كان الإيمان قوياً في قلوبهم
نقلها: د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
رسالة الفاروق إلى نهر النيل
لمَّا فُتحت مصر أتى أهلُها عمرو بن العاص رضي الله عنه وكان أميراً بها حين دخل ، فقالوا: أيها الأمير، إنَّ لنيلنا هذا سُنَّةً لا يجري إلا بها، قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر( وسمّوا الشهرَ: بؤنة) ، عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون في الإِسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤنة والنيل لا يجري حتى همّوا بالجلاء،
فكتب عمرو رضي الله عنه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر إنك قد أصبت بالذي فعلتَ، وقد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النيل ، فألقى البطاقة في النيل ، وكان فيها (إن كنت تجري بنفسك فلا تجرِ ، وإن كنت تجري بأمر الله فأسأل الله أن يجريك) فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة، قد قطع الله تلك السُّنَّة الجاهلة عن أهل مصر إلى اليوم. أخرجه أيضاً ابن عساكر وأبو الشيخ وغيرهما.
تقحّم العلاء بن الحضرمي البحر بالمسلمين
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن سَهْم بن مِنْجاب قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه فسرنا حتى أتينا دارين ( في بلاد العجم)والبحر بيننا وبينهم، فقال: يا عليّ، يا حليم، يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك نقاتل عدوك، اللهمّ فاجعل لنا إليهم سبيلاً، فتقحَّم العلاءُ بنا البحر فخضنا ، ما يبلغ لبودنا الماء، فخرجنا إليهم، فلما رآنا ابن مُكَعْبر (عامل كسرى) قال: لا والله لا نقاتل هؤلاء , ثم قعد في سفينة فلحق بفارس.
وقد عبر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه دجلة يوم القادسية وفيها قول حُجر بن عدي رضي الله عنه: ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو إلاَّ هذه النطقة يعني دجلة {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن ا كتابا مؤجلا} ثم أقحم فرسه فلما أقحمَ تبعه الناسُ، فلما رآهم العدوُّ قالوا: ديوانه ديوانه ( شياطين شياطين) فهربوا، فدخلنا عسكرهم فوجدنا من الصفراء والبيضاء ، وأصبنا أمثال الجبال من الكافور ، وأصبنا بقراً فذبحناها ، فجعلناها في القدور ، وأخذنا من ذلك الكافور ونحن
نحسب أنه ملح وطرحناه في اللحم ، فلما أكلنا وجدناه مرا ، فقلنا : ما أمرّ ملحَ الأعاجم ؟ ! .
طرد تميم الداري لنارٍ خرجت في الحرّة
وأخرج أبو نعيم في الدلائل (ص212) عن معاوية بن حَرْمَل فذكر الحديث وفيه: خرجت نار بالحرة، فجاء عمر رضي الله عنه إلى تميم رضي الله عنه فقال: قُمْ إلى هذه النار، فقال: يا أمير المؤمنين من أنا؟ وما أنا؟ - يصغّر نفسه - فلم يزل به حتى قام معه، قال: وتبعتُهما فانطلقا إلى النار قال: فجعل يحوشها بيده هكذا ، حتى دخلت الشَّعب ودخل تميم خلفها، ثم خرج ، ولم تضره شيئا ، وجعل عمريقول: ليس من رأى كمن لم يره. وأخرجه البيهقي والبغوي . من
أطاع الله أطاعه كل شيء.
شرب خالد السم
لمّا نزل خالد بن الوليد الحيرة على أمر بني المرازبة فقالوا له احذر السم لا يسقيكه الأعاجم فقال ائتوني به . فأتي به فأخذه بيده ثم اقتحمه وقال بسم الله . ولم يؤثّر السم في خالد رضي الله عنه السمَّ ، ثم قال: لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها، وقال المرزبان: والله يا معشر العرب لتملكِنَّ ما أردتم ما دام فيكم من لا يهاب الموت.
النصر ليس بالكثرة
قال ثابت بن أقرم رضي الله عنه: يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعاً كثيرة؟ قلت: نعم، قال: إنك لم تشهد بدراً معنا، إنَّا لم ننصر بالكثرة.
وردّ خالد حين قال له رجل: ما أكثر الروم وأقل المسلمين؟ فقال: ما أقل الروم وأكثر المسلمين؟ إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر براء، وأنهم أُضعفوا في العدد.
وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص أما بعد: فقد جاءني كتابك تذكر ما جمعت الروم من الجموع، وإن الله لم ينصرنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم بكثرة عدد ولا بكثرة جنود، وقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إلاَّ فرَسان وإن نحن إلا نعاقب الإبل، وكنّا يوم أُحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إلاَّ فرس واحد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه، ولقد كان يُظهرنا ويعيننا على ما خالفنا.
وأبى أبو بكر رضي الله عنه إلا تنفيذ جيش أُسامة رضي الله عنه حين انتقضت عليه العرب من كل جانب، وارتدت العرب قاطبة، ونجَم النفاق، وإشرأبت اليهودية والنصرانية ، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد بنبيهم صلى الله عليه وسلم ، وقلتهم وكثرة عدوهم، فأشاروا عليه بحبس جيش أُسامة، فقال أبو بكر - وكان أحزمهم أمراً -: أنا أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم! والذي نفسي بيده لأن تميل عليَّ العرب أحب إليَّ من أن أحبس جيشاً
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم . إمض يا أُسامة في جيشك للوجه الذي أُمرت به ثم أغزُ حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين وعلى أهل مؤتة؛ فإن الله سيكفي ما تركت ، ونصر الله أبا بكر في المدينة على أهل الردة والنفاث ونصر أسامة في بلاد الشام فعاد يحمل طاعة الناس لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في غزوة مؤتة حين اجتمع العدو مئة ألف قال : يا قومُ والله إنَّ التي تكرهون لَلَّتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلاَّ بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا؛ فإنما هي إحدى الحسنَيين: إما ظهور، وإما شهادة., فقال الناس: قد واللَّهِ صدق ابن رواحة.