وقُولوا للنّاسِ حُسناً
(وقولوا للناسِ حُسناً). {سورة البقرة: 83}.
جملة قصيرة من آية كريمة ترسم لنا طريق الدخول إلى القلوب والعقول، وتثبّت قاعدة اجتماعية دعوية.
وأوّلُ الناس الذين ينبغي أن نقول لهم حُسناً هم الأقربون: الوالدان والإخوة والأخوات والجيران ومَن هم تحت إمرتنا من المرؤوسين... ثم عامة المسلمين الذين تجمعنا بهم رابطة العقيدة، ثم من وراءهم من أصحاب الديانات الأخرى. فإن الكلمة الطيبة والوجه البشوش مفتاحٌ للقَبول، ومغلاق للخصومات والعداوات، وقد قال ربنا سبحانه: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن. إن الشيطان ينزغ بينهم. إن الشيطان كان للإنسان عدوّاً مُبيناً). {سورة الإسراء: 53}.
وكما هو مقرر في ديننا فإن الحسنات والقربات تتفاضل، فأعلاها "لا إله إلا الله"، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. كما أن المعاصي والذنوب تتفاوت بين كبائر وصغائر. فهناك إذاً أولويّات، ومن الحكمة أن نحرِص على فعل الواجبات أكثر من حرصنا على فعل المندوبات، ونحرص على الأهم أكثر من حرصنا على المهم. (ومَن يُؤتَ الحكمةَ فقد أوتي خيراً كثيراً. وما يتذكّر إلا أولو الألباب). {سورة البقرة: 269}.
ومن العجب أن يستشهد أحدنا بقوله تعالى: (وقولوا للناس حُسناً) ليتودّد بها إلى العلمانيين وأصحاب الديانات الأخرى، في الوقت الذي يقول الهُجْر وجارح القول لإخوانه الذين يخالفونه في رأي فقهي أو موقف سياسي، مع أن هؤلاء هم الأولى بالتودد والألفة والتلطّف، فهم، مثلُه، يحبّون الله ورسوله ويعملون لنصرة دين الله، سواء أعجبه اجتهادهم أو لم يعجبه.
لقد امتدح الله تعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم (أشدّاء على الكفّار، رحماء بينهم). {سورة الفتح: 29}، ووعد سبحانه بأنه إذا ارتدّ قومٌ عن دينهم (فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه، أذلّةٍ على المؤمنين، أعزّةٍ على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم). {سورة المائدة: 54}.
وتلك قمّة سامقة أن تصبح مشاعر المؤمن كاملة لله: يحب في الله ويبغض في الله، ويعطي في الله، ويمنع في الله، ويكون ذليلاً على المؤمنين، عزيزاً على الكافرين... يبرُّ الذين لا يقاتلونه في الدين، ويُقسِطُ إليهم. فإذا لم يبلغ هذا المستوى وكان من طبعه الشدّة، أو اللين، فليشذّبْ طبعه ما استطاع حتى يقترب من صفات أولياء الله الذين يقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن معه، الذين هم (أشدّاء على الكفّار، رحماء بينهم).
أمّا مَن يكون فظّاً غليظ القلب، سليط اللسان في تعامله مع المسلم الذي يخالفه في مَشْربه أو مذهبه أو فهمه السياسي... ويبحث عن مُدّخَل إلى قلوب غير المسلمين، ولو بتأويل متعسف لبعض النصوص... فإنه بحاجة إلى أن يفتّش قلبه، ويراجع مواقفه بينه وبين ربّه.. (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره). {سورة القيامة: 14 و15}.
وسوم: العدد 909