في ضيافة ملك الملوك
عبد المعز الحصري
ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
نحن معاشر المسلمين نعلم علم اليقين أننا نعيش في هذه الدنيا في ضيافة ملك الملوك سبحانه جلّ في علاه وتقدست أسماؤه وصفاته ،
فنحن نأكل على مائدته ونمشي في أرضه وننام ونستيقظ بمعيته ونعيش بلطفه ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ).
وما عليتا الا التوكل عليه حق التوكل حتى يرزقنا الله كما يرزق الطير وعلينا القيام بأعظم مهمة وكلنا بها الا وهي الدعوة الى الله وتبتدىْ من الاقربين حتى تعم الارض ومن عليها " وما من دابّة في الارض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها .." القرآن الكريم "
وللعلم فان عباد الله – تشمل المسلم والكافر – كلهم في الدنيا في ضيافة الرحمن أما الكافر في الآخرة ليس فيها من نصيب - من ضيافة الرحيم عزّ وجل ّ - بل له جهنم وبئس المصير .
واذا كنا كلنا عبيد لله – فما على العبيد الا خدمة الملوك –
والله هو ملك الملوك فعلينا طاعته وتنفيذ أوامره كما يحب حتى ننال رضاه وننعم بقربه وأقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد بين يديه وفي هذا تذكرة للمؤمن بخدمة مولاه والتخلق بأخلاق الله كل حسب موقعه واستطاعته ، (( ولايزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله )) الحديث ،
وهذا الحديث هو في التأخر عن الصف الاول في الصلاة ، ولقد كنت أرى سيدي الوالد رحمه الله يقوم الى جميع أعماله قبل أن يكمل طعامه ولم يكن لديه وقت معين لوجباته الغذائية الاساسية أولراحته وكنا نفرح ونحن في عمر البراعم باجتماعنا معه على مائدة الافطار في رمضان وكان يقوم الى امامة الناس في الصلاة قبل أن نشبع نحن ، وماذلك الا لكثرة أشغاله واهتمامه بأمر المسلمين .
واعلم أنّ كل طاعة تؤديها فأنت في ضيافته سبحانه وتعالى ،
قال صلى الله عليه وسلم " من غدا الى المسجد أوراح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح " متفق عليه
وفي رمضان يتفضل الكريم على عباده بمضاعفة الاجر والمغفرة وكذلك في الحج وعند توبة العبد ورجوعه الى الله مخبتا ...الخ
ولئن تفاخرت الامم بعظماء قادوا شعوبهم الى الانتصارات الكبيرة وسجلت أسماء آخرين ممن حازوا قصب السبق في الاختراعات والابتكارات ،
فان الامة الاسلامية قد سمت فوق ذلك ، برجال أصلحوا الارض ومن عليها و لم يكن ليسبقهم من الرجال الا الانبياء عليهم الصلاة والسلام ، وماذلك الا لعلمهم بواجب خدمتهم للملك الديّان
فبمجرد نظرتهم الثاقبة وبصيرتهم النافذة الى ماحولهم غيروا وجه الارض وأصلحوها بهمتهم العالية
وامثال ذلك من الرجال كثير كثير ، منهم الامام الشهيد حسن البنا ( مصر ) ، والشيخ العلامة محمد الحامد ( حماة ) والفقيه المجاهد سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري ( 1 ) ( معرة النعمان ) والشيخ العالم الجليل محمد النبهاني ( حلب ) رحمهم الله والمسلمين ....
وشاهدنا هنا المربّي الكبير- عالم حلب الشهباء- الشيخ محمد النبهاني رحمه الله ،
الذي رأى ببصيرته - وهمته العالية وغيرته على الدين وأهله - القرى التي تقع جنوب حلب وهي تغرق في وحل الشهوات والجهل وهم فلاحون من أصول بدوية أشبه بالاعراب الذين مردوا في البعد عن الدين والتفكير السليم الذي يقربهم من الله تعالى ( وللامانة كان هذا في النصف من القرن العشرين اما الان فاصبح منهم المشايخ وحملة الشهادات العليا ) .
فدخل الشيخ بوقا ره وهيبته وحكمته حياتهم ، فزكىّ غرس الله في هذه الامة في مدينة حلب وجنوبها ، حتى أينعت - الغراس - واستوت على سوقها وآتت اكلها كل حين باذن ربها ،
فبنى لهم المساجد ، ووجهم من خلال اقتباسه من نور العلم النبوي الشريف الذي كان يعالج الواقع المرير ، ويضع الدواء على الجرح فيبرأ من ساعته ، حتى صارت المرأة (2) اذا قرع باب دارها ولم يكن في البيت رجل ، تضع القماش في فمها وترد بصوت خافت أن فلانا ليس هنا ،
وهكذا اصلح الشيخ القرى المجاورة لمدينة حلب الشهباء
ثم سار بهم الشيخ رحمه الله بفطنته وحكمته حتى وصل بهم الى الركن الخامس من أركان الاسلام – الحج - فأقام في قلوبهم بناء الاسلام بأركانه الخمس ، والذي كانوا لايعرفونه – الحج - الا من حيث الاسم ، وصار يحدد في كل موسم عددا من أهل القرى ومن أهل حلب حتى يكتمل نصاب طائرة تامة ، ويسير بهم الى الديار المقدسة " مكة المكرمة والمدينة المنورة على ساكنها سيدي رسول الله صلوات ربي وسلامه وبركاته من الازل الى ابد الآبدين " وتكررت هذه المواسم على نفقة الشيخ الخاصة مرات ومرات واذا بالملك فيصل رحمه الله يسمع خبر الشيخ رحمه الله ، فيرسل مندوبا يعرض على الشيخ أن ينزل هو ومن معه ضيوفا على الملك ليكرمهم ويحسن وفادتهم ،
ولكن الشيْ العجاب أنّ الشيخ بعفته و ذوقه الرفيع وأدبه الجم قال لمندوب جلالة الملك فيصل رحمه الله : بلغ سلامي وتقديري لجلالة الملك وقل له انّ الشيخ ومن معه هم في ضيافة ملك الملوك سبحانه وتعالى (3) .
وللعلم : تم بفضل الله ثم بجهود شيخنا المربي محمد النبهاني رحمه الله تحويل ملهى ومرقص مونتانا بحلب الى جامع الفرقان
فجزى الله العلما ء العاملين خيرا آمين
سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
(1) راجع محاربة الشيخ أحمد الحصري للفساد والبدع رابطة أدباء الشام
(2) قلت : انتبه أعداؤنا الى أنّ فساد المجتمع يبدأ من فساد المرأة فأ خذوا في السير وراء تشكك الناس في حجاب المراة والاختلاط وعملها وتحريرها المزيف وجندوا لذلك من أبناء جلدتنا ولاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم و انا لله وانا اليه راجعون ......
(3) للامانة العلمية وأداء الحقوق الى أهلها سمعت هذه القصة وتفضل بها عليّ الاخ الكبير المفضال الاستاذ : عبد اللطيف الصالح حفظه الله والمسلمين آمين