يوم القيامة هو أعظم الأيام وأحسنها!.. لأنه يوم العدل الكامل للكائنات، والرحمة التامة للمؤمنين..

دأب كثير من الوعاظ على تخويفنا من يوم القيامة وأنه يوم الأهوال والبطشة الكبرى والجوع والعري والزحمة والعرق وفرار الأخ من أخيه... إلخ.

ولا شك أن يوم القيامة هو يوم عظيم مهول تجتمع فيه المخلوقات جميعا من إنس وجن وملائكة وحيوانات للحساب والثواب والعقاب والقصاص...

وهو للكفرة الفجرة كما يصفه الوعاظ، ولكنه بالنسبة لكافة المخلوقات يوم العدل والإنصاف، وهو للمؤمنين خاصة يوم الرحمة ونيل الجائزة...

فقد وصفه العزيز الحكيم بأنه (يوم عسير، على الكافرين غير يسير)

وهذا يقتضي أنه يسير على المؤمن...

ويؤيد هذا أمور، منها:

1 وصف الله تعالى المؤمنين يوم القيامة بإشراق وجوههم وضحكها واستبشارها، قال تعالى: (وجوه يومئذ مسفرة ، ضاحكة مستبشرة).

2 ووصف سبحانه المؤمن بالفرح عند استلام كتابه، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ).

 قال ابن كثير: : "يخبر تعالى عن سعادة من أوتي كتابه يوم القيامة بيمينه ، وفرحه بذلك ، وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه : ( هاؤم اقرءوا كتابيه ) أي : خذوا اقرؤوا كتابيه ; لأنه يعلم أن الذي فيه خير وحسنات محضة ; لأنه ممن بدل الله سيئاته حسنات" .

3 ما جاء في أحاديث الشفاعة  وهي مما خص الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم..

4 وما جاء في شفاعة الملائكة والعلماء والشهداء والصالحين والأبناء وغيرهم..

5 وهنالك شفاعة رب العالمين .. ففي صحيح مسلم أن الله عز وجل يقول: (شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما).

6 ما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق عليه.

7 وما جاء في حديث الرحمة عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة ، يرحم بها عباده يوم القيامة ) رواه مسلم.

8 وهو سبحانه الرحمن الرحيم فجاء عن عمر عنه صلى الله عليه وسلم قال: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) رواه البخاري.

9 وجاء في الحديث الذي رواه معاذ عنه صلى الله عليه وسلم: (من كان آخرُ كلامهِ لا إلهَ إلَّا اللهُ دخل الجنَّةَ). رواه أبو داود...

كل ما سبق ذكره مما جاء في الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة مما أوردناه ومما لم نورده تؤكد أن يوم القيامة هو اليوم الذي ينتظره المؤمن، فهو طريقه إلى دار السعادة والخلود عند مليك مقتدر.

***

على أنه لا تخلو بعض مواقف يوم القيامة من كدر ومنغصات، فهو يوم إعلان نتائج الامتحان الدنيوي، ومهما كان الطالب مجدا، فإنه يرتبك ولو قليلا عندما ينادى على اسمه حين إعلان النتائج، فكيف بنتائج الآخرة؟! فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ذكرت النار فبكيت، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «ما يبكيك ؟» قلت : ذكرت النار فبكيت؛ فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة ؟ فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم «أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا : عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أو يثقل ؟ وحيث الكتاب حين يقال " هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ " حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم شماله أم من وراء ظهره ؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم» (رواه الإمام أحمد –الفتح الرباني – وأبو داود واللفظ له ، والحاكم ، وقال العراقي في تخريج الإحياء : إسناده جيد ، وحسنه شعيب الأرناؤوط في تخريج أحاديث جامع الأصول لابن الأثير ، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب) .

***

يوم القيامة باختصار بكل ما فيه من أهوال وآلام هو يوم العدل والرحمة.. للأسباب الآتية:

1 بحسبك أن ترى الفراعنة والطغاة والظالمين والمجرمين  في ذلة تامة، وخضوع وانكسار كاملين، وعذاب مهين ... تراهم: (أبصارهم خاشعة) و (مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار).

2 بحسبك أن ترى المتكبرين على إخوانهم في الإنسانية وهم في صورة الذر يطؤهم الناس بأقدامهم! ... ففي صحيح الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم، قال: (يُحشَرُ المتَكَبِّرونَ يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكانٍ ، يُساقونَ إلى سجنٍ في جَهَنَّمَ يسمَّى بولُسَ تعلوهُم نارُ الأَنْيارِ يُسقونَ من عُصارةِ أَهْلِ النَّارِ طينةَ الخبالِ).

3 ويوم القيامة ينال فيه المفسدون في الأرض عقابهم بعد أن لم يردعهم رادع في الدنيا، بل كانوا يتشدقون بأنهم مصلحون وفضلاء..

4 وهو يوم عدالة السماء الشاملة الكاملة لمن لم تنصفهم عدالة الأرض المحدودة والمزيفة في كثير من حالاتها... وقد قيل قديما:

إذا خـــان الأمير وكاتباه

 وقاضي الأرض داهن في القضاء

 فويل ثم ويل ثم ويل

 لقاضي الأرض من قاضي الســمــاء

5 وهو يوم الإنصاف والفرج لكل مؤمن وملهوف ومظلوم وصابر ومسكين... ممن ألهبت ظهورهم سياط الظلمة، فعاشوا كالقابضين على الجمر، وماتوا مقهورين متألمين،  لم يجدوا قبرا ولم يأبه بهم أحد..

6 وهو يوم الرحمة والفرح بلقاء الله عز وجل، الله الرحيم البر التواب الرءوف بعباده، ولقاء أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وأصفيائه والصالحين رحمهم الله جميعا...

7 وهو يوم نيل الجائزة الكبرى من أكرم الأكرمين: (ولمن خاف مقام ربه جنتان).

8 وهو يوم القيام لله رب العالمين، قال تعالى: (يوم يقوم الناس لرب العالمين).

9 والملك المطلق في ذلك اليوم هو لله وحده سبحانه وتعالى، قال تعالى:

(يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ).

 قال ابن كثير: "وقوله : ( يوم هم بارزون ) أي : ظاهرون بادون كلهم ، لا شيء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم . ولهذا قال : ( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء ) أي : الجميع في علمه على السواء .

وقوله : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) قد تقدم في حديث ابن عمر : أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده ، ثم يقول : أنا الملك ، أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ .

وفي حديث الصور : أنه تعالى إذا قبض أرواح جميع خلقه ، فلم يبق سواه وحده لا شريك له ، حينئذ يقول : لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ، ثم يجيب نفسه قائلا ( لله الواحد القهار ) أي : الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه" .

10 ولشرف هذا اليوم العظيم أقسم الله تعالى به، فقال سبحانه وتعالى: (لا أقسم بيوم القيامة).

***

لا تبالغوا في خوفكم من يوم العدل والرحمة أيها المؤمنون ... فأنتم قادمون إلى ملك رحمان رحيم ورب كريم عفو رحيم.

*

إن يوم القيامة يوم العدالة والقصاص... ولولاه لكان هذا الوجود عبثا، ولاستوى فيه الظالم والمظلوم، وهو ما ينافي العقل والحكمة...

فلتشرئب أعناقكم متطلعة إليه...

*

أما أنتم أيها الملاحدة والزنادقة والضالون فلا ينفعكم أن تنكروه لأنه حقيقة... وما ينتظركم فيه من العذاب يجعل الولدان شيبا....

*

اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة وأن تجعلنا من الآمنين يوم القيامة!.