الرسول كما وصفه القرآن

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

لقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بصفات طيبة متعددة في القرآن الكريم كقول الله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح : من الآية 29 ) .

 وقال تعالى : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) ) (الأحزاب ) .

 قال تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ) . ( التوبة ) .

 وقال تعالى ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ) ( النجم ) .

**********

 وقد ذكرت كلمة رءوف في القرآن 11 مرة منها :

 1- منفردة ( وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (البقرة : من الآية 207 ) .

 2- مقترنة برحيم (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)) ( التوبة ) .

 قال ابن عباس : سمى الله نبينا صلى الله عليه وسلم من أسمائه ب ( رءوف رحيم ) وجاء في الكشاف 2/223 من أنفسكم :

 من جنسكم ، ومن نسبكم العربي القرشي . ثم ذكر ما يتبع المجانسة والمناسبة من النتائج بقوله :

( عزيز عليه ما عنتم ) :

 أي شديد عليه شاق عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب .

( حريص عليكم )

 حتى لا يخرج أحد منكم عن اتباع دين الحق . ( بالمؤمنين منكم ومن غيركم ) ( رءوف رحيم ) . وقرئ ( من أَنْفَسِكُم ) بفتح الفاء ، أي من أشرفكم وأفضلكم .

 وقيل لم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ( رءوف رحيم ) .

 وفي القرطبي 1/540 .

الرأفة أشد من الرحمة ، وإن كان المعنى متقاربًا . وفي تفسير المنار 2/12 يقول الأستاذ الإمام : وعندي أن الرأفة أثر من آثار الرحمة ، والرحمة أعم ، فإن الرأفة لا تستعمل إلا في حق من وقع في بلاء ( وكذا الضعيف كالطفل واليتيم ) .

 والرحمة تشمل دفع الألم والضر وتشمل الإحسان .

 فذكر الرحمة هنا فيه معنى التعليل والسببية وهو من قبيل الدليل بعد الدعوى .... وإذا كان أثر الرأفة دفع البلاء ، فيجوز أن يكون ذكر الرحمة بعدها .

 ومن تفسير المنار ج 11 .

 عزيز عليه ما عنتم :

 العنت : المشقة ولقاء المكروه الشديد . وقيَّدَهُ الراغب بما يخاف منه الهلاك . وعَدَّ على فلان الأمر - ثقل واشتد عليه . 11/ 88 .

 وقد روى مسلم والترمزي من حديث وائلة مرفوعًا : (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشًا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ) .

**********

 وفي نهاية مقالنا هذا نحب ان نشير إلى أن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت من الناحية الواقعية جامعة شاملة :

 فكان رحيمًا بالأطفال : فقد جاء في الأثر أن الأقرع بن حابس استدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليوليه مال تميم ، ( وهو منصب يشبه وزير المالية في عصرنا ) . فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل حفيده الحسن – أو الحسين – ، فأخذه العجب وقال - في صورة استهجان – ما هذا يا رسول الله ، ما هذا يا رسول الله !!!! ، والله إن لي من الأبناء عشرة إذا رأوني تركوا المنزل وفروا هاربين من هيبتي . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يا أقرع لا تلي لنا أمرًا . من لا يرحم لا يرحم .

 وكان رحيمًا بالحيوان الأعجم ، وهو القائل : " عذبت امرأة في هرة حبستها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " .

 ويروى أنه وهو يزحف بجيشه الكبير لفتح مكة اعترض طريق الجيش كلبة ترضع أجراءها ، فقال لا تفزعوها ، واتركوها كما هي ، وأمر بعض الصحابة أن يحلقوا عليها حتى لا يدوسها الجيش الكبير .

**********

 ومع أن الله سبحانه وتعالى قد وصفه بصفتين من صفاته ، ولم يصف بهما أحدًا من البشر أو الأنبياء غيره ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – متواضعًا أشد التواضع ، وقد جاء في الأثر أن رجلاً ارتعش في حضرته ، فقال له " هون عليك فلست بجبار ولا ملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في أرجاء مكة " .

 حقًا إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم – هو الإنسان الكامل ، ومن حقه علينا : أن نحبه ونعتز به ونتبع سنته ، فهو لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .