الفاروق وعدله
الفاروق وعدله
محمد فاروق الإمام
قديماً قال الفاروق عمر رضي الله عنه قولته المأثورة: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله).. فمن مآثر الإسلام علينا وصفحاته المشرقة التي أنارت سماء دنيانا قصة قتيبة عندما دخل سمرقند خدعة دون أن يدعو أهلها إلى الإسلام، وكان من شروط الفتح: (الإسلام، أو الجزية، أو الحرب).
وإليكم القصة كما روتها كتب التاريخ:
تقدم كبير الكهنة في سمرقند بشكوى إلى قاضي جيش المسلمين (جُوميْع)، يدعي فيها أن قتيبة دخل سمرقند دون أن يدعو أهلها إلى الإسلام، فأمر القاضي غلامه بأن يحضر قتيبة إلى المثول في دار القضاء، فنادى الغلام: يا قتيبة - هكذا بلا لقب. فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي (جُميْع). ثم قال القاضي: ما دعواك يا سمرقندي؟ قال: اجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا.
التفت القاضي إلى قتيبة وقال: وما تقول في هذا يا قتيبة؟ قال قتيبة: الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية. قال القاضي: يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ قال قتيبة: لا إنما باغتناهم كما ذكرت لك. قال القاضي: أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل .ثم قال: قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك!!
لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه، فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به.
وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً يتقدمهم كبير الكهنة إلى معسكر المسلمين وهم يرددون الشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله).