والكلمة الطيبة صدقة
[من حديث رواه البخاري ومسلم]
م. محمد عادل فارس
[email protected]
كم تعمر الكلمة الطيبة من قلوب ، وتوثّق من أواصر ، وتهدي إلى
رشد ، وترأب من صَدْع ...!
وكم تهدم الكلمة الخبيثة من بنيان ، وكم تفسد من ذات البين ،
وكم تبعد الأحبّاء ، وتوغر الصدور، وقد تُضل وتُزلّ !.
ولا نحسب مؤمناً يجهل هذه الحقائق ، لكن الغفلة والانغماس في
مشاغل الدنيا ، والصراع على حطامها ، وانفعالات الغضب ونحوها ، تجعل المؤمن أحياناً
ينطق بالكلمة الخبيثة ، ويفوّت الكلمة الطيبة .
ولنذكر أولاً أن الكلمة الطيبة تشمل كل قول خيِّر . فأعلى كلمة
طيبة هي كلمة التوحيد ، ويأتي بعدها كلمة تدعو إلى خير ومعروف ، أو تنهى عن شر
ومنكر ، أو تصلح ذات البين ، أو ترشد ضالّاً، أو تنصح كبيراً أو صغيراً ، أو تطفىء
فتنة ، أو تشفع شفاعة حسنة ، أو تبذر بذرة حبّ في بعض القلوب ...
كما أن الكلمة الخبيثة تشمل كل قول شرير ، فأخبث الكلمات كلمة
كفر وفجور ، وكلمة توقع عداوة بين اثنين ، وتفرّق قلبين متحابين في الله ، أو تغمز
فيها أخاً وتعيبه في حضرته أو غيبته ، أو تبالغ في مدح من تحب والانتصار له ، وقدح
من تكره ورصد عيوبه ، أو تنقل كلاماً سيئاً من إنسان إلى آخر فتكون نمّاماً ، وأنت
تزعم أنك تنقل الحقيقة ببراءة وموضوعية ، أو تقول كلمة فحش وشتيمة أو نحو ذلك .
وإذا راجع العبد نفسه تذكّر وأبْصَرَ : كم يُضَيِّع على نفسه
فرصاً كان بإمكانه أن يبني بها خيراً كبيراً في هذه الحياة ، ويحصل رضوان الله
تعالى وجنّته في الآخرة ... كل ذلك يحقّقه بكلمة طيبة : ينصح ويذكّر ويرأب صَدْعاً
وينشر وُدّاً .
وكم يغفل ويتعجّل فيتكلم بالكلمة الأخرى التي تهدم وتسيء وتشعل
ناراً ... وهو لا يحسّ أنه فعل شيئاً !!
ويكفي أن نسوق بعض النصوص الشرعية لنرى عظم مسؤولية الكلمة .
ففي القرآن الكريم :
] ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة
كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ... [
.
] وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن . إن
الشيطان ينزغ بينهم [ .
] وقولوا للناس حسناً
[ .
وفي الحديث الشريف :
" إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ، ما كان يظن أن
تبلُغَ ما بلغت يكتبُ الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه . وإن الرجل ليتكلم بالكلمة
من سخط الله ، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغتْ ، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه
" رواه مالك في الموطأ ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
" وهل يكُب الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم "
رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " متفق
عليه .
" فكُلُّ تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ،
وكل تكبيرة صدقة ، وأمرٌ بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة " من حديث رواه مسلم
.
" سِبابُ المسلم فسوق ، وقتاله كفر " متفق عليه .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لقول الكلمة الطيبة ، ويجنبنا الكلمة
الخبيثة .