فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة
وهذا جواب على حالة من الفقه يشقى فيها بعض المسلمين..
وفي قوله صلى الله عليه وسلم "فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة" فقه للذين يريدون الفقه. في أن الحقيقة العقلية وإن كانت في ذاتها، واحدة، فإن الحقيقة الشرعية، في كونها أمرا أو نهيا ليست في ثمرتها واحدة. وأن النص الشرعي في ذاته، يفتح الآفاق لأصحاب الفهوم، أن يفهموا، وأن الشارع وهو في السياق الذي نحن فيه، رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أمره الذي أمر به،لم يكن ضيقا حرجا، وحاشاه، أن يقبل من أصحاب الفهم المستقيم فهمهم، ولا يحرٌج عليهم كما يفعل الذين يريدون حمل المسلمين، على فقه: من ثقب إبرتي، وعلى مثل رأسها!!
ولم أشأ أن أعلق على رواية السيرة النبوية، في واقعة يوم الأحزاب، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة"
حتى أعود إلى كتب المحدثين، وما قولهم في الرواية، فوجدتها والحمد لله في الصحيحين، أي عند البخاري ومسلم، رحمهما الله تعالى، وجزاهما عن الإسلام والمسلمين كل خير، ثم وجدت مسلما يضيف رواية، فلا يصلين الظهر إلا في بني قريظة، ثم وجدت شراح الصحاح ومنهم النووي وابن حجر وغيرهما يحتفلون بالرواية شرحا وتفصيلا وبيانا وتبيينا وتفريعا وتأصيلا؛ ولله الحمد والمنة. حتى يقول ابن حجر هو العسقلاني صاحب فتح الباري ما ينقله عن السهيلي:
"في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه، وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب." انتهى.
هل انتهي حيث انتهى!! أم أزيد..
فأقول، وحين أقر صاحب الأمر وهو حاضر ناظر، مسموع الكلمة، وصاحب الأمر في الموقف، الفريقين على اجتهادهم، من تعجل وصلى، ومن تعجل وتأخر، ولم يقل، لواحد من الفريقين أصبت، وللآخر أخطأت، فهل لنا أن نجعل من هذا الحكم أصلا نؤصل عليه، ونهجا يكف بعضنا عن بعض في الاحتكام إليه. ومرجعا نصير إذا صرنا إلى الفروع إلى مثله، فلا ينكر منا متعجل على متأخر، ولا متأخر على متعجل!! هل نصير إلى فقه أن شر الشر في فقه المسلمين، هو في نزاعهم، وليس في أن نخرج صدقة الفطر عينا أو بدلا!! وأنا أريد هنا أن نقرّ أصلا، لا أن أنازع في فرع، وأريد أن أعتبر من واقعة بين قريظة وفقهها بعض هذا الأصل، وكأن هذه الواقعة في تاريخ التشريع، والتأسيس، أهم إلينا من كل ما كان في لحظة الزمان الضيقة، لنخرج إلى أفق التشريع المفتوح.
عندما زعم النظّام المعتزلي، أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، وعندما زعم المعتزلة أن مرتكب الكبيرة لا يوصف بمؤمن ولا بكافر وإنما هو في منزلة بين المنزلتين، وأنه مخلد في النار!! رد عليه وعليهم الشاعر المتهتك العربيد أبو نواس، ردا بالغ الإحكام، واسمعوا
فقل لمن يدعي في الدين فلســــــــفة.. حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
لا تحظر العفو إن كنت امرأ حرجا.. فإن حظركـــــه في الـــــديـــــن إزراء..
وأكثر ما يعجبني في هذه الأبيات وصف أبي نواس للنظّام بقوله: امرأ حرجا..
نعم هناك في طبائع البشر أقوام حرجون. قصر نظر مع ضيق نفس، مع انعدام قدرة عن رؤية الفسحة!! ولا أريد أن أبالغ في وصفهم فأصير إلى مثل حالهم. ومنهجنا فيهم الصمت عنهم شريطة أن لا يكبلونا، ويكبلوا فقه هذه الأمة، ويضيقوا آفاق نظرها، وبواعث همتها..
نعم أيها الأحباب في أحكام شريعتنا من السعة ما فيها، ومن طبقات الفهوم ما فيها، وقد تعددت موارد الفقهاء، حتى أقر الإمام مالكا رحمه الله تعالى وهو من هو أنه لم يجمع سنام العلم ولم يملك خطامه، لا على مستوى الإحاطة، ولا على مستوى الفهم. وهاهم الصحابة الكرام وهم في حضرة نبيهم صلى الله عليه وسلم، يختلفون في فهم النص، وليس في ثبوته، فيكون أبلغ ما علمهم، صلى الله عليه وسلم، أن التعدد في الفهم مرضي مقبول، فاعتبروا يا أولي العقول!!
سألني أحدهم مهتاجا غير مشفق على قلبه وعقله: كيف يخرج أبو حنيفة قوله تعالى أو لامستم النساء من قوله (.. أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) على المجاز؟؟
قلت له اتئد: أأنت تخرج قوله: (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ …) على الحقيقة أو على المجاز!!
أعني: هل تفهم أننا كلما خرجنا من وهدة انتقض منا الوضوء؟؟
اللهم ارزقنا عقلا يقينا… ويقينا يهون علينا بعض ما نقرأ ونسمع
وسوم: العدد 1123