وحي الصدور 33
معمر حبار
181: تربية فرعون
حين وقف سيدّنا موسى، عليه السلام، أمام فرعون، يدعوه لرب العالمين، أجابه فرعون : "قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ"، الشعراء - الآية 18.
إن فرعون، لم يقل لسيّدنا موسى عليه السلام .. ألم نطعمك؟. ألم نسقيك؟. ألم نختر لك أفضل المرضعات؟. ألم نغدق عليك بالنعم، ماظهر منها ومابطن؟. ألم نتركك حيا ترزق، وكان من المفروض، أن نقتلك كما قتلنا كل الأطفال الذكور؟. ألم تعش في قصري، معزّزا مكرّما؟. ألم أجعلك من المقربين؟، وهي منزلة تمناها السحرة فيما بعد، وقد جاءتك حبوا، دون سعي منك؟. ألم أتخذك أنا وزوجي ولدا لنا، رغم أنك لست من صلبنا؟. "وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"، القصص - الآية 9.
إن فرعون، أبى أن يستحضر زينة الحياة الدنيا، رافضا أن يُذَكِّر سيّدنا موسى، عليه السلام، بالماديات التي ترعرع فيها، ونشأ في ثناياها .. فَذَكَّرَه بالتربية التي تلقاها في قصر فرعون. وواضح أن الشطر المعني بالتربية لدى فرعون، هو الشطر الأفضل والأحسن.
ومن علامات حسن التربية، التي افتخر بها فرعون أمام الملأ، أن سيّدنا موسى عليه السلام، لم ينكرها، ولم ينفها، بل سكت وصمت، مايدل أن تربية فرعون، كانت حسنة في شطرها الأحسن .. فقد عامله معاملة الابن الحقيقي، الذي لم يبخل عليه بالتربية، والذي يحتاج إلى تربية فريدة نادرة، تليق بابن فرعون، وخليفة من صرّح وقال: "وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ"،الزخرف - الآية 51.
حسن التربية من الأبوة والأهل
وفي المقابل، وبعدما رأى سيّدنا نوح، عليه السلام، ابنه يغرق، ويحيط به الموج من كل جانب، دعا ربه قائلا: "وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ"، هود - الآية 45. فسيّدنا نوح، عليه السلام، تقرّب إلى ربه، بالرحم والأبوة والبنوة، ولم يتقرّب إليه بتربيته لابنه، لأنه إبن عاق، لايعرف قدر التربية ولامعناها .. فحرم الأب الإستجابة ، بسبب سوء تربية الابن ، "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ"،هود - الآية 46. وأصبح وضعه حرجا، فلم يتقرّب بالتربية، لأن ثمارها الحسنة لم تظهر في الابن العاق، ولم يُستجب له بسبب الرحم والولد والأهل .. لأن سيّء التربية، لا ينال فضل الرحم، ولن يصل لمكانة الولد، ولايمكن أن يكون من الأهل.
وفي قصة سيّدنا لوط، عليه السلام مع زوجه، فقد رفع عنه رب العالمين الحرج، لسوء تربية زوجه، وكان في كلّ مرة، يذكّره أن امرأة لوط لن تكون من الناجين من غضب الله تعالى، "قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚأَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ"، هود - الآية 81. ولسوء تربيتها، حشرت مع قومها الذين قال فيهم نبيهم: "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ"، الأعراف - الآية 80. ولم تنل فضل الأهل والقربى الذين خصّهم رب العالمين بالنجاة: "إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ"،الحجر - الآية 59 .
لسوء تربية امرأة سيّدنا لوط، عليه السلام، وآثارها السيّئة على المجتمع، لم يطلب سيّدنا لوط، عليه السلام، ماطلبه سيّدنا نوح، عليه السلام، بشأن ابنه، مايدل أن سوء تربية امرأة سيّدنا، لوط عليه السلام، فاق التصور والخيال، فوجب قطع الطريق من كل جانب.
إن سيّء التربية، لاحظّ له في دعاء الصالحين، ولو كان ابن نبي، أو امرأة نبي، ثم إن التربية الحسنة، زرع يزرعه المرء، فينبت بإذن ربك، نباتا حسنا .. وإلا فهل يوجد منا، من هو أحسن تربية لابنه، من سيّدنا نوح، عليه السلام لابنه .