صبر عظيم ورضا بقدرِ ﷲ عظيم
إخواني إن رجلاً خرج بزوجته مع طفلها في رحلةٍ طويلة، أكثر من ألفِ ميل، مشياً على الأقدام، حتى وصلوا وادياً بين جبالٍ، وأقعد الرجل زوجته وطفلها هناك، وأدار ظهره ومشى تاركاً المرأة وطفلها، فركضتِ المرأة خلفه وهي تقول: كيف تتركنا في هذا الوادي بين هذه الجبال، لا وجود لإنسٍ فيها، والرجل لا يرد عليها، ولكن المرأة المؤمنة قالت :
ءآلله أمرك بهذا، فأومأ برأسه أن
نعم فقالت : إذاً لا يضيِّعُنَا، إنها أُمنا هاجر وأبونا إبرهيم، راضين بأمرِ الله وقدر اللّٰه طاعةً لله، ثم بعد أن وصل خلف ربوةٍ دعا ربه قائلاً : *{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ... }* [ابراهيم : 37]
، إنه هدفٌ عظيم، إنه إقامةُ الدين، يستحق تحمل المشاق من أجله، فإنه كما تعلمون إخواني أن أُمنا هاجر عليها السلام لمَّا نفد جرابُ التمر، وسقاء الماء، وأدرك ولدها الخطر من الموت عطشاً، وقد جفَّ حليبها لعطشها، فأخذت تصعد جبلاً لترى أحداً يغيثها، فلا تجد فتنزلُ إلى جبلٍ آخر، فلا تجد أحداً أيضاً، وهي تركض بين الجبلين سبع مرات بعد أن كان ميؤوساً من غوثٍ فيها، ولكن المضطر يعمل ولو بالميؤوس، عسى أن تدركه رحمة الله بعد أن بذل أقصى ما أمكنه من العمل، فكانت (زمزم هزمة جبريل وسقيا اسماعيل)...
فانظروا إخواني..كيف أخرجكم ربكم من دياركم، مهاجرين وما كان إخراجكم إلا من أجلِ دينكم، فاعملوا إخواني من أجل هذا الدين أقصى ما يمكنكم، ولو بالميؤوس منه أمامكم، ولكن الحال غير ميؤوسٍ منه إن شاء الله، فنظموا أمركم كما أمركم ربكم بقوله تعالى : *{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ... }*
[الحج : 78]
فالعزم العزم، والصبر الصبر، وكونوا : (عباد الله إخواناً)،
*{عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}* [الأعراف : 129]
*{... لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ... (5)}* [الروم : 4-5]، والحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 824