دعاة الصحوة ودعاة التخدير
حسام العيسوي إبراهيم
الدعوة هي روح الإسلام ، وهي المكانة العظيمة التي يتمنى كل مسلم أن يكون من أهلها ، والدعاة إلى الله عزوجل هم روح هذه الأمة ، ومصدر نهضتها وعزتها ، وهم ورثة الأنبياء والمرسلين ، بهم يفهم الناس الخير من الشر والصواب من الخطأ ، هم في كل أمة حماتها ، وسلاحها الفتاك في مقابل أسلحة أعداءها .
ولا يخفى على كل داع إلى الله أنه لابد من التهيؤ لهذه المهمة العظيمة ، والاستعداد لها ، والتزود بكل نافع ونفيس في سبيل عرض هذه الدعوة المباركة ، فالدعوة إلى الله كالمسافر في سفر طويل تحتاج من الداعي التزود بكل ما يمنعه من مشقة هذا السفر ، ويكون كافيه لِتَحمّل هذه المسافة الطويلة .
وفي هذه الآونة الأخيرة ظهر كثير من الدعاة ممن يحملون ألواناً مختلفة من الأفكار ، ومدارس متنوعة تربوا فيها ونشأوا في ظلالها ، وجدنا بعض هؤلاء الدعاة خرجوا عن المهمة الحقيقية للداعية من حيث الانتصار لمبادئ الحق مهما كلفهم ذلك من ضغوط ومشاكل ، فرأينا بعضهم يخرج علينا بفتاوٍ شاذة لا تتفق مع ديننا الحنيف ، ولا مع الواقع الذي يعيش فيه الإنسان ، رأينا أحدهم يتحدث عن كل شيء إلا شيئا واحدا وهو كل ما يتعلق بالحاكم والسلطان ، فهذا خط أحمر لا يجوز لأحد أن يتجاوزه أو يتعداه ، رأينا أحدهم يتحدث عن الواقع ولا يمتلك أدوات الفهم لما يتحدث فيه .
هذا كله مما يجعلنا نتحدث عن صفات دعاة الصحوة الحقيقيين ممن يتعرضون لحمل هذه المسؤولية في هذا الوقت العصيب ، والذي يمر فيه الإسلام وتمر فيه الأمة بمفترق طريق ، ومما أؤكد عليه في البداية أنني لا أقصد تياراً بعينه ، ولا مؤسسة بعينها ، ولكنها موجهه إلى بعض الدعاة الذين يغردون بعيداً عن سرب الدعاة الحقيقيين .
· دعاة حكمة
فالدعوة إلى الله ليست باستمالة القلوب والأسماع فقط ولكنها دعوة منطق وعقل ، والدعوة هي تربية قبل أن تكون تهييجاً للمشاعر والأحاسيس ، فدعاة الصحوة همهم الأساسي هو تربية الشعوب لا تهييجها ، كما أن همهم تربية المسلم تربية شمولية لا تقتصر على جانب دون جانب ، هي تربية للعقل والعاطفة وتربية للسلوك ، والاقتصار على نوع واحد من هذه الأنواع يؤدي بالجماهير إلى التصرفات الخاطئة والأعمال الناقصة .
فدعاة الصحوة يتعرفون تعرفاً كاملاً على خصائص المستمعين ، ويعرفون ميولهم واتجاهاتهم ، كما أنهم يعايشون ظروفهم وأحوالهم ، فالدعوة ليست كلمات تقال ولكنها مواقف تدرّس .
· الفهم العميق
فالداعية لا يتأثر بالمواقف الطارئة ، لا تهيجه كلمة سمعها ، ولا موقف غريب رُوِي له حتى يتأكد ويتيقن منه ، فيتصرف في حدود المعقول لا المنقول .
فدعاة الصحوة فهموا الواقع من حولهم ، فهموا ظروفه ومراحله الذي يمر بها ؛ فلذلك لا يتكلمون إلا بكل صحيح حكيم ، لا يرددون الإشاعات ، ولا تجّرهم الأحداث وتتحكم فيهم ، بل هم الذين يتحكمون فيها ، ويؤثرون فيها ، عقولهم واعية ، وتصرفاتهم حكيمة ، عواطفهم ملجمة بنظرات عقولهم .
· ربط النصوص بمقاصدها
فهم لا يأخذون النصوص على ظواهرها ، بل يفهمون المقاصد والأسباب ، يُرْجعون القرآن بعضه إلى بعض ، يرجعون القرآن إلى السنة ، والسنة إلى القرآن .
فدعاة الصحوة لا يتسرعون في الأحكام ، ولا يفتون بما هو موجود ؛ ولكنهم يجهدون أنفسهم جهداً كبيراً ، فهذا هو فقه الواقع ، وهذا هو فقه الأولويات ، وهذا هو فقه المآلات ، فهي ليست كلمات تقال ، ولا فتوى تنشر ؛ بل هي بناء للأمة وإبراء للذمة أمام الله – تبارك وتعالى .
· الثقافة المتنوعة
فهم يقرؤون القرآن ، ويفهمون السنة ، ويعيشون مع آراء الفقهاء واختلافاتهم ، مقاصد الشريعة لها نصيب من اهتماماتهم ، ومع ذلك فهم محبون للعربية يحافظون عليها في خطبهم ودروسهم ، يدرسون علم النفس لفهم سلوكيات الناس وأحوالهم ، ويدرسون علم الاجتماع لمعرفة خصائص المجتمع وما يتفق وما يختلف فيه البشر ، يفهمون التاريخ ، ويعيشون دروسه وعبره ، ويدرسون الواقع ويفهمون سياسته واقتصاده ، يتعرفون على قضايا الواقع ويفهمونها ، ثقافتهم شمولية متنوعة ، فهم يقرؤون في كل المجالات ، وفي كآفة الاتجاهات ، فالحكمة ضآلتهم وهم أحق الناس بها .
· التخصص الدقيق
ومع ثقافتهم المتنوعة ، وقراءاتهم المختلفة ، فإنهم متخصصون في علم من العلوم يعرفونه ويحيطون به من كل جوانبه ، همتهم تدفعهم إلى الخبرة والدراية حتى يكونوا مرجعاً فيه ، يُسألون في كل مسائله ، فهم أيقنوا أن تقدُم مجتمعهم لا يكون إلا بإتقان الفنون والتخصص في العلوم المختلفة .