التقرب إلى الله تبارك وتعالى
( التقرب إلى الله تبارك وتعالى )..
لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ...
عبد الله عبدالعزيز السبيعي
قال شيخ الإسلام: أحمد بن تيمية قدس الله روحه
فصل: [تقرب العبد إلى الله] - في مثل قوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} وقوله: {اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}الاسراء: 57] وقوله: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الواقعة:88]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه: (من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا) الحديث. وقوله: (ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) الحديث. وكذلك [القربان] كقوله: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا} [المائدة: 27]. وقوله: {حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} [آل عمران: 183]. ونحو ذلك - لا ريب أنه بعلوم وأعمال يفعلها العبد وفي ذلك حركة منه وانتقال من حال إلى حال. ثم لا يخلو مع ذلك: إما أن روحه وذاته تتحرك أو لا تتحرك: وإذا تحركت: فإما أن تكون حركتها إلى ذات الله أو إلى شيء آخر وإذا كانت إلى ذات الله بقي النظر في قرب الله إليه ودنوه وإتيانه ومجيئه؛ إما جزاء على قرب العبد وإما ابتداء كنزوله إلى سماء الدنيا. فالأول: قول ـ المتفلسفة ـ الذين يقولون: إن الروح لا داخل البدن ولا خارجه وإنها لا توصف بالحركة ولا بالسكون وقد تبعهم على ذلك قوم ممن ينتسب إلى الملة. فهؤلاء عندهم قرب العبد ودنوه إزالة النقائص والعيوب عن نفسه وتكميلها بالصفات الحسنة الكريمة حتى تبقى مقاربة للرب مشابهة له من جهة المعنى ويقولون: الفلسفة التشبه بالإله على قدر الطاقة؛ فأما حركة الروح فممتنعة عندهم. وكذلك يقولون: في قرب الملائكة. والذي أثبتوه من تزكية النفس عن العيوب وتكميلها بالمحاسن حق في نفسه؛ لكن نفيهم ما زاد على ذلك خطأ؛ لكنهم يعترفون بحركة جسمه إلى المواضع التي تظهر فيها آثار الرب كالمساجد والسموات والعارفين. وعند هؤلاء معراج النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو انكشاف حقائق الكون له كما فسره بذلك ابن سينا ومن اتبعه كعين القضاة وابن الخطيب في [المطالب العالية]، الثاني: قول المتكلمة الذين يقولون: إن الله ليس فوق العرش. وإن نسبة العرش والكرسي إليه سواء وإنه لا داخل العالم ولا خارجه؛ لكن يثبتون حركة العبد والملائكة فيقولون: قرب العبد إلى الله حركة ذاته إلى الأماكن المشرفة عند الله وهي السموات وحملة العرش والجنة وبذلك يفسرون معراج النبي صلى الله عليه وسلم ويتفق هؤلاء والذين قبلهم في حركة بدن العبد إلى الأماكن المشرفة كثبوت ـ العبادات ـ وإنما النزاع في حركة نفسه. ويسلم الأولون ـ حركة النفس ـ بمعنى تحولها من حال إلى حال؛ لا بمعنى الانتقال من موضع إلى موضع واتفاقهم على حركة الجسم وحركة الروح أيضا عند الآخرين إلى كل مكان تظهر فيه معرفة الله كالسموات والمساجد وأولياء الله ومواضع أسماء الله وآياته فهو حركة إلى، الثالث: قول: ـ أهل السنة والجماعة ـ الذين يثبتون أن الله على العرش وأن حملة العرش أقرب إليه ممن دونهم وأن ملائكة السماء العليا أقرب إلى الله من ملائكة السماء الثانية وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء صار يزداد قربا إلى ربه بعروجه وصعوده وكان عروجه إلى الله لا إلى مجرد خلق من خلقه وأن روح المصلي تقرب إلى الله في السجود وإن كان بدنه متواضعا.