الهجرة رحلة الحياة

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

 1 - الايمان العجيب

هل من السهولة أن يترك المرِِْء أسرته وبيته وماله وتجارته وحياته التي نشأ فيها وترعرع عليها ؟ وما الدافع للاستمرار رغم التعب والصعاب والمشكلات ؟ في الوقت الذي تلوح أمامه مغريات الراحة والاسترخاء بسهولة ويسر ؟ إنه الايمان بالله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض .. فهذه الصعاب لا يطيقها إلا مؤمن … فتدفعه الهمة وتستهويه الغاية الفاضلة … وهذا هو السر .. فنفروا جميعاً رجالاً ونساءً وأطفالاً وشباباً ، ملبين النداء :

 ( هاجروا الى حيث تعزون الاسلام وتؤمنون مستقبله )

فكما هاجر الرجال هاجرت النساء ، وعلى رأسهن أم سلمة التى هاجرت وحدها ، وكما تحمّل الرجال تحمّلت النساء , فهذه أسماء ذات النطاقين تسير بإيمانها , مع الرحلة خطوة خطوة , فهل نحن مؤمنون ؟

2 - المخلصون الأبرار

هذا الإيمان الذى تحرك لا فرق بين رجل وامرأة ، فالكل أخلصوا لله نواياهم ، وترفعت هممهم عن المآرب ، وتركوا المتاع الزائل والأمان الزائف ، واستهوتهم الغاية الفاضلة في عالم ممتلأ بالصم والبكم ، فربطوا مستقبلهم بمستقبل الرسالة , وتبعوا صاحبها المهاجر العظيم المتجرد والمجاهد ، وهو يقول : ( قل هذه سبيلى أدعو الى الله على بصيرة , أنا ومن اتبعنى , وسبحان الله وما أنا من المشركين ) يوسف 108 , فهل نحن مخلصون ؟ .

3 - المتآمرون التعساء

مر العباس عم النبى ومعه أبو جهل بعد الهجرة فى شوارع مكة , فوجدوا الريح يصفر فى جنبات البيوت , فقال العباس متحسراً : أصبحت الديار خلاء من أهلها 00 فكان رد أبى جهل :  هذا من عمل ابن أخيك 00 فرق جماعتنا وشتت أمرنا وقطع بيننا !!   فمَنْ صاحبُ الجريمة ؟  ، إنهم يجرمون ويرمون الوزر على أكتاف غيرهم 00 ويقهرون المستضعفين ، فإذا أبوا الإستكانة , فإباؤهم هو سبب المشكلات ومصدر القلاقل !!! فهل نحن ثابتون ؟ .

 4 - الربح الصافى

ناله صهيب الرومى وليس العربى , بتضحيته وتقواه .. حينما خيّره الكفار بين الهجرة وترك ماله ، وكان من أثرياء مكة ، فتخلى عن ماله فى سبيل عقيدته ، بينما هم تخلوا عن عقيدتهم فى سبيل المال ، عندما رأوا بريقه المبهر ، فمَن الرابح ومَن الخاسر ؟ الاجابة حملها قول النبى صلي الله عليه وسلم : ( ربح صهيب .. ربح صهيب .. ) فكان ذلك هو الربح الصافى , فهل نحن رابحون ؟

5 - دموع الفرح

تقول عائشة رضى الله عنها تصف مشهد أبي بكر , عندما علم بالهجرة وصحبة النبى صلى الله عليه وسلم : ( فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح , حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكى !! ) .

* فجاءت الدمعات ترسم خطوات رحلة الحياة من الأخذ بالأسباب , ثم التوكل على الله , ثم الحيطة والحذر , والمضى الي الغاية رغم العقبات , ثم الاستعانة بالله وحده , بخطة مرسومة الخطوات .

* وجاءت الدمعات تحدد رحلة الحياة , من الأمل والثقة , والعناية الربانية لمصير الرسالة , ومستقبل الحضارة .. وفى الغار الرد الإلهي على الدمعات الصادقة : ( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) .

* وفى الطريق ، يهوى فرس سراقة , الذى جاء فى أول النهار - جاهداً عليهما – فإذا به يطلب الأمان شريطة أن يعمى عنهما ، ويتحول فى آخر النهار الي حارس لهما .

* وجاءت الدمعات : تعلن أن النصر آت رغم الصعاب  .. بالأمس نشهد مكة وهي تشهر سلاحها لتقتل النبى , واليوم المدينة تستقبله بالفرح والسرور والطرب ، ويدعو النبى صلي الله عليه وسلم : ( اللهم حبب الينا المدينة كحب مكة أو أشد ) , فهل نحن مهاجرون ؟.  

 6- بناء المستقبل

* بالنفوس الزكية

لبنات المستقبل المضيء انطلقت من المسجد 00 فأقاموا الحضارة الحقيقية ، فلا خير فى حضارات تبعد الأمة عن الإله الواحد ، وتخلط المعروف بالمنكر ، وكان غناؤهم فى البناء : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، فاغفر للأنصار والمهاجرة

وكان قدوتهم يعمل معهم فيقولون :

لئن قعدنا والرسول يعمل             لذاك منا العمل المضلل

وفى أول خطبة للنبى صلى الله عليه وسلم , كان الأساس بناء النفوس :

( من استطاع أن يقى نفسه من النار , ولو بشق تمرة فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة ).

* بالأمة القوية

حيث لا عصبية ، فسقطت فوارق النسب واللون والوطن ، حيث لا تقدم ولا تأخر إلا بالتقوى ، فانطلقت عواطف الإيثار والمساواة والمؤانسة تمتزج بها الأخوة ، فكان الحب بين أفراد الأمة ، فما نزل مهاجرى على أنصارى إلا بالقرعة من كثرة الترحاب والحفاوة والايثار .

* بالوطن الواحد

الذى يظن أن الاسلام دين لا يقبل حوار دين آخر , وأن المسلمين قوم لا يستريحون إلا إذا انفردوا فى العالم بالبقاء والتسلط ؛  هو رجل مخطىء ، بل متجاهل جرىء !! .

فهل فعل النبى مع غير المسلمين من اليهود والوثنيين الذين استوطنوا المدينة سياسة المصادرة أو الخصام أو الإبعاد ؟ كلا ، بل قبل وجودهم وعرض على الفريقين أن يعاهدهم , معاهدة الند بالند , فكان لهم دينهم وله دينه ، عملاً بالقاعدة : ( حرية الدين مكفولة لأبناء الوطن الواحد )  .

 7 - بالهجرة نحرر أقصانا

مَنْ لأقصانا الأسير ؟ مَنْ لأقصانا الحبيب ؟ مَنْ لأقصانا الباكى ؟ مَنْ لأقصانا الحزين ؟ اليهود يعربدون ، يقتلون ، يخربون ، يدمرون ، وأضحى الضحايا إرهابيين ، لأنهم يقاومون !! ، لأنهم يدافعون عن بيوتهم وعن أعراضهم ، وعن أطفالهم وعن وطنهم ، وعن أقصانا الغالى !! فهيا نحقق هجرة الى الله حقيقية بمساندة إخواننا ودعمهم ومقاطعة العدو , وإحياء روح المقاومة ، ونجدة أهلنا المهددين بالموت في غزة , وهذا هو الطريق لتحرير أقصانا الذى يبدأ من هجرتنا الحقيقية , والتى انطلقت بصمود الشعب الفلسطينى على المقاومة , رغم تخاذل المتساقطين , فهل نحن مقاومون ؟.

 8 - الهجرة رحلة حياتنا

فلنبدأ رحلتنا من الآن بهجر المعصية , وإعلان التوبة , بهجر المتاع الزائل وبالإقبال على الإيمان ، بتأسيس بيوتنا على الاسلام , رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً ، حتى يمُنّ الله علينا بالنصر : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) محمد : 7

وهنالك ندعو الله فيستجيب دعاءنا , لإخواننا المستضعفين والمقهورين والمظلومين فى الأرض جميعا ؛ فى فلسطين وأفغانستان وكشمير والعراق ، فالنصر قادم وقد هلّت بشائره ، فيجب أن نستعد له ؛ برحلة الحياة .