أليس في القوم عمر !؟( هكذا تصنع القوانين)
روى المؤرخون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعروف بشدته و قوة بأسه كان يعد موائد الطعام للناس فى المدينة ذات يوم فرأى رجلا يأكل بشماله فجاءه من خلفه ، و قال :
يا عبدالله كل بيمينك ..
فأجابه الرجل : يا عبدالله إنها مشغولة .
فكرر عمر القول مرتين فأجابه الرجل بنفس الإجابة .. !!
فقال له عمر : و ما شغلها ؟
فأجابه الرجل : أصيبت يوم مؤتة فعجزت عن الحركة .. !!
فجلس إليه عمر و بكى و هو يسأله :
من يوضئك ؟
و من يغسل لك ثيابك ؟
و من يغسل لك رأسك ؟
و من .. , و من .. , و من .. ؟
و مع كل سؤال ينهمر دمعه .. ثم أمر له بخادم و راحلة و طعام و هو يرجوه العفو عنه لأنه آلمه بملاحظته على أمر لم يكن يعرف أنه لا حيلة له فيها .. !!
هكذا تصنع القوانين ...
كان يخرج ليلا في شوارع المدينة و أزقة الحواري لا ليتلصص على رعيته و لكن ليتفقد حالها .. !!
ذات مساء إذ بأعرابية تناجي زوجها الغائب و تنشد في ذكراه شعراً :
فيقترب أمير المؤمنين ثم يسألها من خلف الدار : ما بك يا أختاه ؟
فترد الأعرابية :
لقد ذهب زوجي إلى ساحات القتال منذ أشهر و إني أشتاق إليه .
فيرجع أمير المؤمنين الى دار إبنته حفصة رضي الله عنها و يسألها :
كم تشتاق المرأة الى زوجها ؟ أو كم تصبر على فراق زوجها الغائب
و تستحي الإبنة و تخفض رأسها فيخاطبها متوسلا :
إن الله لا يستحي من الحق و لولا أنه شيء أريد أن أنظر به في أمر الرعية لما سألتك .. !!
فتجيب الإبنة :
أربعة أشهر أو خمسة أو ستة .
و يعود الفاروق إلى داره و يكتب لأمراء الأجناد ( لا تحبسوا الجيوش فوق أربعة أشهر ) ..
و يصبح الأمر قانوناً يحفظ للمرأة أهم حقوقها .
تابع مسار القانون لم يصغه الجهاز التنفيذي للدولة بل صاغه المجتمع ( الأعرابية و حفصة ) و إعتمده الجهاز التنفيذي للدولة لينظم به المجتمع .......
هكذا تَشكَّل ( قانون المرأة ) ..
و الفاروق ذاته رضي الله عنه يواصل التجوال المسائي متفقداً و ليس متلصصاً و إذ بطفل يصدر أنيناً حزيناً فيقترب من الدار و يسأل عما به ؟
فترد أم الطفلة :
( إني أفطمه )
حدث طبيعي أُم تفطم طفلها و لذا يصرخ و لكن أمير المؤمنين لا يمضي إلى حال سبيله ؛ بل يحاور أُم الطفل و يكتشف أن الأم فطمت طفلها قبل موعد الفطام لحاجتها لمائة درهم كان يصرفها بيت مال المسلمين لكل طفل بعد الفطام .
يرجع الفاروق إلى منزله لا لينام إذ أنين ذاك الطفل لم يبارح عقله و قلبه فيصدر أمراً ( بصرف المائة درهم للطفل منذ الولادة و ليس بعد الفطام ) .
و يصبح الأمر قانوناً يحفظ حقوق الأطفال و يحميهم من مخاطر الفطام المبكر ....
لو لم يحاور الفاروق تلك المرأة لما أصدر قانوناً يحمي حق الطفل في الرضاعة الكاملة ..
و هكذا تَشكَّل ( قانون الطفل ) ..
و كان الفاروق يحب أخاه زيداً ، و كان زيد هذا قد قُتل في حروب الردة .
ذات نهار بسوق المدينة يلتقي الفاروق وجهاً بوجه بقاتل زيد و كان قد أسلم و صار فرداً في رعيته .
يخاطبه الفاروق غاضباً :
( و الله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح ) .. !!
فيسأله الأعرابي متوجساً :
( و هل سينقص ذلك من حقوقي يا أمير المؤمنين ) .. !!
و يُطمئنه امير المؤمنين ( لا ) ..
فيغادره الأعرابي بمنتهى اللامبالاة قائلا :
( إنما تأسى على الحب النساء ) ...
أي مالي أنا و حبك إذ ليس بيني و بينك غير ( الحقوق و الواجبات ) !!
لم يغضب أمير المؤمنين و لم يزج به في السجن بل كظم غضبه على جرأة الأعرابي و سخريته و واصل التجوال .. !!
لم يفعل ذلك إلا إيماناً بحق هذا الأعرابي في التعبير و بكظم الغضب و هو في قمة السلطة و بفضل شجاعة هذا الأعرابي .. !!
تَشكَّل في المجتمع ( قانون حرية التعبير ) ..
ثم إمرأة كانت تلك التي جردته ذات جمعة من لقب أمير المؤمنين حين قالت ( أخطأت يا عمر )
و كانت هذه بمثابة نقطة نظام.
إمرأة من عامة الناس ترفض قانون المهر الذي صاغه الفاروق عمر .. !! لم يكابر أمير المؤمنين و لم يزج بالمرأة في السجون و لم يأمر بجلدها بل إعترف بالخطأ بالنص الصريح ( أخطأ عمر و أصابت إمرأة ) ، ثم سحب قانونه و ترك للمجتمع أمر تحديد المهور حسب الإستطاعة ..
هكذا تُصنع القوانين ، أي حسب غايات المجتمع و طموحاته و ثقافاته و ذلك بالغوص في قاع المجتمع المستهدف بتلك القوانين .. !!
فالمجتمع هو مصدر القوانين و ليس السلطة (( بما لا يخالف كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم طبعاً )) .. !!
لم يتغير الناس و لا الحياة ..
و لكن ليس في القوم .. ( عمر ) .. رضي الله عنه !!
وسوم: العدد 847