سياحة إسلامية
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين
استوقفتني هذه الكلمة ( السياحة)أكثر من غيرها ، فما قبلها – في الآية - وما بعدها يسهل معرفته سريعاً ، لكنّي توقفت أتساءل : كيف يكون المسلم سائحاً؟ تساءلت وأنا أعلم أن هناك معنى إسلامياً للسياحة غير الذي يعرفه عوامّ الناس
" السائحون " قيل : إنهم :
الصائمون ; فعن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما : الصيام. ومنه قوله تعالى : " عابدات سائحات " [ التحريم : 5 ] . وقال سفيان بن عيينة : إنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كلها من المطعم والمشرب والمنكح . والسائحون :لا يذوقون في النهار قطرة لربهم امتثالاً لأمر ربهم ورغبة في نيل رضاه.. فعن عائشة أنها قالت : سياحة هذه الأمة الصيام ; أسنده الطبري . ورواه أبو هريرة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( سياحة أمتي الصيام ) . قال الزجاج : ومذهب الحسن أنهم
الذين يصومون الفرض . وقد روي عن عطاء : إنهم الذين يديمون الصيام .
وقال شاعر يمدح المسلم السائح :
برا يصلي ليله ونهاره يظل كثير الذكر لله سائحا ،
وقال : السائحون المجاهدون . وروى أبو أمامة أن رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال : ( إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله ) . صححه أبو محمد عبد الحق .
وقيل : السائحون : المهاجرون قاله عبد الرحمن بن زيد .
وقيل : هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم ; قاله عكرمة .
وقيل : هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر والعلامات الدالة على توحيده وتعظيمه حكاه النقاش .
وحُكِي أن بعض العباد أخذ القدح ليتوضأ لصلاة الليل فأدخل أصبعه في أذن القدح وقعد يتفكر حتى طلع الفجر فقيل له في ذلك فقال : أدخلت أصبعي في أذن القدح فتذكرت قول الله تعالى : " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل " [ غافر : 71 ] وذكرت كيف أتلقى الغل وبقيت ليلي في ذلك أجمع .
قال القرطبي رحمه الله : لفظ " سيَحَ ، " بالياء يدل على صحة هذه الأقوال فإن السياحة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء ; فالصائم مستمر على الطاعة في ترك ما يتركه من الطعام وغيره فهو بمنزلة السائح . والمتفكرون تجول قلوبهم فيما ذكروا . وفي الحديث : ( إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغونني صلاة أمتي ) . والسياحة هنا لعمل مطلوب منهم ، ليس كمفهوم السياحة لدى العامّة.
والسياحة في القرآن كذلك حياة الأمن والأمان لقوله تعالى يخاطب المشركين " فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله..." والمعنى سيروا أيها المشركون آمنين مدة أربعة أشهرلا تلقون من المسلمين فيها مكروهاً . وهو أمر إباحة يتضمن تهديداً بالقتال ما لم يسلموا أمرهم إلى الله .
والانسياح : الاتساع. نقول ساح باله: اتسع. قال الشاعر
أُمَنّي ضمير النفس إياك بعدما يراجعني بثّي فينساحُ بالُها
وعلى هذا فالسياحة المرغوبة ( المطلوبة) عبادةُ الله صياماً وجهاداً وهجرة وتعلّماً وتفكراً وتدبّراً ... وقليلٌ من يفعل ذلك.