ضرورة فهم المتغيرات الزمانية والمكانية في دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة

ينبغي أن يكون فهم الكتاب والسنة النبوية الشريفة موافقا لفهم سلف الأمة المباركة في خير قرونها ووفق لغة العرب، بما تحتويه هذه اللغة من أساليب البيان العربي، وأحوال الحقيقة والمجاز (في غير صفات الله تعالى التي نتبع فيها منهج السلف)، وبما يلائم مقتضى البلاغة العربية ومقتضى حال المخاطبين، ومراعاة الظروف الزمانية والمكانية والثقافية التي رافقت الدعوة.

ولا تفهم النصوص بمقتضى ظاهر اللفظ فقط، بمعزل عن كل ظروف الحياة.

قلت لأحد المنتسبين للفهم السطحي ممن لا يلمون بخصائص البيان العربي ودلالات النصوص وطرق فهمها وتحليلها  ويجهلون فقه الواقع ومقاصد الشريعة:

*كيف تحج اليوم؟

قال: بالطائرة.

قلت: ولكن القرآن الكريم قال:

(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27).

أي مشاة أو على الإبل.

فهل أنت تخالف ما قاله القرآن.

* من هي أمك؟

قال: التي ولدتني وتلا قوله تعالى:

(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ ).

قلت: ولكن العلم يقول يمكن أن تكون أمك التي ولدتك قد أجرت رحمها وليست هي صاحبة البويضة الأصلية التي أخذت منها صفاتك.

وأمك التي ولدتك ربما صارت بمثابة أمك في الرضاعة إن لم تكن هي صاحبة البويضة الأصلية.

*قلت: هل تسافر زوجتك لوحدها؟

قال: معاذ الله، ورد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم"(البخاري 1038،  مسلم 1339).

قلت له: لاحظ مسيرة يوم، وأنت اليوم في 6 ساعات تصل لندن.

*قلت: ما هو الماء الطاهر وما هو النجس؟

قال: ما كان أكثر من قلتين فهو طاهر، لما ورد عن عبدالله بن عمر قال: قال رسولُ صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان الماء قُلَّتينِ لم يحمل الخَبَث))، وفي لفظ: ((لم ينجُسْ))؛ أخرجه الأربعة، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، وابن حبان.

قلت: ما هو معنى قلتين؟

قال: (قُلَّتين) تثنية قُلَّة، وهي إناء للعرب كالجرَّة الكبيرة، والمراد قلتان من قِلال هَجَر؛ لأنها هي التي كان يقدر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا؛ كما جاء في حديث المعراج، ومقدار القلتين نحو خمسمائة رطل؛ أي: عراقي.

قلت: وما هو الرطل العراقي، أريد بالمكاييل العصرية؟

قال: (فإن الفقهاء -رحمهم الله- يقدرون القلتين بخمسمائة رطل عراقي تقريباً، وتساوي القلتان باللتر مائة وستين لتراً ونصف اللتر تقريباً). وذلك بحسب ما جاء بموقع إسلام ويب.

وفي حاشية الشطي على غاية المنتهى: تقدر القلتان بـ 200 لترا وثلاثة أخماس اللتر، وتعادلان مربع طول ضلعه 57.5 سم.

قلت: يرحم الله والديك، يعني مقدار ربع متر مكعب فما فوق بلغة عصرنا هو ماء طاهر مطهر عند الجميع لا ينجس إلا بالتغير. وعند بعضهم مقدار خمس متر مكعب تقريبا هو حد الماء الطاهر.

قال: صدقت.

قلت: الحمد لله رب العالمين.

*قلت: كيف توزع صدقة الفطر إن كنت في نيويورك؟

قال: الأمر سهل، شعير أو تمر، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. متفق عليه.

قلت: ولكن أهل نيويورك اليوم لا يأكلون الشعير، فبهت، وراح يضرب كفا بآخر..

*إن مراعاة فهم المتغيرات الزمانية والمكانية أمر هام في دراسة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

وكذلك يجب مخاطبة الناس على قدر عقولهم ووفق ما يلائم أحوالهم المعيشية والبيئية في هذا العالم.

وسوم: العدد 1095