ذات النطاقين: أسماء بنت أبي بكر

الشيخ حسن عبد الحميد

صحابية جليلة ، أبوها الصديق خليل رسول الله عليه السلام في الغار 

زوجها حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم : الزبير بن العوام 

ابنها : عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم 

لقبت بذات النطاقين لأنها صنعت للرسول عليه السلام ولأبيها يوم هاجر إلى المدينة زادا وأعدت له سقاء 

فلم تجد ماتربطهما به فشقت نطاقها شقين وربطت بأحدهما المزود وبالثاني السقاء 

دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدلها الله نطاقين في الجنة ، فلقبت بذات النطاقين .

تزوجها الزبير رضي الله عنه فكانت له نعم الزوجة الصالحة تخدمه وترعاه ، حتى فتح الله عليه فغدا من أغنى الصحابة  .

 هاجرت إلى المدينة فرارا بدينها فما أن بلغت قباء حتى وضعت مولدها عبد الله فكبر المسلمون وهللوا لأنه أول مولود يولد للمهاجرين في المدينة ، فحملته الى رسول الله عليه السلام ووضعته في حجره فكان أول مادخل في جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم 

كانت رضي الله عنها كريمة جوادة ، عاقلة ، تحسن التصرف في المواقف الحرجة ، شديدة الحزم ، راجحة العقل مع قوة ايمان وهي تلقى ولدها عبد الله اللقاء الأخير .

 وذلك عندما بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية ، ودانت له الحجاز ومصر والعراق وأكثر بلاد الشام ، لكن بني أمية سيروا لحربه جيشا بقيادة الحجاج ، فدارت بين الفريقين معارك طاحنة أظهر فيها ابن الزبير الشجاعة والبطولة ، غير أن أنصاره جعلوا ينفضون عنه شيئا فشيئا ، فلجأ إلى بيت الله الحرام واحتمى هو ومن معه في حمى الكعبة المشرفة  .

قبيل مصرعه رضي الله عنه بساعات دخل على أمه أسماء وكانت عجوزا وقد كفّ بصرها ، فقالت : ما الذي أقدمك في هذه الساعة والصخور التي تقذفها منجيقات الحجاج على جنودك في الحرم تهز دور مكة هزا ؟ 

قال : جئت استشيرك ! 

قال : خذلني الناس وانحازوا عني إلى الجحاج رهبة ورغبة ، حتى أولادي وأهلي انفضوا عني ولم يبق معي إلا نفر قليل من أصحابي ، ورسل بني أمية يفاوضوني على أن يعطوني ماشئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح !

فعلا صوتها وقالت : 

الشأن شأنك ياعبد الله ، إن كنت تعتقد أنك على حق ، وتدعو إلى حق فاصبر وجالد كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك ، وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك أهلكت رجالك ، قال : لكني اليوم مقتول لا محالة 

قالت : ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج فيلعب برأسك غلمان بني أمية 

قال : لست أخشى القتل وإنما أخاف أن يمثلوا بي ، قالت : ليس بعد القتل ما يخافه المرء ، فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ ، فقال : بوركت أماه والله يعلم أنني ماوهنت ولا ضعفت وها أنا ذا ماض إلى ماتحبين ، فإن قتلت فلا تحزني عليّ ، قالت : إنما أحزن عليك لو قتلت في باطل ، فأكب عبد الله على يديها ورجليها يوسعهما لثما ، وأطلقت يديها تلتمس جسده ، فقالت وهي الضريرة ماهذا الذي تلبسه ياعبد الله ، قال : درعي ، قالت : ماهذا يابني لباس من يريد الشهادة ، انزعها عنك ؟

ورفعت يديها إلى السماء تدعو له وتقول : 

اللهم ارحم طول قيامه وشدة نحيبه في سواد الليل والناس نيام 

اللهم ارحم جوعه وظمأه في هواجر مكة والمدينة وهو صائم 

اللهم ارحم بره بأبيه وأمه 

اللهم سلمته لأمرك ورضيت بما قضيت فأثبني عليه ثواب الصابرين 

ولم تغرب شمس ذاك اليوم إلا كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قد لحق بجوار ربه 

ولم يمض على مصرعه بضعة أيام حتى لحقته أمه أسماء بنت أبي بكر وقد بلغت من العمر مائة عام ولم يغب من عقلها شيء ، رضي الله عنها وأرضاها

والله أكبر والعزة لله

وسوم: العدد 744