من الظواهر السلبية التي تعقب انصرام شهر الصيام التخلف عن الصلوات الخمس خصوصا صلاة الصبح
مباشرة بعد انصرام شهر رمضان الذي ظلت المساجد خلاله مكتظة بالمصلين في كل الصلوات خصوصا صلاتي الصبح والعشاء اللتين تصاحبهما صلاة التراويح، تتخلف أعداد كبيرة من روادها عن الصلوات الخمس خصوصا صلاة الصبح ، ويعود وضعها إلى ما كانت عليه قبل شهر الصيام.، وهذه ظاهرة سلبية يؤسف لها شديد الأسف خصوصا وأن رمضان يعتبر دورة تدريبية على ممارسات تعبدية وعلى رأسها المحافظة على الصلوات الخمس كما يأمر بذلك رب العزة جل جلاله في قوله : (( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين )) . ومقابل هذا الأمر الإلهي يحذر الله عز وجل من التراخي في المحافظة على الركن الثاني من أركان الإسلام حيث يقول : (( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون )) . ومعلوم أن السهو عن الصلاة هو التراخي في أدائها في وقتها ، وليس تركها لأن الترك أمره أخطر، ذلك أن العهد بين المسلم والإسلام هو الصلاة ،فمن تركها متعمدا يكون قد نقض عهده مع الإسلام وأهله .
وبالرغم من وجود أمر إلهي بوجوب المحافظة على الصلاة في وقتها ، ووجود نهي عن السهو عنها والتراخي فيها ، فإن كثير من المصلين الذين يحرصون عليها طيلة شهر الصيام يتخلفون عن أدائها في وقتها ، وكأن الأمر الإلهي بالمحافظة عليها يقتصر على شهر رمضان دون غيره من الشهور، علما بأنه يوجد من الناس من لا يصلي إلا في رمضان لأنهم لا يستقيم عندهم إقامة الركن الثالث من أركان الإسلام دون الركن الثاني ، لهذا يتركون العمل بهذا الأخير مباشرة بعد انتهاء وقت الثالث .
والغالب على الظن، وإن كان الظن لا يغني من الحق أن الذي يحمل كثير من المصلين على المحافظة على الصلاة في رمضان وتحديدا صلاة الصبح هو استيقاظهم قبلها لتناول طعام السحور ، ولولا ذلك لما استيقظوا ، والدليل على ذلك أنهم يتخلفون عنها مباشرة بعد فطرهم ، وقد اعتادوا على ذلك في سائر أيام السنة .
ومعلوم أن ظاهرة التخلف عن الصلوات خصوصا صلاة الصبح التي تتطلب إرادة وعزما بحكم توقيتها يعطي فرصة للمتربصين بالإسلام وأهله من العلمانيين ومن على شاكلتهم للتشكيك في تدين من يتخلفون عنها ، ويرون أن توقيتها لا ينسجم مع أحوال الناس في عصر ما يسمونه عصر المجتمع المدني الحداثي الذي حل محل المجتمع الديني التقليدي حسب زعمهم ، وهو في نظرهم مجتمع قد ولى وطواه الزمن . وكان من المفروض أن يفند المصلون هذه المقولة المغرضة والمتهافتة بحرصهم الشديد على المحافظة على الصلوات، وعلى وجه الخصوص صلاة الصبح تحديدا لتأكيد مكانتها وأهميتها في حياتهم وأولويتها عندهم مهما تغيرت أوتطورت ظروف عيشهم ، وهي صلوات تأخذ أوقاتها من حياتهم لا يمكن أن تنازعها في ذلك أحوال معاشهم بل تأتي أوقات هذه الأحوال بعد أوقاتها التي هي أوقات مقدسة قررها الخالق جل وعلا .
ومعلوم أن حكم من يصوم رمضان هو حكم التائب توبة نصوحا بشروطها المعلومة وهي الإقلاع عن الخطإ أو الذنب والعزم على عدم العودة إليه ، والندم على ذلك . وهل يوجد ذنب أعظم من التخلف عن الصلوات خصوصا صلاة الصبح ؟ فمن حافظ عليها في شهر الصيام، فإنه بذلك يقيم حجة على نفسه أمام خالقه سبحانه وتعالى بأنه قد تاب توبة نصوحا من ذنب التخلف عن أدائها من قبل إقلاعا، وعزما، وندما . وكيف يعقل أن يتراجع في توبته من ذلك بعد انصرام شهر الصيام؟
ومعلوم أن المحافظة على أداء صلاة الصبح في وقتها تغير من وتيرة حياة المسلم وبرنامجها اليومي الذي اعتاده دون أداء تلك الصلاة في وقتها المعلوم ، علما بأن يومه يبدأ بهذه الصلاة لينطلق سعيه ونشاطه مباشرة بعدها ، وغالبا ما يكون وقت هذه الصلاة في فصل الصيف في الساعة الثالثة من بداية اليوم، بينما يتأخر في فصل الشتاء إلى الساعة خامسة أو سادسة منه ، وهذا ما يفسر تزايد أعداد المصلين في فصل الشتاء عن أعدادهم في فصل الصيف، لأنهم اختاروا لحياتهم توقيتا لا يتماشى ولا ينسجم مع توقيت تلك الصلاة التي وقّتها لوقتها رب العزة جل جلاله ، ولم يترك توقيتها للخلق .
ولقد كان من المفروض أن تتميز الأمة المسلمة عن غيرها في توقيت سعيها اليومي الذي تحدده أوقات صلواتها، ولكن مع شديد الأسف واقع حالها أنها تابعة لتوقيت سعي غيرها الذي لا يدين بدينها ، الشيء الذي يدل على أن عبادة الصلاة لم تعد ذات أولوية بالنسبة إليها تماما كما هو الحال عند غيرها ، وهذا ما يجعل العلمانيين وأمثالهم من المستلبين فكريا يرون أن ما يسمونه المجتمع المدني الحداثي قد حل محل المجتمع الديني التقليدي الذي تجاوزه الزمن حسب زعمهم لما طرأ على حياة الناس من تطور وتغيير فرضتهما ظروف العيش في هذا العصر.
ونختم بالقول أن مسؤولية المحافظة على الصلوات ، وهي في الحقيقة مسؤولة صيانة أمانة دين الإسلام تقع على المسلمين خصوصا في هذه الفترة الزمنية الدقيقة التي تشهد صراعا محتدما مع التيارات الفكرية المنحرفة والشاذة التي تريد إقصاء الإسلام من حياة أهله لإحلال محله ما يسمى باللادين الذي يراد له أن يحكم المجتمع ليكون مدنيا لا دينيا. وكل متخلف عن الصلوات الخمس وتحديدا صلاة الصبح يكون في الواقع قد قدم خدمة للتوجه العلماني ، وأعطى مبررا لمنافسة العلمانية للإسلام في مجتمع مسلم ضحت أجيال سابقة بأرواحها ودمائها من أجل أن تنعم الأجيال بعدها بنعمة الإسلام وأعظم بها من نعمة لا يعرفه عظمتها إلا من يفتقدها ، وكيف يرضى الإنسان المسلم أن تمطي العلمانية ظهره لتحقق وجودها على حساب هويته الإسلامية ؟ والملاحظ أن العلمانيين يجن جنونهم كلما أقبلت الأمة المسلمة على الصلوات بأعداد كبيرة لأن ذلك عبارة عن مؤشر على فشل مشروعهم العلماني ، وهو ما يحملهم على كثرة انتقاد مظاهر التدين بأساليب ساخرة في رمضان والتشكيك في جديتها .
وسوم: العدد 828