كن مسلماً... إيجابيّاً... طموحاً
كن مسلماً... إيجابيّاً... طموحاً
م. محمد عادل
فارس
نقصد بالمسلم الإيجابي:
ذلك المسلم الذي ترسَّخ الإيمان في قلبه، فهو يدفعه إلى البذل والعطاء، والتطوير
والبناء، ويجعله صاحب رسالة إلى العالمين.
والإيجابية بهذا المعنى
يجب أن تكون ملازمة للإيمان، فلا تنفك عنه أن تتخلّف إلا لعلّة!.
مظاهر الإيجابية في
شخصية المسلم
المسلم الإيجابي إنسان
متحرّك بإيمانه، طموح، عالي الهمّة، صاحب مبادرة، يتحسّس مشكلات الأمة، يبحث عن
أسبابها وحلولها، لا يتوانى عن التضحية بوقته وماله ونفسه إعلاء لكلمة الله...
ويُمكن إبراز بعض
التجليات لهذه الإيجابية فيما يلي:
1- أوّل ذلك قوة
الإيمان.
فمن قوِيَ إيمانُه، حتى
امتلأ به قلبه، واشتغل به فكره، وتوجّهت به مشاعره... فقد أصبح ربانياً يسمو فوق
الشهوات، ويُبدد الشبهات، ويتحرّك نحو المكرمات. وما أجمل ما كتب ابن قيم الجوزية
في هذا. يقول رحمه الله:
"اعلم أن أشعة لا
إله إلا الله تُبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها
نور، وتفاوت أهلها في ذلك النور – قوة وضعفاً – لا يحصيه إلا الله تبارك وتعالى،
فمنَ الناس مَن نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم من نورُها في قلبه كالكوكب
الدّرّي، ومنهم من نورها كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج
الضعيف، ولذلك تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار،
بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة، علماً وعملاً، ومعرفةً وحالاً. وكلما عَظُم
نور هذه الكلمة واشتدّ، أحرق من الشهوات والشبهات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما
وصل إلى حال لا يُصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنباً إلا أحرقه، وهذا حال الصادق في
توحيده، الذي لم يشرك بالله شيئاً، فأي شهوة أو ذنب أو شبهة دنت من هذا النور
أحرقتها، فسماء إيمانه قد حُرست بالنجوم من كل سارق لحسناته، فلا ينال منها السارق
إلا على غرَّة وغفلة لابدّ منها للبشر، فإن استيقظ وعلم ما سُرِق منه، استنقذه من
سارقه، أو حصّل أضعافَه بكسبه، فهو هكذا أبداً مع لصوص الجنّ والإنس، وليس كمن فتح
لهم خزانته وولّى لهم ظهره".
2- الجد والنشاط
وعلو الهمّة، وتجاوز ما يحسَبه الناس مستحيلاً.
حين نجد بعض أبناء
الإسلام وبناته، يوجّهون اهتماماتهم، ويقضون أوقاتهم، ويصرفون أموالهم... في أمور
تافهة، بعضها من المباح، وكثير منها مكروه أو حرام... ولا يكادون يحسُّون
بمسؤولياتهم تجاه أنفسهم وأهليهم وأمتهم.. فاعلم أنهم سلبيّون أو أصفار.. إنما
يُحسَبون من القوم في التعداد السكاني فحسب!.
يُحدّثنا الإمام الشهيد
حسن البنّا رحمه الله عن حاله وبعض إخوانه في المرحلة التي مهَّدت لتشكيل الجماعة.
يقول:
"ليس يعلم أحد، إلا
الله، كم من الليالي كنا نقضيها، نستعرض حال الأمة وما وصلت إليه في مختلف مظاهر
حياتها، ونحلّل العلل والأدواء، ونفكر في العلاج، والخَلِيُّون يتسكّعون بين
المقاهي، ويتردّدون على أندية الفساد والإتلاف... (يقول أحدهم): أقتل الوقت! وما
درى هذا المسكين أن من يقتل وقته إنما يقتل نفسه، فإنما الوقت هو الحياة".
ما أبعد البونَ بين من
يعيش لشهواته، ويبحث عن مصالحه المادية القريبة، ولا يكاد يُبالي بما يجري حوله،
فإذا طرقَ سمعَه شيء من آلام المسلمين ومعاناتهم تغافَلَ عن ذلك، لأن تغيير حالهم –
في ظنّه – مستحيل... وبين من يعلم أنه خُلِقَ لعبادة الله، وأنه ملاقٍ ربه فمحاسبُه
عن عُمُرِه وشبابه وماله وعلمه... فهو يكدّ وينشط فيما يعود عليه وعلى أمته... في
الدنيا والآخرة، بالخير والسعادة... لا يرضى بالدون، بل يطمح إلى المعالي:
إذا غامرتَ في شرفٍ
مَرُومٍ فلا تقنـع بما دون النجومِ
فطـعم الموت في أمرٍ
حقيرٍ كطعم الموت في أمرٍعظيمِ
وماذا بعد الموت: نعيم
أبداً، أو جحيم أبداً.
كم من الناس تقلّبوا في
الملذّات والشهوات حيناً من الدهر، ثم انقلبت بهم الحال، فإذا هم يحسُّون بالحرمان،
ويتذكّرون أيام اللذات كما يتذكر النائم حُلُماً، فماذا تكون حال الذين نسُوا الله،
وانغمسوا في لهوهم... ماذا تكون حالهم يوم يقفون بين يدي الله؟ قال:
}كم
لَبِثْتم في الأرض عَدَدَ سنين؟ قالوا: لَبِثْنا يوماً أو بعضَ يومٍ فاسأل
العادّين. قال: إن لَبِثتم إلا قليلاً لو أنّكم كنتم تعلمون{
المؤمنون:112-114.
المسلم الذي تعمّق
الإيمانُ في قلبه يعلم أن الله خلقه ليَبْلُوَ عمله: }الذي
خلق الموتَ والحياة لِيَبلوكم أيّكم أحسنُ عملاً{
الملك:2. فهو حريص على أن يكون أحسنَ عملاً، لا يرضى بالدون وهو قادر على الأفضل.
بل هو دائماً في تطوير وتحسين، وجهاد ضد الفساد والظلم والظلام.
وقد أثنى الله تعالى
على المؤمنين الذين لا يسألون ربهم أن يجعلهم من المتّقين فحسب، بل يقولون:
}واجْعَلْنا
للمتّقين إماماً{
الفرقان:74.
والنبي
صلى الله عليه وسلم
يعلّمنا علو الهمة: "إذا سألتم الله فسَلوه الفردوس الأعلى" رواه البخاري.
3- التسامي على
الواقع، والخروج على النمطية
الواقع الذي يعيشه
الناس يكون له ثقل على تفكيرهم ومشاعرهم، حتى يحسبوا أنه الأمر الذي لا فكاك منه،
فيُوطّنوا أنفسهم على التعايش معه، وقد يفكّر بعضهم بإدخال تعديلات طفيفة هنا
وهناك. ولو استمر الناس على هذا، لركدت حياتهم وأسِنَتْ. إن المسلم لا يغفُل عن
الواقع الذي يعيشه، لكنه لا يستسلم لمواضعاته، إنما ينطلق منه نحو وضع أفضل. لقد
خلقه الله في هذه الأرض ليعمرها وفق منهجه سبحانه، فلابد له أن يستخدم ما يسمّى
اليوم بالعصف الذهني، فيخرج عن المألوف، ويتجرّأ على تغيير أعراف الناس ومألوف
حياتهم، بما ينسجم مع منهج الله ودور المسلم في الأرض.
4- مصارحة النفس
ومواجهة الحقائق
النفس تُؤْثِر – في
كثير من الأحيان – الدّعة والهدوء والسلامة والكسل... ويصعب على صاحبها أن يواجهها
بالحقيقة، لأن في هذه المواجهة إدانةً لها. لذلك يلجأ إلى ألوان من المسوّغات التي
تموِّه الحقيقة، وتعطيه عذراً في القعود عن المعالي، والتصدّي لجهاد أعداء الداخل
والخارج... فتراه يُرضي نفسه بعبارات تدفع عنه الجبن والخنوع والكسل والإخلاد إلى
الأرض واتباع الهوى، فيقول مثلاً: هذا الأمر طيب فعلاً، وسأبدأ به في الشهر القادم،
فإذا جاء الموعد تغافل عنه أو اتّخذ موعداً أبعد، وهكذا.
أو يقول: قبل أن أباشر
ذلك العمل عليّ أن أعدَّ نفسي بالعلم والتربية. وهذا أمر صحيح، ولكنه غالباً ما
يكون تسويغاً للقعود فحسب، فكلّما دعاه داعي العمل تعلّل به، ولعلّ الأيام تمضي به
فلا أَعَدّ نفسَه، ولا باشر العمل.
أو يُردّد مع القاعدين:
"العين لا تقاوم المخرز" و"اليد الواحدة لا تصفّق" و"الزهرة لا تشكّل ربيعاً"
و"اليد التي لا تستطيع أن تعضّها قبّلها وادعُ عليها بالكسر"...
إنه إن صارح نفسه عرف
حقيقة هذه الأعذار والأوهام، واتّخذ نقطة البداية والانطلاق، فصاحَبَ أصحابَ الهمم
العالية، وقرأ سير العظماء ليعرف كيف حطّموا الأوهام وتجاوزوا العقبات - وأعظم
هؤلاء العظماء رسول الله صلى الله عليه وسلم
- وعندئذ أعاد ترتيب أولوياته، ودفع عن نفسه الكسل والتقاعس، وكان إعداد نفسه جزءاً
من المشروعات الكبيرة، وليس عائقاً له دون إنجازها.
وإذا كانت النفوس
كباراً تعبت في مرادها الأجسامُ