نظرات في حديث: سيد الشهداء حمزة
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، و رجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله
لماذا سمي الشهيد شهيداً ؟
هناك اقوال عديدة منها:
1- أنه حي كما قال تعالى " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون
"
2-أن الله تعالى شهد له بالجنة وملائكته كذلك. .
3- لقيامه بشهادة الحق
4- لأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة .
5- الشهيد يشهد لله بالوجود والألوهية بالفعل حين شهد غيره
بالقول.
6- لسقوطه بالأرض وهي الشاهدة له .
7- يشهد له دمه الذي سقى الأرض بالشهادة.
8-شهد المؤمنون له بالإيمان وحسن الخاتمة .
لم كان حمزة سيد الشهداء؟
إنه لم يأل جهداً في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحين أسلم قاد مع عمر المسلمين إلى الكعبة تحدياً للمشركين ، فقد أعز الله الإسلام بهما.
كان يدعى أسد رسول الله ، فهو بطل في الحروب .
شج فرعون هذه الأمة منتصراً للنبي صلى الله عليه وسلم حين قال لأبي جهل : كيف تشتمه وأنا على دينه؟
هو السعيد كونه عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قريباً من عمره وصديقاً له، وكان رسول الله يحبه أشد الحب ، وقد صلى عليه مع كل شهيد من شهداء أحد.
ورجل قام.....
ذكر (الرجلُ) في الحديث وفي القرآن في الأغلب الأعم للمديح
وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى. وهذا في معرض المديح
فاستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من النساء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى. وهذا في معرض التوثيق
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وهذا في معرض التكريم والمدح.
سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال ، إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة أخفاها ، حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
وقد يُجمع بين الذم والمديح في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة ، اقبل علينا بوجهه ، فقال : من رأى منكم الليلة رؤيا . قال : فإن رأى أحد قصها ، فيقول : ما شاء الله . فسألَنا يوما فقال : هل رأى أحد منكم رؤيا . قلنا : لا ، قال : لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي ، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة ، فإذا رجل جالس ، ورجل قائم ، بيده كلوب من حديد يدخل ذلك الكلوب في شدقه حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ، ويلتئم شدقه هذا ، فيعود فيصنع مثله . قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق ،
فانطلقنا ، حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ، ورجل قائم على رأسه بفهر ، أو صخرة ، فيشدخ بها رأسه ، فإذا ضربه تدهده الحجر ، فانطلق إليه ليأخذه ، فلا يرجع إلى هذا ، حتى يلتئم رأسه ، وعاد رأسه كما هو ، فعاد إليه فضربه ، قلت : من هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور ، أعلاه ضيق وأسفله واسع ، يتوقد تحته نارا ، فإذا اقترب ارتفعوا ، حتى كادوا أن يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة ، فقلت : من هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا ، حتى أتينا على نهر من دم فيه
رجل قائم ، وعلى وسط النهر ، وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل الذي في النهر ، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه ، فرده حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر ، فيرجع كما كان ، فقلت : من هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا ، حتى انتهيا إلى روضة خضراء ، فيها شجرة عظيمة ، وفي أصلها شيخ وصبيان ، وإذا رجل قريب من الشجرة ، بين يديه نار يوقدها ، فصعدا بي في الشجرة ، وأدخلاني دارا ، لم أر قط أحسن منها ، فيها رجال شيوخ ، وشباب ونساء وصبيان ، ثم أخرجاني منها فصعدا
بي الشجرة ، فأدخلاني دارا ، هي أحسن وأفضل ، فيها شيوخ وشباب ، قلت : طوفتماني الليلة ، فأخبراني عما رأيت . قالا : نعم ، أما الذي رايته يشق شدقه فكذاب ، يحدث بالكذبة ، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق ، فيصنع به إلى يوم القيامة ، والذي رأيته يشدخ رأسه ، فرجل علمه الله القرآن ، فنام عنه بالليل ، ولم يعمل فيه بالنهار ، يفعل به إلى يوم القيامة ، والذي رأيته في الثقب فهم الزناة ، والذي رأيته في النهر آكلوا الربا ، والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام ، والصبيان حوله فأولاد الناس ،
والذي يوقد النار مالك خازن النار ، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين ، وأما هذه الدار فدار الشهداء ، وأنا جبريل ، وهذا مكيائيل ، فارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، فإذا فوقي مثل السحاب ، قالا : ذاك منزلك ، قلت : دعاني أدخل منزلي ، قالا : إنه بقي لك عمر لم تستكمله ، فلو استكملت أتيت منزلك .
وما عدا الرجلين اللذين صاحبا رسول الله في الرحلة ( وهما جبريل وميكال عليهما السلام) كان للذم والتنبيه والتحذير
وقال الحسن البصري : الرجال ثلاثة ، فرجل رجل ، ورجل نصف رجل ، ورجل لا رجل. (أما الرجل الرجل) فذو عقل وفهم يستشير غيره فيجمع إلى عقله عقول الآخرين وأما (الرجل نصف الرجل) فذو عقل وفهم لا يستشير أحداً مما يجعله أقل من الأول سداداً وحسن فهم.
وأما (الرجل لا رجل) فذو التفكير البسيط لا يستشير أحداً ، فيجمع إلى جهله صفة الحماقة وتضييع الأمور.
ورجل قام : والقيام ثبات في الموقف والمبدأ ، وإيمان به ،وإصرار عليه . والقيام بالأمر على أتم وجه . ولو أدى ذلك إلى قتله أو سجنه وتعذيبه لأنه يرى النصح للحاكم فريضة ، ففيه صلاح الأمة ..... والدليل على ذلك أن الله تعالى لا يأمرنا بالصلاة بذكرها وحدها إنما مسبوقة بالإقامة :
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم.
وأقام الصلاة وآتى الزكاة.
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة .
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور.
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة.
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة .
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل .
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر.
وبهذا نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي دخل المسجد فصلى ركعتين وجاء يسلم على النبي : قم صلّ فإنك لم تصل .... فماذا نقول لمن يصلي نقر الديك ( سرعة 120 كلم في الساعة ) وصلاة التساريع ... كان اسمها صلاة التراويح ..
ورجل قام إلى إمام جائر:
قد يكون الإمام عادلاً وصالحاً وقد يكون جائراً ظالماً . والتاريخ مليء بأمثال النوعين.
بعض الأئمة والقادة يعتبرون شعوبهم عبيداً في مزارعهم لا حق لهم بالنصح ، وهل ينصح العبد سيده؟!
كثير من هؤلاء السادة يرون أنفسهم فوق النقد وفوق النصح فهم خلقوا كاملين كمالاً مطلقاً لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم.!!! ( سوبر حاكم) !!
هؤلاء المتجبرون نهاياتهم وخيمة ، ولكنهم لا يرعوون ( ونذرهم في طغيانهم يعمهون).( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) والعَمَهُ عمى القلب ، يرون سقوط أشباههم بعيونهم لا بعقولهم وقلوبهم ، ولو رأوها لأصلحوا وتداركوا أمرهم ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ) .
والجور الميل عن طريق الحق إلى سبل الضلال والعماية.
والجور عكس العدل ، وشتان ما بين النور والظلم.
فأمره ونهاه، فقتله.
والمقصود بالأمر النصح اللين ( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) .. قصة المأمون والشيخ الذي نصحه فانقلب الناصح منصوحاً .
إن الله تعالى لما أراد هدى زيد بن سعنة قال زيد بن سعنة ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، قال زيد بن سعنة فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه فلما صلى على الجنازة ودنا من جدار ليجلس أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ فقلت له ألا تقضيني يا محمد حقي فوالله ما علمتكم بني عبدِ المطلب لمطلٌ ولقد كان لي بمخالطتكم علم . ونظرت إلى عمر وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ثم رماني ببصره فقال يا عدو الله أتقول لرسول الله ما أسمع وتصنع به ما أرى فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك . ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى
عمر في سكون وتؤدة وتبسم ثم قال يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة
اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته.
يظن الظالم أن القتل يخيف المظلومين فيركنوا إلى الذل ، ولكن الشعب المقهور قد يسكت إلى حين ثم ينقض على الظالم ويسترد حقه
يقول أبو القاسم الشابي مصوراً بذكاء وشفافية نهاية الظالم المستبد:
ألا أيها الظالم المستبد حبيب الظلام عدو الحياة
سخرت بأنات شعب ضعيف و كفك مخضوبة من دماه
و سرت تشوه سحر الوجود وتبذر شوك الأسى في رباه
رويدك لا يخدعنك الربيع وصحو الفضاء وضوءالصباح
ففي الافق الرحب هول الظلام و قصف الرعود وعصف الرياح
حذار فتحت الرماد اللهيب و من يبذر الشوك يجن الجراح
تأمل أنى هناك حصدت رؤوس الورى وزهور الأمل
و رويت بالدم قلب التراب وأشربته الدمع حتى ثمل
سيجرفك السيل سيل الدماء و يأكلك العاصف المشتعل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول : إنك ظالم ؛ فقد تودع منهم"
وهذا الحديث ترجمه شعراً الأديب الكبير سيد قطب رحمه الله في قصيدة قال منها :
أخي فاستمع لحديث الرسول وأنصت لتسمع ماذا يقول
إذا خشيت أمتي أن تقول فقد هلكت وعلاها الأفول
ويقول :
أخي إن نمت نلق أحبابنا فروضات ربي أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا فطوبى لنا في ديار الخلود
وقد قال الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه وهو يموت لامرأته التي بكت : (غداً نلق الأحبه ، محمداً وصحبه) ولعلنا بفضل الله تعالى نلقى سيدنا رسول الله وصحبه حين يعفو الله تعالى عنا ويغفر لنا خطايانا ، لإنه غفور رحيم .
فالدنيا فانية وهي لنا دار ابتلاء وهي قصيرة متعبه نسأل الله أن ينجينا منها على خير والأخرة دار البقاء ، وشتان ما بين دار راحلة ودار باقية . والغبي من يبيع آخرته بدنياه ( لو وُعد ابن آدم أن يعيش مليون سنة فسوف يظل منغوصاً عليه لأنه يترقب النهاية ) أما الدار الآخرة فلانهاية لها وهي إلى أبد الآبدين. وهذه أكبر النعم في الجنة بعد نعمة رؤية وجه الله تعالى .
فالقتل بيد ظالم تنصحه شهادةٌ في سبيل الله من أعظم الشهادات ، ونعمتْ نهاية شهدائنا الأبرار الذين قالوا وما يزالون يقولون للظالم ارحل ( نريد إسقاط النظام) فسبقونا إلى الغاية التي نريدها ونرجو أن نكون من أهلها.
إسلام الأسود الراعي واستشهاده
أتى الأسود الراعي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيرا لرجل من يهود ، فقال : يا رسول الله ، اعرض علي الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقرُ أحدا أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها ، فإنها سترجع إلى ربها
- أو كما قال - فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبدا ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن .
ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ؛ فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه . فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ؟ قال : إن معه الآن زوجتيه من الحور العين . والشهيد إذا ما أصيب تدلت ( له ) زوجتاه
من الحور العين عليه ، تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان : ترّب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك . لقد وصل إلى الهدف المنشود بسرعة متناهية ، وهذا كرم الله تعالى لعباده جعلنا الله منهم .
اللهم ارحم شهداءنا وأدخلهم جنات النعيم ، وألحقنا بهم مغفوراً لنا جميعاً يا رب العالمين.