وأنتم الأعلون
يشعر المغلوب أن الفئة التي غلبته هي الأعلى شأناً، وأن عقيدتها وثقافتها وقيمها هي منبع قوتها. فإذا أراد أن يستمد القوة، ويحقق الغلبة فليقلد الفئة الغالبة؛ وكما قد يستورد منها أثاثه وسيارته فليأخذ منها مبادئه وقيمه ومعايير سلوكه!.
هذا هو المنطق الذي يعتمل في نفوس الذين استولت عليهم عقدة النقص، لكنّ الله تعالى يريد أن يرفع عباده المؤمنين إلى أفق آخر فيقول لهم: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين). {سورة آل عمران: 67}. فالمؤمن هو الأعلى ما دام قلبه عامراً بالإيمان، ولو انهزم في معركة، أو كان قليل العَدَد، ضعيف العُدَد في مرحلة من المراحل، فالأيام دُوَل، والمؤمن يأوي إلى ركن شديد.
إن الإنسان لا يمكن أن يأتي بالأعمال الجليلة، ويحقق الأهداف الكبيرة، إلا إذا كان واثقاً من نفسه، مطمئناً إلى عقيدته وقيمه. فهذه الثقة وهذا الاطمئنان، هما مصدر الهمّة القعساء، والخلق النبيل، والثبات في السراء والضراء.
ولقد كان المسلمون الأوائل، من الصحابة والتابعين، هم الأقل عَدَداً وعُدَداً من عدوّهم، لكن ثقتهم بالدين الذي آمنوا به، وحُسْن توكّلهم على ربهم، وشعورهم بأنهم على الحق، وأن عدوّهم على الباطل... جعلهم يحسّون باستعلاء الإيمان وإن كانوا في مواقف الضعف والهزائم العسكرية، وهذا ما مكّنهم من حمل رسالتهم في أنحاء الجزيرة العربية، ثم تقويض أكبر امبراطوريّتين في العالم آنذاك. وقد تمكّنوا من نقل المعارف وفنون الصناعة التي كانت عند الروم والفرس، ووظّفوا ذلك في خدمة عقيدتهم ونظام حياتهم الذي جاء به دينُهم الحق، وقد فعلوا ذلك من مركز الواثق بنفسه، المعتزّ بدينه وأخلاقه.
لقد تفوّق الغرب علينا اليوم في العلوم والتكنولوجيا، فلنأخذ منه ذلك، فهذه المعارف تتناقلها الأمم وتتوارثها الأجيال، وتزيد عليها وتطوّرها... لكن القيم والمفاهيم الاجتماعية والأخلاقية شيء آخر. فالغرب ينتكس في الإباحة الجنسية، ويزداد فيها انتكاساً، ويقيم علاقاته الاقتصادية على الربا والاحتكار، ويختلق الأكاذيب والذرائع ليقتل الشعوب المسلمة وينهب ثراوتها، ويمنع تعدد الزوجات ويبيح تعدد الخليلات... فما معنى أن يُعجَبَ بعضنا بشرائعه وقوانينه وقيمه... إلا أن تكون عقدة النقص قد استولت عليهم وجعلتهم يشعرون بالذلة والهوان.
المؤمن هو الأعلى عقيدة وسنداً، وأخلاقاً وقيماً، وأنظمة حياة وقانوناً... فليثق بنفسه، وليقُم بحق هذا الدين في نفسه وأهله وقومه، وليكن صابراً في السراء والضراء، باذلاً ماله ونفسه في سبيل الله، منتظراً من الله النصر والفتح المبين.
وسوم: العدد 829