عَجبتُ، وحُقّ لكَ أن تَعجبَ
د. عبد المجيد البيانوني
عَجبتُ لمن استضاء قلبه بنور الحقّ كيف يرضى لنفسه أن يهادن الباطل ، أو يسير في ركابه ، أو يبرّر أعماله .. فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال .؟! فأنّى تصرفون .؟! أما علم أنّ طريق الحقّ صراط مستقيم ، وأنّ كلّ السبل سواه إلى الجحيم ..
عَجبتُ لمن يهادن الباطل ، ويركن إليه ، ويبرّر أعماله .! أما علم أنّ الحقّ لا يلتقي مع الباطل ، لا في أوّل الطريق ، ولا أوسطه ، ولا آخره ، ولا في ظاهره ولا باطنه .؟! أما سمع قول الله عزّ وجلّ : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) [ هود : (113) ]
عَجبتُ لمن يستنكر على أقرب الناس إليه أن يخالفه في اجتهاده .. ثمّ يبرّر لأهل الباطل إفسادهم في الأرض ، ويزيّنه لهم ، ويدافع عنهم .؟!
عَجبتُ لمن أراد الله له بما حباه من نعمه أن يكون رأساً في الحقّ ، ينصره ويؤيّده .. ثمّ يرضى لنفسه أن يكون بوقاً للباطل وذنباً ، وأخلد إلى الأرض واتّبع هواه .؟!
عَجبتُ لمن يلتمس رضا المخلوقين ، ويسعى إليه ، بسخط الله ، وذلّ النفس ، والتنازل عن المبادئ ، وينسى أنّ رضا الخالق أقرب إليه من حبل الوريد .! ثمّ ما أكثر غدر الناس ونقضهم للعهود ، وتنكّرهم لمن أخلص لهم .؟!
عَجبتُ لمن ذاق لذّة عبادة الله عزّ وجلّ ومناجاته أن يخضع بالعبوديّة لغير الله ، في أيّ صورة من صورها .!
عَجبتُ لمن أنعم الله عليه بالعقل كيف يعطّل عقله باتّباع هوى زيد أو عبيد .؟!
عَجبتُ لمن يرى العبر بغيره ولا يعتبر ، وأعجبُ منه من تنزل به المصيبة بما كسبت يداه ، ثمّ يلقي باللائمة على الآخرين .!
عَجبتُ ممّن يكره من الآخرين ويستنكر ما لا يكره أضعافه من نفسه ولا يستنكر ، بل يبرّر لها أخطاءها ويعذر .!
عَجبتُ ممّن يتتبّع أخطاء الآخرين وسقطاتهم ؛ كيف يجد الوقت لذلك ، وفراغ النفس لهذا العبث ، ولا يجد الوقت لتقويم اعوجاجه ، وإصلاح شأنه .!
عَجبتُ ممّن ينافق للباطل ، وهو يعلم أنّه يكذب .! كيف يبرّر سلوكه لنفسه .؟! وكيف ينجو من احتقار نفسه لنفسه .؟!
عَجبتُ .. وما أكثر في دنيانا العَجَب .! ولكنّ إلف الناس للعوج ، ينفي عن أنفسهم الحرج .. فالحمد لله الذي متّعنا بحرّيّة عقولنا ، وكرامة أنفسنا ، وموازين الحقّ والهدى ، التي لا يزيغ عنها إلاّ هالك ..