مذاكرة في حقيقة الأدب مع الله .. والأمر بالإعراض عن الجاهلين
ولا نحكم لمعيّن أو عليه .. وتلك حدود الله
ويموت الميت من أهل الدنيا ، يختلف فيه الناس في حياته ، فيظل الجاهلون المدعون يتنازعون فيه : أفي جنة هو أو في نار ؟!
ويحصل بينهم من الفساد والتهارش والقطيعة والتنابذ بالباطل وقول الإثم أحيانا وشهادة الزور أخرى ما الله به عليم ؛ وكل أولئك في أمر يقول الله فيه : ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) ولا ندري في أمر هؤلاء المتخاصمين هل يخافون أن يحيف الله على المختلَف فيه ، فينقسمون : مدعٍ عام وهيئة دفاع ؟!!! هل يظنون أن يضل ربنا - تعالى جد ربنا - أو أن ينسى ؟!هل هم في مثل محاكم النوري والسيسي يحتاجون فيها إلى رفع الأصوات ، والتجمهر خلف الأبواب ؟!
إنسان ، رجلا كان أو امرأة ، أفضى الميت إلى ما قدم ، وصار بين يدي حكم عدل عليم خبير ، رؤوف رحيم ، شديد العقاب ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ومهما علمتَ من حقيقة هذا الذي صار إلى ربه ، فالله به أعلم ، يعلم منه خائنة العين ، وما يخفي الصدر ..وهو به أرحم ، وعليه أقدر فاربع على نفسك ، وكف من حدة غربك أيها المتألي على الله : أن يرحم فلانا ، أو يعذب فلانا ، على الطريقة التي ترضيك ..
وهذا درس من سيدنا المسيح عليه السلام ..
درس من سيدنا المسيح في شهادته على الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله ..وهل أكبر في الذنوب من الشرك بالله ؟! ..فلنستمع ولنلتزم ، ولنتشبه إن لم نكن مثلا . ولنقف عند حدود الأدب مع الله ، ولنكن مثله أكثر انحيازا لإنسانيتنا وضعفنا وطمعنا في الرحمن الرحيم.
(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
وتأمل تفاصيل هذه الشهادة وهذا الموقف
تأكيد الأمانة في أداء الرسالة ( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ )
وتقديم شهادة مصداقية على الدور (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ)
وإقرار بحق الألوهية في الحساب والعقاب (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ)
ثم طرق باب الاسترحام والرجاء (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
توزع رحمتك بعزة وحكمة .
ومن الأدب مع الله لم يقل سيدنا عيسى في هذا السياق (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) مع أن سياق الرجاء يقتضيه . ولكن للأدب مع الله مراسم يدركها العالمون الوقافون عند حدود الله..
ثم تأتي أرجى آية في كتاب الله ، تطرد من رحمته كل المتلونيين والمنافقين والكذابين فاسمع ، ولا تحجر من كتاب الله آية ، فذلك ليس لأحد من العبيد مثلي ومثلك ( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) وصدق الله .. الصادقون : الذين جاؤوا بالصدق ، والذين صدّقوا به ...
الشقي المدعي منا من يظن أنه يدخل الجنة بعمله .. هيهات هيهات . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لن يُدخل أحدا عملُه الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " لا ، ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة " - صحيح البخاري
كفوا عنا جشاءكم أيها المتجشئون المتألهون على الناس : هذا إلى جنة وهذا إلى نار .. وإنما يقال لكل من خاض في مثل هذا : " ليس بعشك فادرجي " فالحكم على المعيّن لمن يعلم السر وأخفى .. وليس لأحد سواه ..
وأسأل الله لي ولكم مقام الصدق الذي ينفع الناس ، يوم يلقون ربهم وأن يتغمدنا الله وكل الصادقين بفضل ورحمة ..
والإعراض عن الجاهلين في قرآننا أمر .
وسوم: العدد 881