جرد حساب مع قلبي لاستقال رمضان
جمال زواري أحمد ـ الجزائر
وأنا أراجع استعداداتي لاستقبال الشهر الفضيل ، وأتفقد المحلّ (القلب)لأرى مدى تهيّئه لتدفق الرحمات الإلهية التي يفيض بها الجواد الكريم على عباده ، ومدى صلاحيته للظفر بنصيب وافر من التكريمات الربانية في لياليه وأيامه ، ومدى جاهزيته للحصول على حظ وافي من النفحات الروحانية في صيامه وقيامه ، ومدى جدّيته للوصول إلى مرتبة متقدمة في قائمة التشريفات النورانية عند انقضائه وختامه.
فعلت ذلك وأنا أتساءل :
ــ هل أطمئن للرهان عليه في نيل بركاته ، والعبّ من خيراته ، والإقبال على طاعاته ، والتزوّد من قرباته ؟؟؟
أم أقلق وأخشى منه أن يخذلني عند جدّ الجدّ ؟ ، ويصدمني عند بداية الكد ؟، ويفضحني عند نهاية العد ؟، فيكون مصيري الصد والرد؟؟؟
ــ وهل قلبي يؤهلني لأكون من المقبولين ، فأنال في نهاية الشهر التهاني ؟، أم يؤخرني فأكون من المحرومين ، فأستقبل عندها التعازي؟؟؟
كما روي عن الإمام علي رضي الله عنه : أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ؟ ، ومن هذا المحروم فنعزيه ؟.
ــ هل أسبق في مضمار شهر الصيام ، فأكون من الفائزين المحسنين ؟ ، أم أتخلّف فأكون من الخائبين المبطلين ؟؟؟
كما قال الحسن البصري رحمه الله :(جعل الله شهر رمضان مضمارا لخلقه ، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلّف قوم فخابوا ، فالعجب من اللاعب الضاحك ، في اليوم يفوز فيه المحسنون ، ويخسر فيه المبطلون).
فلله بين جنبيّ بيتا (وهو قلبي)، لو طهّر لأشرق بنور ربّه وانشرح وإنفسح ، ولو لوّث لأظلم بزور الشيطان وضاق وانكمش.
حملت كل هذه التخوفات والهواجس والتساؤلات ، وقمت بعملية جرد حساب مع قلبي ، بمصارحة لا مجاملة فيها ، ومطارحة لا التماس أعذار إليها ، فوضعت قلبي على كرسي الاعتراف والامتحان والاختبار ، في عشرين قضية مهمة ، لآخذ منه الإقرار ، ومن ثم أستدرك معه كل أسباب الانحدار ، وأسدّ كل ثغرات الانكسار ، فيأتي عليّ رمضان وأنا في أتمّ لياقتي الروحية والإيمانية ، وأكمل جاهزيتي العبادية ، وقبل ذلك وأثناءه وبعدة في منتهى سلامتي وصحتي القلبية ، فجرت محاكمتي لقلبي كما يلي :
1) ــ أيها القلب : كيف حالك مع ربّ الجلالة ؟؟؟
أغفلة دائمة عنه ؟ ، أم أمن وجهالة؟؟؟
أما الأولى فمهلكة بيّنة ، والثانية ضعف يقين بالرسالة .
فطلّق غفلتك ، وأقبل عليه بصدق ، وقوّي يقينك وتحرّر من وحل الكلالة ، لتنجو بحق من هذه الحالة.
فما طابت الدنيا إلا بذكره ، ولا الآخرة إلا بعفوه ، ولا الجنة إلا برؤيته.
2) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الإسلام ؟؟؟
أعقوق وسوء تمثيل له ؟ ، أم وهن في العقد الذي بينه وبينك؟؟؟
أما الأولى فعزة به ، وإلتزام طريقه المستقيم ، أو يصحبك مادمت مقصّر في حقه ذل عميم ، أما الثانية فتمتين ميثاقه الغليظ ، واستمساك بعقده العظيم ، أو استعد لشهادته أمام مولاك عليك ، فأنتظر عندها مصيرك الأليم .
3) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الإيمان ؟؟؟
أضعف ونقصان وإندراس معالمه ؟ ، أم نصيب ضحل من مخالطتك بشاشته؟؟؟
أما الأولى فبادر بتجديده ، أو تحمّل هوانك بغياب فضائله ، أما الثانية فقوّي رصيدك منه وصاحبه بشكل دائم ، أو لا تحلم يوم الحشر بإنقاذه لك ولا بشفاعته.
4) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الإحسان ؟؟؟
أله حضور فيك ولو كان قليلا ؟ ، أو تأثير فيك ولو كان ضئيلا ؟؟؟
أم يأس من بلوغ مرتبته فيك أصيلا ؟ ، وفشلت في صعود مدارجه فشلا ذريعا؟؟؟
أما الأولى فاستحضر رقابة الله ، ولا تجعله أهون الناظرين إليك ، فيمقتك مقتا كبيرا ، أما الثانية فكرّر المحاولة ولا تيأس ووفر عدّة الصعود ، فستجد ربّا رحيما ، فأتخذ من الإحسان نصيبا مفروضا ، لأن غيابه منك وعنك ، يجعل حسناتك مهما كثرت يوم القيامة هباء منثورا.
5) ــ أيها القلب : كيف حالك مع التنزيل؟؟؟
أكسل عنه ؟ ، أم هجر له وعجز في التحصيل ؟؟؟
أما الأولى فدواؤها عزمة حر ، أما الثانية فسرعة صلح معه ، ومعرفة فضل ، أو حجز مكان تحت شكوى : (وقال الرسول).
6) ــ أيها القلب : كيف حالك مع سنة الحبيب ؟؟؟
أإعراض عنها ؟ ، أم بعد عنها مريب ؟؟؟
أما الأولى فتعظيم وتطبيق لها ، أو الوقوع في منقلب كئيب ، أما الثانية فتمسك وتخلّق بها ، أو إعراض عن الحوض يوم يعلو من البعض النحيب.
7) ــ أيها القلب : كيف حالك مع العهود ؟؟؟
أتقصير غالب ؟ ، أم نكث وجحود؟؟؟
أما الأولى فسرعة استدراك أو سوء ورود ، أمّا الثانية فوفاء ثابت أو لعن وصدود.
فمتن صلتك بها ، فقد ربح المستمسكون ، وإذا دعتك نفسك لنقضها مع مولاك فأزجرها قائلا:( مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )(يوسف23).
أما أن يعزم اللسان وأنت على المعصية معقود ، وعزمك أن ترجع إلى المعاصي بعد رمضان وتعود ، فصومك مردود ، وباب القبول عنك مسدود.
8) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الإخلاص ؟؟؟
أثقيل هو عليك ؟ ، أو أنت نحوه عديم الإحساس ؟ أم هو بعيد عنك ، فعملك كلّه لوجه الناس ؟؟؟
أما الأولى فتدرّب عليه ، وروّض نفسك وألجمها وسقها راغمة إليه ، فهي لقبوله صعبة المراس ، وإلا فلا مساس ، أما الثانية فراجعه ونقي سريرتك دوما قبل كل قول وفعل وعمل ، وتجرّد ودعه يتمكن منك ، فتطرد به الوسواس الخناس.
وإلا فتهيأ لمصير الثلاثة مجاهد وعالم ومتصدق ، فيومها يقال لك لا خلاص.
9) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الطاعة ؟؟؟
أتفريط فيها كبير ، ولهو بها عظيم ؟ ، أم نسيان فضلها الجليل ، وحرمان من أثرها الجميل ؟؟؟
أما الأولى فاحرص وداوم عليها ، فأنت عند بارئك أجير ، وليكن لك منها حظ وفير ، فالناقد بصير ، فكن على حذر دائم من غضبه وسوء المصير.
أما الثانية فتذكر أجرها العميم ، ووزنها الثقيل ، وأنها من منجياتك يوم الحساب من عذاب السعير.
10) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الصلاة ؟؟؟
أتضييع لها ، وتهاون بها دون حسبان ؟ ، أم تؤديها ولكن بروح كسلان وأداء غفلان ؟؟؟
أما الأولى فعض بالنواجذ عليها ، واستحضر خشوعك فيها ، وتيقن أنها جالبة لرضا الرحمن ، وإلا فسؤال عسير لك عنها من رب عليك غضبان .
أما الثانية فحسن أداء ، وحضور صفاء ، وأنت منكسر خجلان ، وإلا فشدّة حساب ، واستحقاق عذاب ، وعاقبة خسران.
11) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الإنفاق ؟؟؟
أبخل لك لازم ؟ ، وشح عنك صادر ؟ ، وإمساك يد بسببك لا يطاق؟؟؟ ، أم غياب شكر ، وحب دنيا ، وكف كف بتدبيرك ، خشية إملاق؟؟؟
أما الأولى فطلاقة يد ، ولزوم سخاء ، وفكّ وثاق ، وإلا فحرمان قرب ، ونيلان بعد ، من العزيز الخلاّق ، أما الثانية فمضاعفة شكر ، ومداومة ذكر ، ومقارعة مكر ، وتعميق يقين بما عند الكريم الرزاق ، فتضمن ظلا ظليلا يوم يضيق على البعض الخناق ، وتنجو من ذوق الحميم والغساّق ، فتهزك الأشواق ، وتنعم مع من كانوا لدار النعيم عشاق.
12) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الأذكار ؟؟؟
أغافل عنها ؟ أو لا حظ لك منها إلا التكرار؟ أم ترديد باللسان دون أن يكون لها بداخلك أنوار؟؟؟
أما الأولى فاحرص على وردك الثابت منها ، وكن دائم الإكثار ، فذلك كالموت أو الحياة كما ذكر النبي المختار، فتقصيرك فيها يجعلك في انحدار ، ويحرمك مغفرة الغفار، أما الثانية فسجل حضورك معها بخشوع وانكسار ، وإخبات وافتقار ، لتتجنب غضب الجبار ، فيقيك مس حرّ النار..
13) ــ أيها القلب : كيف حالك مع قضاء حوائج الناس ؟؟؟
أحظك منها عاثر ، وليس فيك بها إحساس ؟ ، أم لك فيها نصيب وافر وشعورك بها جدّ حساّس؟
أما الأولى فليكن لك فيها سعي حثيث ، وتحرك كثيف ، مع شعور رهيف ، وحس لطيف ، لتنل حب الكريم وأفضاله ، فأحب عباده إليه أنفعهم لعياله ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله.
أما الثانية فداوم على قضائها ، وزاحم على عطائها ، ليكون لك أجر ما ورد في الحديث ، وتكن لابن عباس رضي الله عنه خير وريث.
14) ــ أيها القلب : كيف حالك مع بقية الجوارح ؟؟؟
أفعلا أنت عليها أمير ، أو لا تملك الأهلية ؟ ، أم أنك لها دائم التوريط في كلّ بليّة ؟ والدفع بها إلى كلّ رزيّة؟؟؟
أما الأولى فأنصلح وكن لها قدوة حسنة ، تكن منها وبها في المنزلة العلية ، وإلا فقد رضيت لنفسك ولصاحبك في الدارين الدنية.
أما الثانية فكن صالح الطوية ، صادق النية ، لتثمر جوارحك أفعالا زكية وأعمالا سنية ، فتضمن بذلك عيشة رضية ، وموتة هنية ، ومكانة حظية ، عند رب البرية ، والنجاة من نار موقدة صلية.
15) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الدموع ؟؟؟
أقسوة لها مانعة ؟ وغفلة منها حارمة ؟ ، أم عيون عن هطولها جامدة ؟ ومآقي عن نزولها عاجزة؟؟؟
أما الأولى فليّن سويداءك بخشية لها جالبة ، ولطّف أجواءك بخشعة لها واجدة ، وأملأ أنحاءك بتوبة لجفافها طاردة ، وأوبة لهروبها لاحقة ، ورطّب قناتك إليها بآيات ومواعظ لربيعها صانعة ، لعلك تظفر منها ولو بواحدة ، فتنجو من قعر الهاوية ، وإلا كانت القاضية.
أما الثانية فوفر لها الأوراد الكافية ، وزوّدها بالأمداد الدائمة ، وأجلب لها الأنوار الكاشفة ، فسوف تنطلق ــ بعون الله وتوفيقه ــ عيونا جارية ، فتسقي مقلا قاحلة ، وتغسل ذنوبا جارية ، وتنزع أثقالا جاثمة ، وتشفي أمراضا قاتلة ، وتقتل عللا حالقة ، فتقهر بذلك نفسا لاهية ، وتحرق أهواء طاغية ، فتضمن لك حسن الخاتمة ، فدخول جنة عالية ، قطوفها دانية .
16) ــ أيها القلب : كيف حالك مع قضايا الأمة ؟؟؟
ألاّ أثر لها في شعورك ؟ ، ولا وجود لها في قائمة اهتماماتك عند غيابك أو حضورك؟
أم توجع وشكوى باللسان ؟ ، دون عمل وفعل في الميدان ؟؟؟
أما الأولى فعمّق إحساسك بها ، واجعل من اهتمامك نصيبا مفروضا لها ، لتنل شرف الانتماء ، وتكن صادق الولاء ، وإلا فأنت عن الأمة مفصول ، وعن مجموعها معزول .
أما الثانية فمع تألّمك لها جنانا وبيانا ، برهن على ذلك سرا وإعلانا ، وساهم بما تقدر عليه وجوبا وامتثالا ، لا تفضلا وامتنانا.
17) ــ أيها القلب : كيف حالك مع فلسطين ؟؟؟
أهي عندك قضية عقيدة ودين ؟ أم مجرد أرض وطين ؟؟؟
ألها في قاموسك سطور ؟ وفي اهتمامك جذور ؟ وفي نشاطك حضور ؟؟؟
أم أنك لا تقوم نحوها بأي دور؟؟؟
أما الأولى فقدسية القضية لا تحتاج إلى كثير عناء ، فقد باركها رب السماء ، في سورة الإسراء ، وصلى بها نبيك بالأنبياء ، وأعرج به منها إلى سدرة المنتهى.
أما الثانية فينبغي أن تكون جزء مهما من قرارك ، وحدّث نفسك دوما أن تكون في تحريرها مشارك ، ولك دور في تطهير ترابها المبارك، وإلا فاتك أجر النفير ، وحرمت شرف المسير.
18) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الموت ؟؟؟
ألا تطيق له ذكرا ، لأنه ينغص عليك شهواتك ؟ ، ولا تريد له فيك حضورا ، لأنه يعكّر صفو ملذاتك ؟ ، أم تذكره ولكن لا أثر له فيك ، مع كثرة غدراتك وفجراتك؟؟؟
أما الأولى فأكثر من ذكره حتى يزاحم فيك شبهاتك ، وداوم على وجوده بداخلك ، ليضيق هامش غفلاتك ، وحتى لا يفاجئك وأنت غارق في بحر هفواتك .
أما الثانية فشمّر وضاعف له من استعداداتك ، واجعل حضوره ملحا في كلّ معاملاتك وتصرّفاتك ، فتستيقظ من سباتك ، وترد كيد عداتك ، وتسعد في حياتك ، وتحجز مع الأكياس مكانك ، فتضمن بكل ذلك نجاتك.
19) ــ أيها القلب : كيف حالك مع الجنة ؟؟؟
أتشتاق إليها بحق ، أو هي مجرّد أمنية ؟ ، أم أنك لا زلت في رق ، وحديثك عنها أحجية؟؟؟
ويحك ، ألا يهزك الشوق إليها ؟ ، ولا يملأك الحرص عليها ؟ ، ولا يطربك تغريد طيورها ؟ ، ولا يستهويك تنوع دورها ؟ ، ولا تحرّكك كثرة قصورها ؟ ، ولا يغريك جمال حورها ؟؟؟
ألا تجد ريحها لتكون من قاصديها ؟ ، ويدفعك نعيمها لتكون من ساكنيها ؟ ، ويجذبك نسيمها لتكون من قاطنيها ؟؟؟
ألا تحب فيها مجاورة البشير النذير ؟ ، ومرافقة صحابته المجتبين ؟ ، وملازمة الشهداء والصديقين ؟ ، ومصاحبة قوافل عباد الله الصالحين على مرّ السنين؟؟؟
ألا تريد التمتع بالنظر فيها إلى وجه مولاك الكريم ؟ ، والظفر بالنعيم المقيم ، الذي ليس له في الدنيا نظير؟؟؟
أم أنك معتقد فعلا أنها عروس ؟ ، لكنك من ولوج بابها يؤوس ؟ وعن تقديم مهرها عاجز ، لأن في مقدمته قهر النفوس؟؟؟
ويحك ، لا ينبغي أن يغلبك القنوط ، أو تقعدك الأتراح ، فجدّد العهد والعزم ، وأنطلق لترتاح ، وأكثر الحداء مع حادي الأرواح ، إلى بلاد الأفراح ، ليزكمك عطرها الفوّاح ، وتكن من أهلها الأقحاح.
20) ــ أيها القلب : كيف حالك معك ؟ وأي القلوب أنت ؟؟؟
بعدما أكثرت سؤالك ، وعرفت أحوالك ، وخبرت أهوالك ، ورأيت أوحالك ، فأين تصنف نفسك يا ترى ؟
أأغلف أو محجوب ؟ ، أأجلف أو مطبوع ؟ ، أأعجف أو منكوس ؟؟؟
أم تراني قد بالغت في تجريمك ؟ وتماديت في تخوينك ؟؟؟
إنما أنت قلب حالك كالكثير من القلوب : فيك الملح الأجاج ، كما فيك العذب الفرات.
فيك من أنوار الهداية ، كما فيك من ظلمات الغواية.
لديك الرغبة في ورود ألطاف العناية ، كما لديك القابلية لاستقبال أرجاس الجناية.
تقبل حتى تكاد الوصول إلى درجة الصدّيقية ، وتدبر حتى تكاد النزول إلى دركات الإبليسية.
يتراكم عليك الران حتى يكاد أن يحجب عنك كل نور ، ويملأك النور حتى يكاد يذهب عنك كل زور.
تتوارد عليك الأمراض حتى تكاد أن تمحيك ، وتتوالى عليك الأمداد حتى تكاد أن تنجيك.
تستمر على صفائك حتى تكاد تكون كالبلوّر ، وتنتكس على نقائك حتى تكاد تكون كالتنور.
أيها القلب : ألا يستقر أمرك على حال ؟ أم أنّ ذلك منك صعب المنال؟؟؟
ألا يمكنك أن تدوم شديد الإقبال ؟ فتقدّم للآخرين خير مثال ؟ أم أنّ ذلك منك شديد المحال ؟؟؟
فهاهو رمضان على قدوم ، وهو فرصة سانحة لك لتثور على وضعك القديم ، ومحطة هامة لك لتنتفض على رصيدك الهزيل ، ومدرسة هائلة لك لتتعلم فيها كل جميل ، وتتزود من خلالها بكل جليل .
فقد يسّر الله لك فيه اقتحام الميادين ، وصفد لك فيه كلّ الشياطين ، وضاعف لك فيه عمل الموازين ، وفتح لك فيه أبواب الجنان ، وأغلق أبواب النيران ، ورغبك في كل الطاعات ، وحبب إليك كل القربات ، وأعطاك حتى على حسن النيات ، لتنل ما شئت من الرحمات.
فخاطبني قلبي بلسان حاله لا بلسان مقاله : يا صاحبي : لقد أكثرت توبيخي ، وإن صدقت في تشخيصي ، وكرّرت تعنيفي ، وإن كنت على يقين أنك تريد تخليصي .
فو الذي أنا بين إصبعين من أصابعه ، لتجدن مني في رمضان هذا العام ما يسرّك ، ولترى مني ما يقرّ عينك ، ويفك من أسر الذنوب قيدك ، ويملأ بفيض الأنوار جوانحك ، ويطلق لفعل الخيرات جوارحك ، ويعتق من النيران رقبتك .
فيرتفع عند مولاك مقامك ، ويكثر عند أهل السماء ذكرك ، وعند أهل الأرض حبّك.
عهد علي فعلا لا قولا في هذا الشهر الفضيل ، أن أشرّفك مع بارئك ، وأبيض وجهك مع خالقك ، وسأجعل جوارحك تملأ خزان حسناتك ، وتخلي أثقال سيئاتك ، وسوف أكون سببا ــ بإذن الله ــ لرفع وقبول دعواتك ، وإرباء ووصول صدقاتك ، وتدفق وحصول كراماتك.
فقلت له : سوف أرى وعودك ، وبيني وبينك ليالي الشهر وأيامه ، لأعرف مدى تحصيلك من خيرات الشهر وأفضاله ، ورحماته وأنواله.
أملي أن تكون صادقا معي ، خالصا لي ، راحما بي ، شافقا عليّ ، فأكون في قوائم المرحومين ، وقوافل المعتوقين ، وفي عداد الصاعدين ، في منازل السائرين ، ومدارج السالكين ، وفي قطار الواصلين ، لأفتخر وأسعد بأن لي قلبا حيا سليما بحق :( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(الروم 4 و5).