لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها وما كان لها أن تموت إلا بإذنه فلماذا الفزع إذن؟
مررت بأحدهم يقول لصاحبه وهو يسأله : هل مات فلان موت الله ؟ فقلت في نفسي كيف يمكن أن يطرح مثل هذا السؤال من يقرأ كتاب الله عز وجل أو يسمعه وفيه قوله تعالى : (( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور)) ، وفيه : (( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا )) ، وفيه أيضا : (( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها )) . هذه الآيات الكريمة تبطل سؤال ذلك السائل ما لم يكن قصده هو معرفة سبب الموت ، فخانه التعبير .
ومع أن الناس غالبا ما يرددون الشطر الثاني من البيت الشعري المشهور للشاعر ابن نباتة :
فإنهم يخوضون في أسباب الموت وهو واحد ، ويسمونه الموت الأحمر إن كان السبب قتلا ، والموت الأسود إن كان السبب شنقا ، والموت الأبيض إن كان السبب علة أو كان مجهولا . ولن يغير من حقيقة الموت الذي هو واحد أن يوصف بالألوان، لأن الله عز وجل الذي جعل لكل نفس بشرية أجلا معلوما جعل لموتها سببا .
وغالبا ما يخشى الناس أسباب المنايا مع أن الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سلمى قد قال في الزمان الأول :
وخير من قوله قول الله عز وجل : (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة )) .
وسبب هذا الحديث هو اجتياح موجة الخوف مؤخرا الناس عندنا بسبب ظهور حالات وفاة بما يسمى أنفولنزا الخنازير ، فهرعوا إلى المراكز الطبية يلتمسون فيها التلقيح الواقي من هذا الوباء ، وكمّم بعضهم أنوفهم خوفا من العدوى ، ووجدت وسائل الإعلام الرقمية والورقية والمسموعة والمصورة ، ووسائل التواصل الاجتماعي في خبر هذا الوباء مادة دسمة للاستهلاك ، واغتنمت الأحزاب في البرلمان الفرصة لتصفية الحسابات السياسية فيما بينها ،فهذه تلوم عن التقصير في تبليغ خبر الوباء للرأي العام والتكتم عليه ، وعدم إعداد العدة لمواجهته ، وتلك تنفي ذلك ... وبين هذا وذاك راجت أخبار مفادها أن جهات ما تريد تسويق التلقيح، فنفخت في خبر الوباء وهولّت من شأنه ، بل راجت أخبار عن وجود خطورة على حياة الناس في هذا التلقيح ، واختلط حابل الأنباء بنابلها كما يقال ، واحتار الناس في أمرها، ولم يدروا ما يصدقون منها وما يكذبون .
ومع أن الوقاية والعلاج مطلوبان إذا أصيب الناس بالأمراض والأوبئة لأن التداوي مفروض شرعا ، فإنهما لا ينفعان، ولا يؤخران الأنفس إذا ما جاءت آجالها ، ومع ذلك الناس يعولون عليها كثيرا ، وينسون أنها إنما تنفع بإذن الله ما دام في الأعمار بقية ، ولا تجدي نفعا إذا جاءت سكرة الموت . ولقد عبر عن هذا الشاعر أبو ذؤيب الهذلي بقوله :
ولو كان العلاج والتمائم والوقاية تنفع إذا جاءت الآجال لما مات ملوك الأرض وعظماؤها ومترفوها ، وبيدهم من الكنوز ما يدفع عنهم كل أسباب المنايا، ولهذا يحسن بالناس وهم مؤمنون موحدون أن يعودوا إلى كتاب ربهم الذي به تطمئن قلوبهم وفيه أنه سبحانه بيده الموت والحياة ، وأنه لا تموت نفس إلا بإذنه ، وأنه لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها. فمن وعى هذا اطمئن قلبه ،ولم تفزعه أنباء الأوبئة والأمراض أو غيرها . والأكياس العقلاء هم الذين لا يشغل بالهم الموت بل يشغلهم ما بعده، لأن ما بعده أخطر منه فهو إما سعادة أو شقاوة أبديتان لا تفنيان.
وفي الأخير نسأل الله الرءوف الرحيم العافية وتمامها لكل مؤمن موحد ما أحيانا ، ونسأله أن يجعل لنا الحياة زيادة في كل خير ، والموت راحة لنا من كل شر، وأن يجعل أسعد أيامنا يوم لقائه ، وأن يحبب هذا اللقاء إلى أنفسنا ، وأن يغفر لنا ما يحول بيننا وبين دخول جنته ، وأن يجعل شهادة ألا إله إلا هو وأن محمدا عبده ورسوله آخر كلامنا من الدنيا ، وأن يجعلها لنا وقاية من نار جهنم وشقاوة الآخرة ، فهو رجاؤنا سبحانه ، وليس لنا رب وإله سواه نرجو رحمته وعفوه ومغفرته.
وسوم: العدد 811