رفيق الهجرة النبوية رضي الله عنه
نحن نعيش أيام الهجرة النبوية، نعيش بعض أحداث السيرة، فالهجرة مرحلة مهمة من حلقات الدعوة الإسلامية، حصلت بعدها تحولات مهمة تختلف عن سابق حياة رسول الله و حياة الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة ، سأحاول أن نعيش بعض الوقت مع شخصية محورية رافق رسول الله صلى الله عليه و سلم في رحلة الهجرة من مكة المكرمة إلى طيبة المدينة المنورة ، نحاول تسليط الضوء على نموذج رجال استحقوا شرف المرافقة و الصحبة ، رجال كانوا سندا لنصرة الإسلام فمن هو الصديق رضي الله عنه ؟.
الصحابي الجليل هو عبد الله، بن عثمان، بن عامر، بن كعب، بن سعد، بن تيم، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب. يجتمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرة بن كعب، كنيته أبو بكر. وعثمان هو اسم أبي قحافة. وأم أبي بكر سلمى. وتكنى أم الخير، بنت صخر بن عامر، ابنة عم أبيه، أسلمت وهاجرت (منهاج السُّنّة النبويّة لشيخ الإسلام ابن تيمية
قدّس اللهُ رُوحَه )
كان رضي الله عنه تاجرا بارعا في التجارة، يعرف أصولها و فروعها، كان ميسور الحال ، كان بين قريش شامة في علو مكانته ورفعة خلقه و رسوخ علمه و حسبه ، فكان أعرف العرب بأنسابهم ، و قد أصابه ما أصاب المسلمون من البلاء و الاضطهاد .
جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة أمير من أمراء العرب سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي» .
قال ابن الدغنة: فإن مثلك لا يَخْرُج ولا يُخْرَج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش، وقال لهم: «إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟» الحديث (أخرجه البخاري ك63 ب45)
كان رضي الله عنه أسبق الصحابة للإسلام ، فحضي بالسبق و الإيمان مع ثلة قليلة لا يختلف عليها الناس ، فكان من الرجال هو ، و النساء خديجة رضي الله عنها و من الغلمان علي كرم الله وجهه و من الموالي زيد بن حارثة رضي الله عنه .
فكان رضي الله عنه ريحا مرسلة في الخير أن ينفق معظم ماله لتحرير المستضعفين من العبيد ، كان منهم: بلال بن رباح، و النهدية وابنتها، وأم عبيس، وزنيرة، وجارية بني المؤمل و تحريرا لمستضعفين عمل إنساني صرف ، فيه رفض عبودية الإنسان و رقه و لأنه مكرم .
و يستمر عطاء الصديق فيكون اسهامه متميزا في تحضير و تنفيذ نجاح رحلة النبوية الهجرة ، فيسخر كل ما يملكه من مال و أهل و ولد و خادم نصرة لدين الله ، ليشارك الجميع في إنجاح الرحلة ،فيهم من جمع الأخبار ، و منهم عدت الطعام ، و منهم حمى آثار سير بنات أبي بكر و كلها أعمال تضحية و مخاطرة .
و يكفي الصديق قدرا و رفعة موقفه الثابت يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، يوم اهتزت قناعات الكثير ، يوم ضعفت همم الكثير ، يوم صدمت نفوس قوية لهول المصيبة ، لكن الصديق كان أثبت من الجبال الرواسي في رسوخها .
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها: “جَاءَ أبو بَكْرٍ فَكَشَفَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا ومَيِّتًا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أيُّها الحَالِفُ، علَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أبو بَكْرٍ وأَثْنَى عليه، وقَالَ: ألا مَن كانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ مَاتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ” [صحيح البخاري].
وختامًا فإن أعمال أبي بكر الصديق رضي الله عنه مذ أسلم كثيرة لا نستطيع سردها في مقال ، اكتفيت بالإشارات التي تلخص نوعية أصحاب رسول الله ومدى استجابتهم لله والرسول صلى الله عليه وسلم ، فالصحابة ضربوا أروع أمثلة التضحية في دروب الحياة فكانوا نماذج قدوة لنا ، استحقوا بذلك فضل الصحبة و الرفقة في الدعوة رضي الله عن الصديق خليفة رسول الله و رضي الله عن جميع صحابة رسول الله .
وسوم: العدد 991