آياتٌ فيها هدى وعبر

إنَّ على أهل المهمات العظيمة  أن يستعدوا لها ويُعِدُّوا أنفسهم لها، ويجتنبوا كل ما يضعفهم، من الحزن، والوهن، واليأس والهم،والعجز، والكسل، الذي استعاذ بالله منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك أيُّها المسلم، كلَّفك الله بإقامة الدين، فقال: *{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ...َ}* [الروم : 30]، وجعلها مهمة رسُلِ الله أهل العزم، فقال *{۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهُِ}* [الشورى : 13]، ولهذا يا إخواني أرجوا أن لا تلتفتوا إلى المثبطات والمحزنات، ولا تتأثروا بما يؤثر في النفوس، ولا تحملوا الهم، فإنَّ امرأةً كُلِّفت بمهمة، وهي مريم عليها السلام، فلما أصابها ما أصابها، *{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا}* [مريم : 23]، وهذا من مشاقِّ الطريق الذي يتعرض له المسلم، قبل أن يصل إلى تنفيذ المهمة التي كلَّفها الله بها، وهي إقامة الدين، ولذلك ناداها جبريل بأن تترك الحَزَن، وأن تتقوى نفسيا وبدنياً، حتى تستطيع أن تؤدي المهمة *{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ ...(26)}* [مريم : 24-26]، ثم علمها جبريل كيف تتلقى الصدمة من قومها فقال : *{...فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}* [مريم : 26]، ولهذا تحاملت وجاءت به تحمله إلى قومها *{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا}* [مريم :28]، لتؤدي المهمة، وتعلمون بماذا اتهمها قومها كما شرحتها الآية : *{ ...قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(28)}* [مريم : 27-28]،فلم تلتفت إلى قولهم بل أدّت المهمة *{فَأَشَارَتْ إليه...}* [مريم : 29]، ثم أدّى المهمة ذلك الطفل وهو في المهد، عيسى بن مريم عليه السلام، فقال *{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ...}* [مريم : 30]، لهذا إخواني، عليكم أن لا تلتفتوا إلى التُّهم والنقائص التي تُرمَون بها من أعدائكم، بل كونوا كما قال الله *{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}* [الروم : 60]،

*{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ ...َ}*

[النور : 55]

والحمد لله رب العالمين.