قبسات من آية النور في تعبير رؤيا المؤمن
الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد وعلى محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، لقد قال الله تعالى "الله نور السموت والارض مثل نوره كمشكوه فيها مصباح المصباح في زجاجه الزجاجه كانها كوكب دري يوقد من شجره مبركه زيتونه لا شرقيه ولا غربيه يكاد زيتها يضي ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشا ويضرب الله الامثل للناس والله بكل شي عليم"-النور35-، ثم عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرؤيا الصالحة من الله، وإن التحزين من الشيطان، ومن الرؤيا ما يحدث بها الرجل نفسه، فإذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليقم فليصل، وأكره الغُلّ في النوم، ويعجبني القيد؛ إنه ثبات في الدين، ورؤيا المؤمن على جزء من سبعة وأربعين جزءا من النبوة، وفي آخر الزمان لا تكاد تكذب رؤيا المؤمن، وأصدقهم حديثا أصدقهم رؤيا" مستخرج أبي عوانة، ثم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» صحيح مسام، ثم عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» صحيح مسم، وبعد: فالمؤمن يرى في المنام الرؤيا التي هي بشرى من الله عز وجل بقلبه ومحل الرؤيا في قلبه هو غشاء القلب، ومثل غشاء القلب الذي ذكره الله عز وجل في آية النور هو الزجاجة، وإن كلمة الزجاجة هي أول كلمة في الجملة التالية من آية النور: "الزجاجه كانها كوكب دري يوقد من شجره مبركه زيتونه لا شرقيه"، وإن رؤيا المؤمن تكون على الزجاجة، ثم إن عدد حروف كلمات تلك الجملة المباركة هو سبعة وأربعون حرفا، ثم إن رؤيا مؤمن سببها الأول حبه لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وحبه لأهل بيته، ثم إن سببها الثاني تدبره لآيات من القرآن المجيد بسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فالسببان مثلهما الله عز وجل في آية النور بالمصباح والزيت المبارك، فعدد نقاط كلمات الله التامة في جملة آية النور التالية: "يكاد زيتها يضي ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشا ويضرب الله الامثل للناس والله بكل شي عليم" هو ست وأربعون نقطة، ثم إن عدد كلمات تلك الجملة هو ثلاث وعشرون كلمة، كذلك فمجموع سبعة وأربعين وثلاث وعشرين يساوي سبعين، ثم إن المؤمنين في صلاتهم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكونوا عن يمين الإمام أو عن يساره وهم بذلك أم أن يكونوا شرقا أو غربا كما تكون أية زيتونة فهي إما شرقية أو غربية، ثم إن الله عز وجل يقذف نوره في قلب المؤمن سواء كان في شرق أي من المساجد الثلاثة: المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى أو أي مسجد أسس على التقوى، أو في غربها، وفي هذا دليل على أن تعبير رؤيا المؤمن يكون من كتاب الله عز وجل أو من سنة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن المعبر للرؤيا إن أحصى في الرؤيا ستة وأربعين أو سبعين جزءا من أجزاء النبوة بشر صاحب الرؤيا بأنها رؤيا صالحة وأنه مؤمن، وكأن أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام هم أعلم الناس بتعبير الرؤيا كما هم أعلم الناس بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم يصيبون في بعض تعبيرهم لرؤيا المؤمن ويخطئون بعضا، وكأنه يمكن اعتبار الحرف أو الكلمة أو النقطة من كتاب الله عز وجل أو من حديث رسوله محمد صلى الله عليه وسلم جزء من أجزاء النبوة لأنه من يكفر بحرف أو كلمة أو نقطة من قول الله تعالى "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ"-الإخلاص3- فقد جعل لله عز وجل جزءا، فقد قال الله تعالى "وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ"-الزخرف15-، هذا والله أعلم، فعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْبُرْهَا» قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ العَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالقُرْآنُ، حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ وَالمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ، فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» قَالَ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ، قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ» صحيح البخاري، وعَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعْبَرْ، فَإِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ" قَالَ: "وَالرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ" قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: "لَا يَقُصُّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ" سنن ابن ماجه، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ" مسند أحمد. فاللهم ربنا لك الحمد حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
وسوم: العدد 1071