الهجرة
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
حين نتحدث عن الهجرة نتحدث فغالبًا ما نتحدث عن انتقال أناس مضطهدين إلى مكان فيه سعة، ونتحدث أيضًا عن كرم وإيثار يفوق الخيال هو كرم الأنصار.
ولكن الهجرة هجرة منظومة من بيئتها لتتحوّل إلى منظومة قابلة للتطور، وتكون ضمن مهمة الإنسان، الهجرة لنيل الحرية التي هي منطلق التعبير عن الوجود والكينونة، وللحصول على الجغرافيا التي هي تعريف مكاني لحركة زمنية، ثم تشكيل المنظومة المانحة للاستقرار بارتباطها مع بيئة ملائمة وسليمة وهو أساس للتطور المدني.
ارتحال الفكر ويقظة النفس باتجاه المهمة التي أتت بها الرسالة، ذلك أنها ليست رسالة تبليغ فحسب بل تشكيل لنموذج حركي يُسترشد به عبر الزمن وتنوع شامل في المهام من كون الدعوة لإنسان فمجموعة فجماعة فدولة فنموذج ليس لسعة مساحة وانما لرحابة نظام وانطلاقة فكر
وعلى الرغم من الحراك الحربي الذي لازم الهجرة إلا أن الحالة المدنية كانت في تطور مستمر لأن الحرب لم تك أساسًا في المهمة بل وسيلة مطروحة من الخيارات المفروضة حينا والحالة التي تقتضيها الوقائع حينا تجنبًا للتهديد واستباقه.
الغاية إحباط الرغبة عند المقابل لشن اعتداء، وهنا لابد من التفريق بين الإرهاب والإرعاب حيث درجت تسمية الرعاب بالإرهاب في عصرنا ربما بسبب الترجمة لان الإرهاب فعل إيجابي لمنع سلبية أي وضع الرهبة عند العدو كي لا يقوم بفعل عدواني كما الحرب الباردة
أما الإرعاب فهو القيام بفعل سلبي لتراكمات سلبية حدث أو فعل أو مشاعر وهو اعتداء على الأبرياء غالبا وتعبير عنفيّ لما يمكن أن يكون سلميًا.
هذه الدعوة إلى الله نمت لتشكّل نظام حكمٍ يحق فيه للناس اختيار حكامها وعزلهم وهو بما يشبه الديمقراطية اليوم إلا أنه يختلف عنها بالمصدر والمصداقية...
لكن العصبيات إن اختفت فهي قابلة للظهور عندما تثار الغرائز وتضعف القيم في رسوخها... كان هنالك خروج عن هذه القيمة الشورية وتحريف لها من خلال آليات استخدمت لتنصيب يزيد بن معاوية
فكانت عاشوراء لم يخرج الإمام الحسين رضي الله عنه إلا لإعادة حق الأمة في اختيار حاكمها أما ما يفسره هذا أو ذاك من المسلمين وما يبني عليه من قلاع وحصون فهو محض خيال واسقاطات لا تتفق ومصداقية الإسلام ومهمة الكتاب والانسان في الأرض.
وعاشورا وما قبلها وما بعدها لا ينبغي أن تشغلنا عن مهامنا نحن وإذا بنا نخرج من الدنيا ولم نحصد إلا مساوئ ظنون وارهاصات ورواسب التاريخ، علينا أن نهاجر تاركين منظومة تنمية التخلف المعشعشة فينا الى رحاب منظومة النهضة التي تسكن القلوب المستنيرة بنور القرآن، حذرين كل الحذر من خداع شياطين الانس الذين يجعلون من دين الله معلمًا للأحقاد ولتفاهة الفكرة وسطحية النظرة.
إن رياح التغيير لا يمكن أن تنبعث من جمود، ولا يُصلح هذه الأمة الفاسدون... سواء باسم الحداثة أو برداء المصلحين...
لقد كانوا دؤوبين في ابتداع وسائل يحار بها العاقل الحليم، وهم يشوهون الإسلام لكن الإسلام سيبزغ فجره على أناس لا يغمضون أعينهم حبا للظلام أو المنام، وسيغتسل العاقل من شوائب التزوير كما يغتسل المسلم لصلاة جمعة أو انتظارا لصباح عيد.
وسوم: العدد 790