لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ 41

رضوان سلمان حمدان

لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ

41

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) ﴾ الماائدة

المعاني المفردة

تُبْدَ لَكُمْ: تظهر لكم.

عَفَا اللّهُ عَنْهَا : سكت عنها فلم يذكرها أو لم يؤاخذكم بها.

الإعراب

إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ: في محل جر صفة لـ أَشْيَاء.

عَفَا اللّهُ: في محل جر صفة ثانية لـ أَشْيَاء.

سبب النزول[1]

ذكر أن هذه الآية أنزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام، امتـحاناً له أحياناً، واستهزاء أحياناً، فـيقول له بعضهم: من أبـي؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته: أين ناقتـي؟ فقال لهم تعالـى ذكره: لا تسألوا عن أشياء من ذلك، كمسألة عبد الله بن حذافة إياه من أبوه، { إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } يقول: إن أبدينا لكم حقـيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها.

في ظلال النداء[2]

يتجه السياق إلى شيء من تربية الجماعة المسلمة وتوجيهها إلى الأدب الواجب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدم سؤاله عما لم يخبرها به؛ مما لو ظهر لساء السائل وأحرجه أو ترتب عليه تكاليف لا يطيقها، أو ضيق عليه في أشياء وسع الله فيها ، أو تركها بلا تحديد رحمة بعباده .

كان بعضهم يكثر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السؤال عن أشياء لم يتنزل فيها أمر أو نهي. أو يلحف في طلب تفصيل أمور أجملها القرآن، وجعل الله في إجمالها سعة للناس. أو في الاستفسار عن أمور لا ضرورة لكشفها فإن كشفها قد يؤذي السائل عنها أو يؤذي غيره من المسلمين.

أخرج الدارقطني عن أبي عياض عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « يا أيها الناس كتب عليكم الحج . فقام رجل فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه ، ثم عاد فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال : » ومن القائل؟ « قالوا : فلان . قال : والذي نفسي بيده لو قلت : نعم . لوجبت . ولو وجبت ما أطقتموها . ولو لم تطيقوها لكفرتم » فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } . .

وفي حديث أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : « . . . فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله؟ قال : » النار « فقام عبدالله بن حذافة فقال : » من أبي يا رسول الله؟ فقال : أبوك حذافة « . قال ابن عبد البر : عبدالله بن حذافة أسلم قديماً ، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد بدراً ، وكانت فيه دعابة! وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسله إلى كسرى بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما قال : من أبي يا رسول الله؟ قال » أبوك حذافة « قالت أمه : ما سمعت بابن أعق منك . أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟! فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به . .

لقد جاء هذا القرآن لا ليقرر عقيدة فحسب، ولا ليشرع شريعة فحسب. ولكن كذلك ليربي أمة، وينشئ مجتمعاً، وليكوّن الأفراد وينشئهم على منهج عقلي وخلقي من صنعه . . وهو هنا يعلمهم أدب السؤال، وحدود البحث، ومنهج المعرفة . . وما دام الله - سبحانه - هو الذي ينزل هذه الشريعة، ويخبر بالغيب ، فمن الأدب أن يترك العبيد لحكمته تفصيل تلك الشريعة أو إجمالها؛ وأن يتركوا له كذلك كشف هذا الغيب أو ستره. وأن يقفوا هم في هذه الأمور عند الحدود التي أرادها العليم الخبير. لا ليشددوا على أنفسهم بتنصيص النصوص، والجري وراء الاحتمالات والفروض، كذلك لا يجرون وراء الغيب يحاولون الكشف عما لم يكشف الله منه وما هم ببالغيه. والله أعلم بطاقة البشر واحتمالهم، فهو يشرع لهم في حدود طاقتهم، ويكشف لهم من الغيب ما تدركه طبيعتهم. وهناك أمور تركها الله مجملة أو مجهلة؛ ولا ضير على الناس في تركها هكذا كما أرادها الله. ولكن السؤال - في عهد النبوة وفترة تنزل القرآن - قد يجعل الإجابة عنها متعينة فتسوء بعضهم، وتشق عليهم كلهم وعلى من يجيء بعدهم .

لذلك نهى الله الذين آمنوا أن يسألوا عن أشياء يسوؤهم الكشف عنها؛ وأنذرهم بأنهم سيجابون عنها إذا سألوا في فترة الوحي في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وستترتب عليهم تكاليف عفا الله عنها فتركها ولم يفرضها :

ثم ضرب لهم المثل بمن كانوا قبلهم - من أهل الكتاب - ممن كانوا يشددون على أنفسهم بالسؤال عن التكاليف والأحكام . فلما كتبها الله عليهم كفروا بها ولم يؤدوها . ولو سكتوا وأخذوا الأمور باليسر الذي شاءه الله لعبادة ما شدد عليهم ، وما احتملوا تبعة التقصير والكفران .

ولقد رأينا في سورة البقرة كيف أن بني إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة ، بلا شروط ولا قيود ، كانت تجزيهم فيها بقرة أية بقرة . . أخذوا يسألون عن أوصافها ويدققون في تفصيلات هذه الأوصاف . وفي كل مرة كان يشدد عليهم . ولو تركوا السؤال ليسروا على أنفسهم .

وكذلك كان شأنهم في السبت الذي طلبوه ثم لم يطيقوه! . .

ولقد كان هذا شأنهم دائماً حتى حرم الله عليهم أشياء كثيرة تربية لهم وعقوبة!

وفي الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « ذروني ما تركتكم . فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم » .

وفي الصحيح أيضاً : « إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدوداً فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها . وسكت عن أشياء رحمة بكم - غير نسيان - فلا تسألوا عنها » .

وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً ، من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته » .

ولعل مجموعة هذه الأحاديث - إلى جانب النصوص القرآنية - ترسم منهج الإسلام في المعرفة . .

إن المعرفة في الإسلام إنما تطلب لمواجهة حاجة واقعة وفي حدود هذه الحاجة الواقعة . . فالغيب وما وراءه تصان الطاقة البشرية أن تنفق في استجلائه واستكناهه ، لأن معرفته لا تواجه حاجة واقعية في حياة البشرية . وحسب القلب البشري أن يؤمن بهذا الغيب كما وصفه العليم به . فأما حين يتجاوز الإيمان به إلى البحث عن كنهه؛ فإنه لا يصل إلى شيء أبداً ، لأنه ليس مزوداً بالمقدرة على استكناهه إلا في الحدود التي كشف الله عنها . . فهو جهد ضائع . فوق أنه ضرب في التيه بلا دليل ، يؤدي إلى الضلال البعيد .

وأما الأحكام الشرعية فتطلب ويسأل عنها عند وقوع الأقضية التي تتطلب هذه الأحكام . . وهذا هو منهج الإسلام . .

ففي طوال العهد المكي لم يتنزل حكم شرعي تنفيذي - وإن تنزلت الأوامر والنواهي عن أشياء وأعمال - ولكن الأحكام التنفيذية كالحدود والتعازير الكفارات لم تتنزل إلا بعد قيام الدولة المسلمة التي تتولى تنفيذ هذه الأحكام .

ووعى الصدر الأول هذا المنهج واتجاهه؛ فلم يكونوا يفتون في مسألة إلا إذا كانت قد وقعت بالفعل؛ وفي حدود القضية المعروضة دون تفصيص للنصوص ، ليكون للسؤال والفتوى جديتهما وتمشيهما كذلك مع ذلك المنهج التربوي الرباني :

كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يلعن من سأل عما لم يكن . . ذكره الدارميّ في مسنده . . وذكر عن الزهري قال : بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول إذا سئل عن الأمر : أكان هذا؟ فإن قالوا : نعم قد كان ، حدث فيه بالذي يعلم . وإن قالوا : لم يكن ، قال : فذروه حتى يكون . وأسند عن عمار ابن ياسر - وقد سئل عن مسألة - فقال : هل كان هذا بعد؟ قالوا : لا . قال . دعونا حتى يكون ، فإذا كان تجشمناها لكم .

وقال الدراميّ : حدثنا عبدالله بن محمد بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض ، كلهن في القرآن ، منهن : {يسألونك عن الشهر الحرام} {ويسألونك عن المحيض} وشبهه . . ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم .

وقال مالك : أدركت هذا البلد ( يعني المدينة ) وما عندهم علم غير الكتاب والسنة . فإذا نزلت نازلة ، جمع الأمير لها من حضر من العلماء ، فما اتفقوا عليه أنفذه . وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله - صلى الله عليه وسلم !

وقال القرطبي في سياق تفسيره للآية : روى مسلم عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ، ووأد البنات ، ومنعاً وهات . وكره لكم ثلاثاً : قيل وقال؛ وكثرة السؤال ، وإضاعة المال » . قال كثير من العلماء : المراد بقوله : « وكثرة السؤال » : التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطعاً ، وتكلفاً فيما لم ينزل ، والأغلوطات ، وتشقيق المولدات . وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلف . ويقولون : إذا نزلت النازلة وفق المسؤول لها . .

إنه منهج واقعي جاد . يواجه وقائع الحياة بالأحكام ، المشتقة لها من أصول شريعة الله ، مواجهة عملية واقعية . . مواجهة تقدر المشكلة بحجمها وشكلها وظروفها كاملة وملابساتها ، ثم تقضي فيها بالحكم الذي يقابلها ويغطيها ويشملها وينطبق عليها انطباقاً كاملاً دقيقاً . .

فأما الاستفتاء عن مسائل لم تقع ، فهو استفتاء عن فرض غير محدد . وما دام غير واقع فإن تحديده غير مستطاع . والفتوى عليه حينئذ لا تطابقه لأنه فرض غيرمحدد . والسؤال والجواب عندئذ يحملان معنى الاستهتار بجدية الشريعة؛ كما يحملان مخالفة للمنهج الإسلامي القويم .

ومثله الاستفتاء عن أحكام شريعة الله في أرض لا تقام فيها شريعة الله ، والفتوى على هذا الأساس! . . إن شريعة الله لا تستفتى إلا ليطبق حكمها وينفذ . . فإذا كان المستفتي والمفتي كلاهما يعلمان أنهما في أرض لا تقيم شريعة الله؛ ولا تعترف بسلطان الله في الأرض وفي نظام المجتمع وفي حياة الناس . . أي لا تعترف بألوهية الله في هذه الأرض ولا تخضع لحكمه ولا تدين لسلطانه . . فما استفتاء المستفتي؟ وما فتوى المفتي؟ إنهما - كليهما - يرخصان شريعة الله ، ويستهتران بها شاعرين أو غير شاعرين سواء!

ومثله تلك الدراسات النظرية المجردة لفقه الفروع وأحكامه في الجوانب غير المطبقة . . إنها دراسة للتلهية! لمجرد الإيهام بأن لهذا الفقه مكاناً في هذه الأرض التي تدرسه في معاهدها ولا تطبقه في محاكمها! وهو إيهام يبوء بالإثم من يشارك فيه ، ليخدر مشاعر الناس بهذا الإيهام!

إن هذا الدين جد . وقد جاء ليحكم الحياة . جاء ليعبد الناسَ لله وحده ، وينتزع من المغتصبين لسلطان الله هذا السلطان ، فيرد الأمر كله إلى شريعة الله ، لا إلى شرع أحد سواه . . وجاءت هذه الشريعة لتحكم الحياة كلها؛ ولتواجه بأحكام الله حاجات الحياة الواقعية وقضاياها ، ولتدلي بحكم الله في الواقعة حين تقع بقدر حجمها وشكلها وملابساتها .

ولم يجىء هذا الدين ليكون مجرد شارة أو شعار . ولا لتكون شريعته موضوع دراسة نظرية لا علاقة لها بواقع الحياة . ولا لتعيش مع الفروض التي لم تقع ، وتضع لهذه الفروض الطائرة أحكاماً فقهية في الهواء!

هذا هو جد الإسلام . وهذا هو منهج الإسلام . فمن شاء من « علماء » هذا الدين أن يتبع منهجه بهذا الجد فليطلب تحكيم شريعة الله في واقع الحياة . أو على الأقل فليسكت عن الفتوى والقذف بالأحكام في الهواء!

ويبدو - بالاستناد إلى رواية مجاهد عن ابن عباس - رضي الله عنه - ومن قول سعيد بن جبير كذلك في أسباب نزول الآية : ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم . . . ﴾ أن من بين ما كانوا يسألون عنه أشياء كانت في الجاهلية .

هداية وتدبر[3]

1.  كان المسلمون الأولون كثيرى السؤال للنبى - صلى الله عليه وسلم - عن أحكام، يسألونه عن أمور يشددون بها على أنفسهم، ويسألونه عن أمور تتجافى عن مبادئ الإسلام، ولكن لم يئن وقت تحريمها - لأن الإسلام شريعة عامة خالدة، وقد ابتدأ مخاطبا العرب بهذه الأحكام، ومنها من لم يكن عندهم أنس بتحريمها فاحتاجوا إلى التدرج، حتى يشربوا روح الإسلام، فينزل عليهم التحريم، وقد استأنست قلوبهم ببعض معالي الإسلام، ولقد كان منهم مخلصون يطلبون الحق فى الأمور، ولا يلتفتون إلى مبادئ التدرج فى الشرع، ومنهم غير مخلصين يريدون الإعنات، ومنهم بين أولئك وهؤلاء من يظهرون بألسنتهم التفقه والذين طلبوا التشديد.

2.  يُؤَدِّبُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ أنْ يَسْألُوا عَنْ أشْيَاءَ لاَ فَائِدَةَ لَهُمْ فِي السُؤَالِ عَنْهَا ، وَعَنِ التَّنْقِيبِ عَنْ خَفَايَاهَا ، لأَنَّها إنْ ظَهَرَتْ لَهُمْ تِلْكَ الأشْيَاءُ رُبَّمَا سَاءَتْهُمْ ، وَشَقَّ عَلَيْهِمْ سَمَاعُهَا.

3.  وهذا حكم لا يختص بحياته - صلى الله عليه وسلم - فقط، ولا يخص الصحابة دون من بعدهم، بل فرض علينا نحن امتثال أمره، واجتناب نهيه، وترك البحث والتفتيش عما سكت عنه. وليس ذلك الترك جهلاً وتجهيلاً لحكمه، بل إثبات لحكم العفو وهي الإباحة العامة، ورفع الحرج عن فاعله.

4.  في الآية دليل على كراهة كراهية الإلحاف في السؤال والتقعر في الأسئلة والتنطع فيها والسؤال لغير حاجة وفي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعاً وهات، وكره لكم ثلاثاً: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال".

5.  ما وجه أنه تعالى نهاهم عن السؤال ثم أذن لهم بقوله: ﴿وإن تسألوا عنها..﴾ الخ؟ الجواب: إن تسألوا عن غيرها مما دعت الحاجة إليه، ففي الكلام حذف مضاف.

6.  ان بنى اسرائيل كانوا يستفتون انبياءهم فى اشياء فاذا امروا تركوها فهلكوا كما سأل قوم ثمود صالحا الناقة وسأل قوم عيسى مائدة.

7.  لَمَّا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ﴾ صَارَ التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ إِلَيْكُمْ فَخُذُوهُ وَكُونُوا مُنْقَادِينَ لَهُ، وَمَا لَمْ يُبَلِّغْهُ الرَّسُولُ إِلَيْكُمْ فَلا تَسْأَلُوا عَنْهُ وَلا تَخُوضُوا فِيهِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ خُضْتُمْ فِيمَا لا تَكْلِيفَ فِيهِ عَلَيْكُمْ فَرُبَّمَا جَاءَكُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْخَوْضِ الْفَاسِدِ مِنَ التَّكَالِيفِ مَا

 يَثْقُلُ وَيَشُقُّ عَلَيْكُمْ .

8.  عَقَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا فِي كِتَابِ الاعْتِصَامِ عُنْوَانُهُ : بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَمِنْ تَكَلُّفِ مَا لا يَعْنِيهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : ﴿لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ أَوْرَدَ فِيهِ تِسْعَةَ أَحَادِيثَ[4]:

7375 - حديث سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَىْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ «. 

7376 - حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً فِى الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا لَيَالِىَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ « مَا زَالَ بِكُمُ الَّذِى رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِى بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ «. 

7377 - حديث أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ غَضِبَ وَقَالَ « سَلُونِى ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِى قَالَ « أَبُوكَ حُذَافَةُ ». ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِى فَقَالَ « أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ ». فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْغَضَبِ قَالَ إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

7378 - كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ اكْتُبْ إِلَىَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ». وَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ

7379 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ

7380 - حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه. أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ فَوَاللَّهِ لاَ تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِى مَقَامِى هَذَا ». قَالَ أَنَسٌ فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَقُولَ « سَلُونِى ». فَقَالَ أَنَسٌ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ أَيْنَ مَدْخَلِى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « النَّارُ ». فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ مَنْ أَبِى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أَبُوكَ حُذَافَةُ ». قَالَ ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ « سَلُونِى سَلُونِى ». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولاً. قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِى عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّى فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ «. 

7381 – حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَنْ أَبِى قَالَ « أَبُوكَ فُلاَنٌ ». وَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ﴾ الآيَةَ

7382 – حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ «. 

7383 - حديث ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه – قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم –

 فِى حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ لاَ يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ. فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ. فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْىُ ثُمَّ قَالَ (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى. (

9. لقد أراد الحق أن يخفف من أسئلة الناس في الأمور التي تؤدي بهم إلى المشقة والتعب وتسيء إليهم وتقبَّل الحقُّ من رسوله أسئلة المؤمنين عن القواعد الشريعة مثل سؤالهم عن الخمر والأهلة والحيض والشهر الحرام وغيرها. أما الأسئلة الأخرى فقد قال الحق في شأنها: ﴿عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.

               

[1] . جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري.

[2] . في ظلال القرآن.

[3] . انظر: زهرة التفاسير. أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. تفسير المنار. أيسر التفاسير. خواطر محمد متولي الشعراوي.