أحدثكم عن الشيخ الغزالي!
محمد عبد الشافي القوصي
لخّص الكاتب الكبير/ أحمد بهجت- رحلة الشيخ/ محمد الغزالي الدعوية، في كلماتٍ قليلة؛ فقال: "مات الغزالي وتراب الطريق على قدميْه"!
نعم؛ لقد شغل (الغزالي) حياته بالدعوة إلى الله على بصيرة .. فأينعتْ رحلته، وأثمرتْ، بلْ وآتتْ أُكلها ضعفيْن! فلمْ يدعْ –الشيخ- وسيلة إلى الدعوة إلاَّ استخدمها، ولا طريقاً إلاَّ سلكه، فجاهد باللسان، وبالقلم .. وأمطر الصحف بالمقالات؛ التي مازالت تلهم الدعاة والعلماء بإشراقاتها الإيمانية، كما ألَّف الكتب التي مازال ينهل منها ملايين الباحثين والكتَّاب!
يقول الدكتور/ عبد الحليم عويس: "عاش الشيخ الغزالي لله، ومع الله، وذاق طعم حبّ الله، والحب في الله. وما شغل نفسه بالصغائر، فصفتْ نفسه، وتألّقتْ روحه، وفاض حبّا ودعوةً وإبداعاً. وكان عميق الصلة بالله، فآتاه الله الكثير، وعوضه عن كل مناصب الدنيا خيراً".
نعم؛ إنَّ عالِماً جليل القدر كالغزالي، لا يمكن أن يعيش تحت سقف "الوظائف" مهما كان قدرها، ولا يركن إلى زخارف الدنيا، ولا يطمئن إلى جوار الخَلْق، إنما يرضى أنْ يعيش تحت سقف الإسلام الذي لا يحده حد، ويركن إلى جانب الحق، ويطمئن إلى كنف الله وَمَعيَّته.
فلا عجب في رفضه لكثيرٍ من المناصب التي عُرِضَتْ عليه، لأنه كان يحمل بين جنبيْه "هموم داعية"! وكان مشغولاً ب"مستقبل الإسلام خارج وطنه" فتفرَّغَ للذود عن حياض "الإسلام المفترى عليه من الشيوعيين والرأسماليين"، فصدح ب"الحق المر"، وأطلق "قذائف الحق"، وأعلن "صيحة تحذير من دعاة التنصير"، وحذَّر كثيراً من "الغزو الفكري"، لأنه يدري أنَّ "الاستعمار أحقاد وأطماع"! وكشف الستار عن "سر تخلُّف العرب والمسلمين"، وأرجع أسباب الخلل إلى "الاستبداد السياسي"، و"أزمة الشورى في المجتمعات العربية والإسلامية"! وأكدَّ أنَّ أحوالنا لنْ تستقيم؛ إلاَّ إذا فهمنا "كيف نتعامل مع القرآن"؟ إلى جانب "فقه السيرة" النبوية، وليس مجرد ترديد أحداثها، موضحاً أنه لن يتم ذلك إلاَّ إذا وضعنا "تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل"، لوصل الحلقات المفقودة في "السُنَّة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث"، من أجل تثبيت "ركائز الإيمان بين العقل والقلب"!
"من هنا نعلم" كما يقول الشيخ الغزالي أنَّ "خُلُق المسلم" تعكس حقيقة "عقيدة المسلم"، وأنَّ "الجانب العاطفي من الإسلام" لا يمكن تجاهله، كما أنَّ "التفسير الموضوعي للقرآن" ضرورة عصرية لفهم "المحاور الخمسة للقرآن الكريم"!
لقد أثرى الشيخ/ الغزالي؛ المكتبة بعشرات الكتب في مختلف صنوف المعرفة، كما أثرى حياتنا الفكرية بألوان عديدة من الثقافة الجادة؛ من أجل تربية أجيال صالحة! ولهذا كان يقول: (من السقوط أن يُسخِّر المرءُ مواهبه العظيمة من أجل غايةٍ تافهة).
* * *
كان (الغزالي) كما وصفوه بأنه "أديب الدعوة"؛ فكان يحمل روح الرافعي وتألّقه، وبراعة المنفلوطي وتدفقه، وتأمل العقاد وتعمقه ... وكان يشتد في نزاله الفكري فيهدِر كالموج، ويقصِف كالرعد، ويزأر كالليث، حتى تحسبه فيما يكتب مقاتلاً في معركة، لا مجادلاً في قضية، وتحسب القلم الذي في يده هو السيف في يد أبي عبيدة، أوْ الرمح في يد ابن الوليد!
وكان يدري معنى الإسلام ورسالته للعالمين .. فكان قلبه يقطر دماً على ما آل إليه الإسلام من سوء فهم، وما أُلصِقَ به من شكوك واتهامات في الشرق والغرب، فكان يتألَّم، ويقول: (الإسلام قضية عادلة؛ بيد محامِ فاشل)! ثمَّ ينعى حال الأمَّة، قائلاً: (الويل لأمةٍ يقودها التافهون، ويخزى فيها القادرون)!
إنَّنا في حاجة ماسة لنتأمل كلام الغزالي، ومنهجه في شرح الإسلام، إذْ يرغِّب الناس في اعتناقه، ونصرته، والإلتفاف حوله، حيث يقول: (ليس الدِّين أحكاماً جافة وأوامر ميتة، إنه قلب يتحرك بالشوق والرغبة، يحمل صاحبه على المسارعة إلى طاعة الله، وهو يقول: "وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى". وبها تتحول التكاليف الصعبة إلى شيئ سائغ حلو). وفي موضع آخر، يقول الشيخ: (ليس الدين ابتعاداً عن المحذورات ابتعاد الخائف من مجهول، أوْ ابتعاد المكره المضطرب؛ إنه الوجل من عصيان مليك مقتدر؛ سبقتْ نعماؤه، ووجب الاستحياء منه "وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ". فلا إيمان إلاَّ لضمير يرفض الدنايا ويراقب الرحمن، ويحرس الحدود والحقوق، ويتمخض لله وحده ابتغاء مرضاته).
ويحذّر –الشيخ- من أساليب الاكراه في الدِّين، لأنَّ ضررها أكثر من نفعها، فيقول: (إنَّ الإكراه لا يكون في العقائد، فإنه ينفِّر منها ويسئ بها الظنون، وطبائع الأشياء ترسم للعقائد طريقاً يبدأ حتماً من الحرية العقلية المطلقة).
ولا يرى –الشيخ- في اختلاف العقيدة مبرراً للتاحر والتخاصم، بلْ مدعاة للتعارف والتحاور والاستفادة مما عند الآخر .. ولهذا أحلَّ الإسلام طعام أهل الكتاب، وأباح الزواج بالكتابيات، فيقول: (إنَّ الإسلام لا يبسط يده بالأذى إلى أيٍّ من خلق الله، وقد بعث نبيه رحمةً للعالمين، وبركةً للناس أجمعين ... بحسب أنَّ الله أذِنَ باختلاف الدِّين في اختيار الزوجة، ويسَّر للمسلمين واليهود والنصارى أنْ تجمعهم مائدة وفِراشٍ واحد "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ". والدِّين الذي يسمح باختلاف الدِّين في بيت صغير تتلاقى فيه الوجوه، وتتقارب الأبدان وتشتبك المشاعر، ولا يضيق البتة باختلاف الدِّين في وطنٍ كبير تتسع فيه المصالح، وتتعدد الحاجات والكفايات، ويسحب فيه التعاون على بلوغ الغايات).
* * *
كان (الغزالي) كثير التأمل، طويل التفكّر، فعاش حياته متألِّماً لحال المسلمين، وما فعلوه بأنفسهم، وبدينهم، حتى تراجعوا إلى مؤخرة الأمم، وذيل الحضارات .. وفي تشخيصه للداء، يقول (إنَّ الإستعمار الثقافي حريص على إنشاء أجيال فارغة، لا تنطلق من مبدأ ولا تنتهي لغاية، يكفي أن تحركها الغرائز التي تحرك الحيوان، مع قليل أوْ كثير من المعارف التي لا تعلو بها همَّة ولا يتنضَّر بها جبين؛ وأغلب شعوب العالم الثالث من هذا الصنف الهابط)!
وكان –رحمه الله- يعلم أنَّ معادلة التقدم والتأخر، تخضع لسنن ونواميس، وليست ضربة حظ، أوْ مصادفة، فمن يعمل للدنيا؛ يؤته الله منها ما يريد، يقول: (إنَّ المجد والنجاح والإنتاج تظل أحلاماً لذيذة في نفوس أصحابها وما تتحول حقائق حية إلا إذا نفخ فيها العاملون من روحهم ووصلوها بما في الدنيا من حس وحركة)!
من هنا؛ فلا عجب فيما وصلتْ إليه الحضارة الغربية من شأوٍ بعيد، في مختلف الميادين، أوْ على حد قول الغزالي: (عندما تأملتُ فيما بلغته الحضارة الغربية من تقدم غير مسبوق؛ أدركتُ أنها قامت على أكتاف فلاسفة ومبدعين عظام؛ أمثال: جالليليو، ونيوتن، وفلمنج، وشكسبير، وبرنارد شو، وغيرهم من صنَّاع الحضارات، ولمْ تقم على أكتاف المخنَّثين، وتجار الرذيلة، وسماسرة الحروب)!
كان (الغزالي) يتميز من الغيظ، وهو يرى الهوة السحيقة بين الشرق والغرب، فيقول: (إنَّ وجهى ليسودّ حين أرى العمل يخرج من يد الكافر مجوَّداً متقناً، ويخرج من يد المسلم هزيلاً مشوها)!
وتتجلى عبقرية الغزالي في فهمه لإشكالية الصراع الحضاري .. فهو ليس ممن يلقون باللوم على الخصوم، ويصبُّون اللعنات على الأعداء، بلْ كان يلقي باللائمة على المسلمين الذين فرطوا في دينهم، وتنازلوا عن مجدهم، وتخلَّوا عن ريادتهم، فلنْ تجاملهم الأقدار، لأنهم ورثة النبوة والرسالة، فيقول: (ربما نام الناس على الحصير فانطبعت عيدانه في جلودهم؛ هل يمنحهم ذلك شبهاً بالرسول عليه السلام الذي رمق الدنيا بنظرةٍ غائبة؛ لأن فؤاده حاضر مع ربه, يقظان في حضرته, مستغرق في شهوده، إنَّ الرجل لا يكون قائداً لأنه عثر على بدلة قائد فلبسها)! لهذا؛ كان يطالب بتصحيح المفاهيم، ووصل الحلقات المفقودة، ووضع القطار على قضبانه الصحيحة، فالأرض كلها –في نظره- مسرح للعبادة والعمل الصالح، فهناك جهاد اقتصادي، وجهاد علمي، وجهاد ثقافي، قد يفوق جهاد العبَّاد المتعلِّقين بأستار الكعبة، يقول: (وقضى المسلم عمره قائماً إلى جوار الكعبة، ذاهلاً عما يتطلبه مستقبل الإسلام من جهاد علمى واقتصادى وعسكرى، ما أغناه ذلك شيئًا عند الله .. إنَّ بناء المصانع يعدل بناء المساجد)!
كان "الغزالي" يؤمن بأنَّ العرب بيضة الإسلام ولسانه، وحماته الأوائل، وأنَّ الإسلام هو الذي خلَّدهم، وأعلى شأنهم، وبدونه لا مكانة لهم، ولا شأن لهم في العالم، فيقول: (هناك معادلة يجب أنْ يحفظها كل عربي عن ظهر قلب هي: عرب – إسلام = صفر)!
لكن أشدَّ ما كان يؤلمه؛ تعطيل العقول، والإستسلام للأوهام والظنون، والتقاليد، والعادات، والموروثات، فكان يطالب بتحكيم العقل، وإعمال الفكر، حتى في قضية العقيدة والإيمان، فيقول: (من اعتنق الإسلام بالوراثة والتقليد؛ فقد دخله من باب العبيد. أمَّا من اعتنقه بالحجج والأدلة والبراهين؛ فقد دخله من باب الملوك)! ويذهب إلى أنَّ التفكير الصحيح، والعقل السليم، حتماً سيقود صاحبه إلى شاطئ الحق، ومرفأ الإيمان، فمن جملة ما قاله في هذا المعنى: (أنا لا أخشى على الإنسان الذي يفكّر وإنْ ضلّ، لأنّه سيعود إلى الحق، ولكني أخشي على الإنسان الذي لا يفكّر وإنْ اهتدى، لأنّه سيكون كالقشَّة في مهب الريح)!
* * *
لذا حارب "الغزالي" الغش الثقافي، والخداع الفكري، و(التديُّن المغشوش) الذي ران على رعاع السلفية، والمغفلين من الأعراب، فهذا النوع من التديُّن -في نظره- آفة من الآفات الخطيرة التي ينبغي مقاومتها بكل السبل، فيقول: (إنَّ كل تديُّن يجافي العلم، ويخاصم الفكر، ويرفض عقد صلحٍ شريفٍ مع الحياة؛ هو تدين فقد صلاحيته للبقاء!) إذْ يرى أنَّ فهم هؤلاء للدِّين فهم منقوص وشائن، فرسالة الدِّين ومهمته في نظره، هي: (مهمة الدِّين إذا رأى عاثراً أن يعينه على النهوض، لا أنْ يتقدم للإجهاز عليه).
لقد شنَّ -الشيخ- هجوماً واسعاً على الأدعياء، والغوغائية، والغلاة، والمتنطعين؛ الذين أساءوا للدعوة الإسلامية شر إساءة، فتندَّر بهم قائلاً: (أكره أصحاب الغلظة والشراسة؛ فلوْ كان أحدهم تاجراً واحتجتُ إلى سلعة عنده ما ذهبتُ إلى دكانه، ولو كان موظفاً ولى عنده مصلحة ما ذهبتُ إلى ديوانه، لكن البليَّة العظمى أن يكون إمام صلاة أوْ خطيب جمعة أوْ مشتغلاً بالدعوة، لأنه سيكون فتنة متحركة متجددة يصعب فيها العزاء)!
فالدِّين في نظره، له معنى مختلف، وشكل آخر، أوضحه بقوله: (إذا لم يكن الدِّينُ خلقاً دمثا، ووجهاً طلِقا، وروحاً سمحة، وجواراً مريحا، وسيرة جذابة، فماذا يكون)؟!
نعم! إنَّ آفة هذا الزمان؛ هو الفهم السقيم لمعالم الدين، ورسالته السمحة، فاستمع للغزالي عندما يبكِّت المتطفِّلين والمقلِّدين، قائلاً: (إننا لسنا مكلَّفين بنقل تقاليد عبس وذبيان إلي أمريكا واستراليا، إننا مكلفون بنقل الإسلام وحسب).
بلْ إنه حمَّل هذه الخراف الضالة قدراً كبيراً من الصد عن الإسلام، ونفور البعض منه، فيقول: (إنَّ انتشار الكفر في العالم يحمل نصف أوزاره متديِّنون بغَّضوا الله إلى خلقه بسوء صنيعهم وسوء كلامهم)!
* * *
هذا؛ وتتجلى عبقرية الغزالي –أيضاً- في فهمه لإشكالية "الحاكمية" وكيفية التعامل مع الديكتاتورية، والأنظمة الإستبدادية، وكان رأيه واضحاً وحاسماً، تجلى في كثير من كتبه، لاسيما كتاب "الاسلام والاستبداد السياسي"، وكتاب "سر تأخر العرب والمسلمين"! وشنَّ هجوماً عنيفاً على الطغاة والمستبدين، الحاكمين بأمرهم، الذين أذلُّوا الشعوب، وأورثوها الفقر والجهل والخراب، فقال: (الويل لأمةٍ يقودها التافهون، ويخزى فيها القادرون)! واعتبر الشعوب المتخلفة هي التي تصنع حكَّام الجوْر، فقال: (الحاكم الفرد إذا اطمأنَّ إلى أن أظافره لن تقلم مضى في بطشه لا يخشى أحداً .. والمستبد غالباً من أجبن الناس, وما يغريه بالظلم إلا أمن العقاب)!
ويخلص (الغزالي) في آخر الأمر؛ إلى أنه يجب على الناس ألاَّ يشغِلوا أنفسهم بإسقاط الأنظمة، بقدر ما يشغلوا أنفسهم بإصلاح أنفسهم، فيقول: (مازلتُ أؤكد أنَّ العمل الصعب هو تغيير الشعوب, أمَّا تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائياً عندما تريد الشعوب ذلك)! بلْ استمع إلى فطنة الغزالي وفلسفته الحياتية- حينما يقول: (إنَّ ظلم الأزواج للأزواج أعرق الإفساد وأعجل في الإهلاك من ظلم الأمير للرعية)! ومن ثمَّ فهو ينادي –بحكمةٍ بالغة- على دعاة الخروج على الأنظمة، قائلاً: (أمَا تعرفون ميادين أخرى أخطر من ميادين الحرب الساخنة؛ يمكنكم فيها أن تنصروا الله ورسوله)؟!
* * *
رحم الله الشيخ/ محمد الغزالي- العبقري الذي ملأ النيا بحكمهِ الرفيعة، وأمثاله البديعة، وشغل الناس ببيانه العذب، ومنطقه الجميل، فاستمع إليه عندما يدعو إلى العدل والإنصاف، يقول: (لا أعرف مظلوماً تواطأ الناس على هضمه, ولا زهدوا فى إنصافه كالحقيقة)! أوْ عندما يحذِّر من الجبن، وعدم المجابهة: (إذا كان صاحب البيت جباناً واللص جريئاً؛ فالبيت ضائع لا محالة!) أوْ قوله في مقاومة المنكر: (إنْ كان تغيير المكروه في مقدورك؛ فالصبر عليه بلادة, والرضا به حمق)! وفي تحذيره من أساليب البلبلة، والسلبية، يقول: (أحتقر من يثير الشكوك ليقال بأنه ذكى, ومن يكتم إعجابه ليقال بأنه مستقل لا تابع)! وفي نقده للغوغائية والدهماء، كان يقول: (إنَّ العقول الكليلة لا تعرف إلاَّ القضايا التافهة، لها تهيج، وبها تنفعل، وعليها تصالح وتخاصم)! ومن حكمه الرفيعة، ومعرفته لطبائع البشر، يقول: (إذا وجدتَ الصبر يساوي البلادة في بعض الناس فلا تخلطنَّ بين تبلد الطباع المريضة وبين تسليم الأقوياء لِما نزل بهم).
رضيَ الله عن (الغزالي) الحكيم بحق؛ الذي إذا نطق بان نطقه عن الحقائق، وإذا سكت نطقتْ عنه الجوارح! فقد كان طبيباً للقلوب، خبيراً بالنفوس، نلمس ذلك في قوله: (الإلحاد هو آفة نفسية, وليس شُبهة علمية)! أوْ في قوله: (الإنسان مخيَّر فيما يعلم، مُسيّر فيما لا يعلم .. أيْ أنه يزداد حرية كلما ازداد علماً). أوْ قوله في ترغيب الناس إلى حضرة الملِك العلاَّم: (البشر لن يجدوا أبرَّ بهم ولا أحنى عليهم من الله عزَّ وجل)!
أخيراً؛ سلام على (الشيخ) في العالمين، وسلام عليه في البقيع، وسلام عليه في أعلى علِّيين!