الأخلاق، وما يجب أن يكونَ عليه العلماء من استقامة وثبات على الحقِّ من غير مداهنة ولا مماراة. وهو رجلٌ متواضع سَمح يُؤنس إخوانه بلطفه، مع غَيرة صادقة على الإسلام، وحرص على المسلمين)
http://www.islamsyria.com/portal/article/show/138
وفاة المفكر الإسلامي السوري الدكتور ”محمد أديب صالح” في الرياض
نُشر في يوليو 2, 2017م :
توفي ظهر اليوم الأحد، المفكر السوري الدكتور “محمد اديب صالح” في الرياض وذلك بعد تدهور أحواله الصحية عن عمر ناهز 90 عاماً .
وكان قد نعاه الدكتور “محمد حبش” قائلاً” الدكتور أديب صالح واحد من أصدق الرجال الذين عرفتهم، وهو صهر مولانا الشيخ ابراهيم الغلاييني رائد التسامح في قطنا ووادي العجم”.
وتابع قائلاً “توفي قبل قليل في الرياض العلامة الجليل الدكتور محمد أديب صالح، وقد تجاوز 90 عاماً أمضاها في العلم والعمل والتحقيق وخدمة الفكر الإسلامي”.
عمل مدرسًا بكلية الشريعة والمشاركة بوضع المناهج مع تدريس مادة أصول الفقه في كلية الحقوق ومواد علوم القرآن وعلوم الحديث والبلاغة النبوية في كلية الآداب بجامعة دمشق ، ومن أشهر مؤلفاته العلمية هكذا يعلم الربانيون، أدعياء الهيكل والقيامة ، التقوى في هدي الكتاب والسنة، وسيرف الصالحين ،معالم في الغاية والمنهج ،القصص في السيرة النبوية و مصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط.
ونذكر أنه قد ولد محمد أديب صالح عام 1926م في قطنا جنوب غرب دمشق، في سوريا حيث توفي والده وعمره ستة أشهر فتولت أمه رعايته وحصل على الدكتوراه في الحقوق (الشريعة الإسلامية) من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى.
المركز الصحفي السوري
- فارس فــقـدنـاه :
وكتب فضيلة الدكتور خالد حسن هنداوي قصيدة مهد لها بقوله :
(( صبّ الله شآبيب الرحمة والرضوان عليك يا أستاذنا وشيخنا العلامة الأديب الصالح المجاهد باللسان والجنان في بلاد الشام والمهجر- ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
- إن شامنا الغالي الجريح اليوم بأمس الحاجة إلى أمثالك من علماء الآخرة الأبرار لا علماء السلطان والأغيار الفجار الذين فرّطوا بمكانة العلم والعلماء وسكتوا عن الحق كالشياطين الخُرس، مع أن المطلوب منهم -إنْ لم يستطيعوا نصر الحق - أن لا يدافعوا عن الباطل، فلهم أكثر من سبيل للتخلص من الانحياز للسلطان الظالم فكيف بالقاتل السفّاح الذي هو من أكابر مجرميها. وكيف يبررون له سحق العباد والبلاد! بل إن بعضهم يسبّح بحمده مع علمه أنه عبد ذليل وخادم أمين للمحتل الصهيوني والأمريكي والروسي والمجوسي وسائر المعتدين! أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (التوبة: 13) و أين الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (الأحزاب: 39) ونعوذ بالله أن نكون ممن عناهم الله بقوله: وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة: 146) أو ممن عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (إن أخوف ما أخاف به عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان) أي: ( سواء كان نفاقا عَقَديا أم عمليا) وقد روى هذا الحديث الصحابي الجليل عمران بن الصحين رضي الله عنه، كذا في الترغيب والترهيب 1/103 و رواته محتج بهم في الصحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه ‘‘ما من رجل آتاه الله علما فكتمه إلا أُتي به يوم القيامة ملجما بلجام من النار ’’.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه كذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ‘‘ومن أتى أبواب السلاطين افتتن، و ما ازداد عبد من السلطان دُنّوا إلا ازداد من الله بعداً’’ أخرجه البيهقي بسند صحيح. ولذا : فالأخذ بالعزائم آكد والاقتداء بالعالم أبي الحسن الجرجاني رحمه الله أولى:
إذا قيلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قد أرى ولكنَّ نفسَ الحرِّ تَحتَملَ الظَّمَا
وكم نعمة كانت على الُحرِّ نقمَةً وكم مغنمٍ يَعتَدُّه الحرُّ مَغرَما
ولو أن أهل العلمِ صانوه صانَهُم ولو عَظَّمُوه في النفوسِ لَعُظِّما
ولكن أهانوه فهانو ودَنَّسُوا مُحَيَّاه بالأطماعِ حتى تَجهَّما
- فهنيئا لك يا عَلَم الدعاة والوعاة؛ فقد كنت مبلّغا حرا أبيا أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر وقد كان نشاطك في مسجد جامعة دمشق خطيبا مربيا طَلَبَتها، بل حتى مع بعض أساتذة كلية الشريعة الذين لانوا وهانوا فاستكانوا؛ فما كنت تنصب دينك فريسة لأحد من المتنفذين أو كنت من بركاته تسترزق كما كان هؤلاء يفعلون! أجل؛ لقد كان عملك هذا شاهدا عليك.
- أعد لنا أيها المجاهد طريق الدعوة عبر مجلة ‘‘حضارة الإسلام’’ التي أسسها الداعية المجدد العلامة مصطفى السباعي رحمه الله ثم كنت رئيسا لتحريرها، وكم نالوا منك بسببها حتى مزقوا بعض المقالات ومنعوها. وكان جوابك وقتها: إنهم قوم لا يقدّرون العلم ولا السياسة بل إنه يكفي أن تكون مسلماً حقيقيا ًكي تشكل مشكلة لديهم!!
فتعال أيها الفارس المترجل و أيقظ الغارقين في السبات من جديد، و المتفرقين في حين أصبح الاتحاد كما هو أصلاً – واجب الوقت وفرضاً عينياً على الجميع، وهنا فيا أيها الشعب الصامد المصابر استلهم الثبات والثقة بنصر الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم و الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وعلماء الآخرة الأحرار الذين يفهمون فقه الثوابت والمتغيرات ويقفون مع المصلحة الحقيقية المعتبرة لا الموهومة أو منفية الوقوع، ولا ينزلون تحت أي ظرف إلى معاداة العقيدة التي لن تستطيع قوة مادية مهما بلغت أن تسحقها إلى غير رجعة والتاريخ أكبر شاهد.
رحمك الله يا حبيب القلوب رحمة واسعة فقد كنت حديقة الأرواح وفارس الساح.
واسمح لي يا فقيدنا الغالي بهذه المشاعر:
أيا صاح لا تدري من الحُزْن مابيا فقد مزَّق البين الأليم فؤاديا
ترجّل ليثٌ كان في النُّصح رائداً وبدراً جميلاً كم أنار اللياليا
علامة حق كان فيها مُمَيزاً ولم يكُ يوماً بالطواغيت راضيا
وإن ضَنّ جمهور بهذا فإنني سأبقى بها بين الملايين شاديا
إذا ضل قوم لم تضلَّ ولم تقف تبرِّرُ أو تنضمُّ بعدُ مواليا
فسحقاً لمن بالعلم داهَنَ حاكما ظلوما ووالى بالتملَّق طاغيا
محمَّدنا نِعمَ المؤدب صالحاً ستبقى بأعماق المحبّين غاليا
ألا فاصرخن في الشام هيا تيقّظوا وهبوا سِراعا كالسيوف مواضيا
أماناً بأكناف الإله حبيبَنا وفي دوحة الفردوس تنعم هانيا
-هذا أبو إقبال فذُ زمانه...
كتب الأستاذ الشاعر (محمد جميل جانودي) قصيدة رثاء في العلامة محمد أديب الصالح جاء في مستهلها :
شيّع، بعد عصر الإثنين التاسع من شوال لعام ألف وأربعمئة وثمانية وثلاثين الموافق للثالث من تموز لعام ألفين وسبعة عشر (للميلاد) جمع غفيرٌ من الناس، العالم الكبير، والمعلم القدير، والداعية الناجــــح، والمخلص الناصح...الشيخ الدكتور محمد أديب الصالح، من جامع الراجحي في الرياض إلى مقبرة النسيم، وقد خيم الحزن على جل الوجوه، فالحاضرون جميعًا ما بين صديق محب، وقريب مقرب، وطالب بار، وسامع له في خطبة عصماء، ومعجب به وهو يوجه لأعداء الحق والحرية طعنة نجلاء...وقد منّ الله عليّ أنْ كنتُ أكثر من واحد من هؤلاء... فحزنتُ كما حزنوا، وتألّمتُ كما تألموا...ولا نقول إلا ما يُرضي الله سبحانه: إنا لله وإنا إليه راجعون...وما أحسب أن أحدًا لا يعرف هذا العَلَمَ الشامخَ، وكثيرون أولئك الذين تنافسوا في الحديث عنه عالمًا فذًا، وخطيبًا بليغًا، ومحققًا أصوليًا، وأبا رحيما، وصديقًا وفيًا، ومُبتلًى صابرًا، وقريبًا واصلًا... ولئن تكرّم هؤلاء الكثيرون وقبلوني أن أكون واحدًا منهم، فلن أزاحمهم فيما كتبوا، وأشادوا، بل سأضيف إلى ما سطروه قصيدة في رثائه، يرحمه الله، أسأل الله تعالى أن ينفع بها، إنه سميع مجيب:
هذا أبو إقبال فذّ زمانهِ...
يا أمّــــــتي صبرًا على الأرزاء فــــي بُكْــرة تنتــابُنــا ومساءِ
صبرًا على خــــطبٍ ألمّ بساحنا بوفـاة حَــبـْـــرٍ باذلٍ معطـــاء
اليوم ظهرًا قــد دعـــــاه ربّـــه من بعْــــد سقْــمٍ نــابـَه وبـلاءِ
عـلَمٌ من الشام الجريح قد ارتقى نحو السماء بوجهـه الوضّــاءِ
قطنا التي سعدت به وبـعــــلمــه كم أرضعتهُ لبـــانها بصفـــاء
واختار والدُه له اســمًا مشــــرقًا قد كان حقًا زينـــة الأسمـــاءِ
فقد ابتدى بمحمد وأتى أديب بعده وبصـالح خـتم اسمه بالحــاءِ
آل الغلاييني وعمـــدتـــهم أنــا روا دربَـه للمجد والعــــليـــاءِ
وردَ المناهل عـــــــذبةً فإذا بـــه عــذبٌ فـراتٌ مانــح لـــرواء
في ظل دوح قـد تــربّـى راشــفًا عسلًا تقطّرَ من ربى الفيـحاء
ودمشق كم أهْــــدتْ إليه نـفائسًا من منـبر البلغــاء والعظـمـاء
من منبرٍ كان "السبـاعي" مُنشئًا لعرينِــه في همّـــةٍ عَــليـــاءِ
عِلْــمًا وتربيةً وأخـــلاقًا سـمَتْ بالدارسين إلى ذرى الجــوزاء
ضمّته جامعـــــة الشآم لرَكْبهـا في موكب العلماء والصّلحـاءِ
فأبان شـرعة ربّه في صـرْحها شرح الحديْث بدقّـــة وجــــلاء
وغدا بمسجدها خطـيبًا بارعـــاً يُعْــلي قــضـايا شعبه بــوفـــاء
والحــــــقّ بيّنه وكان نصــيرَه لمْ يخشَ فيه رعــونةَ الجهــلاء
و"حضارة الإسلام" كان مديرها فيهــا غذاء الروح للأدبـاء
أسفاره في العلم عـــز نظيــرها قدْ أُزلفـتْ لِمجـــاورٍ أو نــــاءِ
لكنّ أعــداء الحقيــقة لم يـَـرُقْ لهمُ سُــطوعُ البدر في الظلمــاءِ
طبْعُ الخـفافــيش القبوعُ بكهفها تسعى إلى الإفـــساد والإيـــذاءِ
كادوا له، وتآمروا فــي خسَّــةٍ أقصــوه حتى صار في الغرباء
وضع الكريمُ له القبول بأرضه فيهــا غـدا من خيـرة الفضـلاء
فتحتْ ذراعيها الرياض ببهجة واستقــــــبلته ببســمة وحيــــاء
أهدى لجامعــة الإمام أريجَـــه فغــدتْ بـــه كالروضــةِ الغنّـاء
هذا أبــــو إقبال، فــــذّ زمــانه بــــزّ الرجــالَ بِفِـــطنــةٍ وذكاء
مَنْ زاره في بيْــــته ألفى لديــــــــــــــــــــــــــــــــهِ سماحةً صُبغت بفيض سخاء
يأتي إليهِ بــوجـهــه مُتـــبسّمــًا حتى ولو قـــد كان فـي إعيـــاء
غصّت دمشق بدمعـها لمْ تُبــده حبستْه في أعمــاقــها بعــنــــاء
حبسته كي يبقى رصيد جمارها يومًا لتحــرق زُمـــرة اللقطاء
غصتْ وفيها القلب يبكي ناعيـًا نجمًا هــوى في عــزةٍ وإبــاءِ
فاستقبلتْـه بــطاح نـــجد ترتَــوي من ريـه، بوركتِ من بطحاءِ
كم من فحـول الشام أصبح ثاويًا في روضك المصبوغ بالحنّاءِ
يا ربّ أكرمهم وأعلِ مقـــامهــم واجعل محبيهـــم من السعـداء
* الشيخ إبراهيم الغلاييني .
**الدكتور مصطفى السباعي، مؤسس كلية الشريعة بجامعة دمشق.
***مجلة "حضارة الإسلام"
المراجع :
1– معجم المؤلفين السوريين :297 .
2– النشرتان (3و4 ) التي أصدرها المكتب التنفيذي بتاريخ 15/ ربيع الأول 1374/1954م .
3-علماء ومفكرون عرفتهم – محمد المجذوب – دار الاعتصام بمصر .
4-رابطة أدباء الشام – كتب ترجمته بقلمه .
5-أعلام الحركة الإسلامية في سورية – عمر محمد العبسو.
6- موقع رابطة العلماء السوريين .
7- موقع إخوان سورية .
8- معجم عبد العزيز البابطين – ترجمة مؤمنة أديب الصالح .
وسوم: العدد 729