الله محبة
الله محبة...!!
حسام مقلد *
من حق المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين أن يشعروا بالغضب العارم والحزن الشديد بسبب أحداث الفتنة الطائفية الأخيرة، لكن ليس من حق وسائل الإعلام المغرضة أن تهيج الجماهير وتصور مصر وكأنها وقعت في أتون حرب أهلية مدمرة!! وطبعا لا يوجد عاقل على أرض مصر يستهين بخطورة هذه الفتنة الفاجرة، ولا يقلل أحد من حجم الخطر الحقيقي الذي يحدق بنا جميعا، لكن الأمر ليس بهذه الصورة المضللة التي ترسخها وسائل الإعلام ـ ذات الهوى... ـ وهي تتبارى في تكرار عرض مشاهد النيران وألسنة اللهب تتصاعد من الكنيسة المحترقة، والغريب أن تتبارى بعض القنوات في تكرار عرض صور نعوش الضحايا المسيحيين وهي تخرج من الكنيسة وسط أنين وبكاء ذويهم الذين يعتصرهم الألم، في ذات الوقت الذي لا تعرض فيه صورة واحدة فقط للضحايا المسلمين وسط لوعة وحزن ذويهم أيضا، وكأن نصف الضحايا بالتمام والكمال لم يكن من المسلمين!! ولا يخفى على أي منصف مدى التأثير النفسي والتضليل الفكري الذي ستتركه مثل هذه الصور المعادة والمكررة على مدى عدة أيام، فكأن هناك اضطهادا مقصودا ومنظما وممنهجا ومستمرا يمارسه المسلمون ضد أخوتهم الأقباط في مصر!! وطبعا نحن نقدم تعازينا الحارة لكافة أسر الضحايا مسلمين ومسيحيين، ويعلم الله أننا نشعر بنفس الحزن والألم الذي يشعرون به فالإسلام والمسيحية وأي دين على وجه الأرض لا يدعو أبدا لهذا الهوس والعبث والجنون الذي يهيج الأعصاب ويضرم على هذا النحو الفاجر نيران الحقد الأعمى في النفوس.
لكن بعيدا عن تلك العواطف والمشاعر الإنسانية النبيلة ينبغي على المصريين جميعا تهدئة الخواطر والتصرف بحكمة وتعقل، وتدارس أحداث فتنة إمبابة البشعة وما سبقها وما تلاها بكل عناية؛ لاستخراج العبر والدروس المستفادة، وأول ما يسترعي انتباهنا في أحداث إمبابة هو كثافة إطلاق النار الذي حدث!! فمن أين جاءت كل هذه الأسلحة بحيث تبادل الطرفان إطلاق النار على هذا النحو الكثيف؟!! ومن أين أتى لهم هذا الدعم اللوجستي الهائل بهذا الكم الكبير من الذخيرة؟! وهذا يجرنا لسؤال مهم هو: هل كان الأمر كله مدبرا بمعرفة ومشاركة أشخاص دخلوا إلى الكنيسة وتم استدراج بعض المسلمين للذهاب إلى هناك؛ حتى يتسنى للمتآمرين إشعال نيران هذه الفتنة بدعوى تعرضهم لهجوم من السلفيين؟!! ولو كان الأمر كله مجرد أحداث عادية تصاعدت تلقائيا دون تحريض ودون إعداد وتدبير مسبق فكيف ظهرت كل هذه الأسلحة فجأة في داخل الكنيسة ومع أفراد خارجها بحيث تم تبادل إطلاق النار على هذا النحو الكثيف؟! وكيف تم تجهيز زجاجات المولوتوف وإعدادها بكل هذه السرعة؟! وما مبرر لوجود أسلحة أصلا في الكنائس أو في المساجد ؟! أليست هي دور للعبادة ؟! أم أنها ثكنات عسكرية؟!!
لقد بات من الواضح أن علاقة المسلمين بالأقباط هي الحلقة الأضعف التي يمكن لأعداء مصر في الداخل والخارج التسلل من خلالها لإشعال نيران الحرب الأهلية في طول البلاد وعرضها، لكن لا يتوهمن واهم أن قواتنا المسلحة الباسلة في غفلة عن هذه المؤامرات الخبيثة التي تحاول النيل من مصر وأهلها، وسوف تكشف التحقيقات الجارية الحقائق كاملة عما قريب، فمجلسنا العسكري ليس نائما، ويخطئ من يتوهم أن تعامل جيشنا العظيم بالرفق والحسنى مع جماهير الشعب، وتسامحه مع بعض التجاوزات هنا أو هناك هو من قبيل الضعف، أو عدم القدرة على امتلاك زمام الأمور، بل هو من حرص قواتنا المسلحة البالغ على إطلاق الحريات للمصريين كافة كي ينعموا بها جميعا بعد عقود طويلة من القهر والإذلال، لكن ذلك لا يعني ترك العابثين والمنفلتين والمتآمرين وفلول النظام البائد يعيثون في مصر فسادا ويشيعون الفوضى ويثيرون الهلع والذعر في ربوعها، فالمصريون لم يسقطوا النظام الفاسد للوقوع في براثن الفوضى والفتن الطائفية والحرب الأهلية، وإنما أسقطوه لإقامة دولة مدنية قوية تحقق الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية لكافة أبناء الشعب المصري دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو الجنس.
وما يحزُّ في نفوسنا جميعا تلك المشاعر السلبية السيئة الدفينة التي أظهرها بعضُ الأخوة الأقباط تجاه إخوانهم المسلمين أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو بالقاهرة، وقد ظهر ذلك في هتافاتهم وتعديهم على المبنى ورشقه بالحجارة، وأقل ما توصف به العبارات القاسية التي أطلقها بعض المتظاهرين الأقباط ومشاعر الحقد والكراهية التي ظهرت بوضوح شديد في انفعالاتهم وكلامهم ونظرات عيونهم وتعبيرات وجوههم وتشنجات عضلات أجسادهم ـ أقل ما توصف به أنها كانت غير موفقة، وأنها تتعارض تماما مع روح المودة والتسامح، ومشاعر الألفة والمحبة، ومعاني التراحم والتكافل والتواصل الإنساني الراقي والترابط والتماسك الاجتماعي القوي، وكلها معان جميلة وصفات نبيلة يتميز بها الشعب المصري العريق، ويتحلى بها المصريون جميعا مسلمون ومسيحيون، وقد رأيناها جميعا ورآها العالم معنا حقيقة واقعية في ميدان التحرير، فيا إخوتنا الأقباط أين كلامنا الجميل وعباراتنا النبيلة ونفوسنا الصافية؟ ألا نقول ونكتب ونردد ونغني: الله محبة؟!! فأين هذا من هذا الكم الهائل من القسوة ومشاعر الكراهية التي يوجهها بعضكم لإخوانهم المصريين المسلمين؟! ومنذ متى وإخوانكم المسلمون مصدر قلق وخوف لكم؟! وهل تأمنون المحتل عليكم حتى يطلب بعضكم الحماية لديه؟! وممَّن سيحميكم من إخوانكم وبني جلدتكم؟! وماذا حدث لكل ذلك؟! هل هناك جرائم فظيعة واعتداءات منظمة ارتكبت ضدكم أو وقعت عليكم؟! وهل رضيت الغالبية الساحقة من المسلمين بهذه الجرائم الفردية التي ارتكبها بعض الحمقى هنا وهناك؟! ألم تقف معكم هذه الأغلبية في خندق واحد؟! ألم يُعِدْ جيشنُا العظيم في أربعة أسابيع فقط بناء كنيسة قرية صول؟! ألم يقف الأزهر الشريف بشيخه وعلمائه ـ بل وقف كل علماء الإسلام ـ صفا واحدا إلى جانبكم وأعلنوا بوضوح تام لا لبس فيه براءة الإسلام والمسلمين من هذه الأعمال الإجرامية التي ترتكبها فلول النظام البائد، أو بعض المغيبين المحسوبين على هذا التيار أو ذاك؟! فلِمَ تحملون كل هذه الضغينة لإخوانكم المسلمين؟! ولِمَ تحمِّلونهم تبعة ما لا ذنب لهم فيه؟! أليس من الأجدى أن نقف معا صفا واحدا لردع هؤلاء المفسدين وقطع دابرهم والقضاء عليهم بسلطان القانون؟!
وفي خضم هذه الأحداث المؤسفة يجب علينا جميعا أن نحذر أعداء مصر في الداخل والخارج الذين عز عليهم نجاح ثورتها المباركة، وغاظهم عودتها للقيام بدورها الإقليمي الرائد في نصرة القضايا العربية، وقضية فلسطين في القلب منها، ونقول لهم: إن من العبث اللعب بالنار على هذا النحو الخطير؛ فمصر لا تحتمل تكرار مثل هذه الجرائم ولا ارتكاب مثل هذه الحماقات، ولو أصابها مكروه ـ لا قدر الله ـ فسوف يدفع العالم كله الثمن، وليعلم الجميع أن انفجار قنبلة الفتنة الطائفية الموقوتة في مصر لن يحرق مصر وحدها بل سيحرق العالم كله، وسيكون ذلك لو حصل ـ لا قدر الله ـ انفجارا مدويا ومدمرا ليس لمصر وحدها بل وللمنطقة والعالم؛ إذ سيبدأ فصل جديد من الحروب الدينية بين الإسلام والمسيحية، وستدفع البشرية جمعاء الثمن، وأول الدافعين لهذا الثمن الفادح سيكون إسرائيل وأمريكا، فملايين الناس على استعداد لحماية مصر بأرواحهم وبذل دمائهم رخيصة فداء لها، فليحذر اللاعبون بالنار والمستقوون بالخارج والمنادون بحماية المحتلين لهم ـ ولا أدري ممَّن سيحمونهم؟!!
وإبراءً للذمة أمام الله عز وجل يجب أن تمتنع كل الأطياف الدينية في مصر فورا عن النزول للشارع لأية قضايا ذات بعد ديني أو طائفي، ونناشد الأخوة السلفيين أن يكونوا على رأس الممتنعين عن النزول للشارع لأي سبب كان، ولا أحسب أنهم يريدون أن يستخدموا كمخلب قطٍّ أو معول هدم في أيدي أعداء مصر، ونتمنى أن ينسقوا مواقفهم فيما بينهم، وتكون لهم زعامة ومرجعية واحدة تحدد مواقفهم من الأحداث المختلفة وتعلن ذلك على الملأ، كما ينبغي لجميع أبناء الشعب المصري بكل فئاته وشرائحه ونقاباته وأحزابه أن يعلن استنكاره الشديد ورفضه القاطع لمخطط الفتنة الطائفية الآثم الذي يتم جرجرة مصر إليه من خلال تهييج الصبية والمراهقين، واستثارة حميتهم واستفزاز مشاعرهم الدينية سواء أكانوا مسلمين أو أقباط، واستنفار عواطف النخوة والمروءة والرجولة لدى بعضهم لإنقاذ إخوانهم مما يصور لهم على أنه اعتداء عليهم!! فهكذا عن طريق الوقيعة والتحرش بهذا الطرف أو ذاك يتم إشعال الحرائق بيننا لتلتهم مصر كلها!!
ورغم كل ما يحدث ورغم مشاعر الإحباط والخوف والقلق التي تساور الكثيرين منا الآن يجب أن نثق جميعا في أنه لن يحمي مصر وأبناء مصر إلا جيش مصر وشرطة مصر ومعهما كل المصريين الشرفاء مسلمين وأقباط، وعلى الشعب المصري العظيم بجيشه وحكومته وكل أبنائه أن يقر عينا ويهدأ خاطرا ويطمئن إلى نصر الله لنا وتثبيته إيانا، فما قامت ثورتنا المباركة إلا محاربة للفساد ورفعا للظلم ودفعا للعدوان على مصر وأمتها، فلنهدأ ولنطمئن ثقة ويقينا وإيمانا تاما بوعد الله القائل: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" [محمد:7] "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف :21].
* كاتب إسلامي مصري