بر الوالدين ..
أم .. بر الأبناء ؟!
لبنى شرف / الأردن
كثيرة هي المواعظ التي تتحدث عن بر الوالدين ، و كثيرة هي الدروس التي تحكي عن عقوق الأبناء لوالديهم ، و لكن .. أما من موعظة تحكي عن بر الأبناء ، و عن عقوق الوالدين لأبنائهم ؟! . ربما تستغربون الأمر ، فما اعتاد الأب و الأم أن يقال لهما إنكما عققتما ابنكما قبل أن يعقكما ، و أنكما تستحقان أن تعاقبا قبل أن يعاقب ابنكما !! .
أيها الأب ، أنت راع و مسئول عن رعيتك ، و أنت أيتها الأم راعية و مسئولة عن رعيتك ، و أولادكما أمانة ستألان عنها يوم القيامة ، أحفظتماها أم ضيعتماها . فالولد ليس ملكا لكما ، ليس جزءا من متاع البيت تتصرفان فيه كما تشاءان ، و إنما هو هبة من الله و وديعة استودعكماها ، فهلا اتقيتما الله فيها ؟؟ ، هلا شكرتما الله على هذه النعمة و أحسنتما التصرف بها ؟ فبالشكر تدوم النعم ، و شكر الله على نعمة الولد تكون بتربيته و تنشئته على الدين ، فطرة الله التي فطر الناس عليها .
التربية يا إخوة ليست طعاما و شرابا و لباسا و غيرها من الأمور المادية ، فهذه خدمة تقدم للولد ، أما التربية فشيء أسمى و أرقى من هذا ، هي رعاية الولد وفق كتاب الله و هدي رسوله – عليه الصلاة و السلام - ، و هي العناية به من جميع النواحي : الجسدية و العقلية و الروحية و الوجدانية ، كل هذا وفق منهج الله . على الآباء و الأمهات ألا يطعموا أولادهم إلا الحلال ، فأيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به ، و أن يعنوا بلياقة أبنائهم البدنية فيعودوهم الرياضة منذ الصغر ، و أن يرتقوا بعقولهم و لا يمتهنوها بالسخافات و بكل ما لا يليق بعقل المسلم الجاد ، و أن يغرسوا في أولادهم حب الله و حب رسوله – عليه الصلاة و السلام – و حب القرآن ، و حب الصحابة و الصالحين ، و حب العلم و العلماء ، و حب الأخلاق الحميدة ، و يعودوهم بذل المعروف و الخير للآخرين ، و إغاثة الملهوف ، و التأدب مع الناس ، فقد قال عليه الصلاة و السلام : " ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن " ، و لتحرصوا على ألا يصحب أولادكم إلا الصالحين ، فالقرين بالمقارن يقتدي ، و المرء على دين خليله ، و الأخلاق تعدي ، و يجب ألا نغفل عن نقطة مهمة و هي حسن اختيار الزوج لأم أولاده ، و حسن اختيار الزوجة كذلك ، فالتربية تبدأ من هنا . بهذا و بحسن الأخذ بالأسباب ، و إخلاص النية لله من قبل ، و بحسن التوكل عليه ، ثم بتوفيقه سبحانه ، ننشئ جيلا صالحا سويا جادا يعمر الكون وفق منهج واضح و صحيح ، بتوفيق الله .
بد هذا نقول للآباء و الأمهات : إن أحسستم بالعجز ، فارفعوا أكف الضراعة إلى الله و قولوا : اللهم إنا قد عجزنا عن تأديب أولادنا ، فأدبهم لنا . و لا تنسوا أن تدعوا لأولادكم أمامهم و من ورائهم ، لا أن تدعوا عليهم ، و أعينوهم على بركم ، و لا تكونوا سببا لدخولهم جهنم ، أعاذنا الله و إياكم منها . كان أحد الصالحين يخشى أن يطلب من ولده شيئا فيعصيه ، فيكون عاقا فيدخل النار !! . أرأيتم إلى هذا الرقي في التربية !! .
ختاما ، أذكر هاتين القصتين لأخذ العبرة ، لعل الله ينير بصائرنا و يلهمنا الحكمة في تربية أولادنا . جاء رجل إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد ، و أنبه على عقوقه لأبيه ، و نسيانه لحقوقه ، فقال الولد : يا أمير المؤمنين ، أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال : بلى ، قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : أن ينتقي أمه ، و يحسن اسمه ، و يعلمه الكتاب – إي القرآن - . قال الولد : يا أمير المؤمنين ، إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك ، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، و قد سماني جعلا – أي خنفساء - ، و لم يعلني من الكتاب حرفا واحدا . فالتفت عمر إلى الرجل و قال له : جئت إلي تشكو عقوق ابنك و قد عققته قبل أن يعقك ، و أسأت إليه قبل أن يسيئ إليك ؟!! .
و مما يذكر في كتب السير : أن معاوية ابن أبي سفيان – رضي الله عنه – غضب على ابنه يزيد مرة ، فأرسل إلى الأحنف بن قيس ليسأله عن رأيه في البنين ، فقال : هم ثمار قلوبنا ، و عماد ظهورنا ، و نحن لهم أرض ذليلة ، و سماء ظليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، و إن غضبوا فأرضهم ، فإنهم يمنحوك ودهم ، و يحبونك جهدهم ، و لا تكن عليهم ثقيلا فيملوا حياتك ، و يتمنوا وفاتك .
و أخيرا ، فحتى يطيب العطاء لله ، فلابد من أن يطيب الغرس لله و بصدق ، و من أدب ابنه صغيرا ، قرت عينه كبيرا ، و الله الموفق إلى كل خير .