قبل أن ترى ما رآه
قبل أن ترى ما رآه !!
عصام ضاهر
مدرس وحاصل على دبلومة في التربية
ذات يوم حدثني صاحب لي ، عن رؤيا رآها ، وهي تتكرر معه، يراها تقريبا في كل عام مرة ، وهي وإن تغيرت أشخاصها .. وبدايتها ، لكن تبقى أحداثها .. ونهايتها واحدة ، وهذا ما أزعج صاحبي ، وأفسد عليه حياته، و دعاه إلى أن يقص عليَّ رؤيته هذه فقال " رأيت فيما يرى النائم كأن السماء قد انطبقت على الأرض ، وأن الجبال تتطاير في الهواء كالعهن المنفوش ، وأن البحار قد صارت نارا مشتعلة ، وأن مناديا قد نادى العباد – أن هلموا بالعرض على الجبار في يوم الحساب ، فاجتمع الناس من كل حدب وصوب ، ووقفوا في أرض المحشر ، وقد دنت الشمس من رؤوس العباد ، وبلغ منهم العرق كل مبلغ ، واستولى الكرب والغم والحزن على قلوبهم ، وهنا تعالت الأصوات بالبكاء ، وآهات الحسرة ، وصيحات الحزن والندم ، الكل يبكي من هول الموقف ، والكل يتحسر على الساعات التي قضاها في غير طاعة الله ، والكل يندم لأنه لم يُقدِّم لهذا اليوم الرهيب ، والكل يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ؛ ليستعد لهذا الموقف العصيب ، والكل يخشى من موقف الحساب ، فبعده إما إلى جنة وإما إلى نار، فإذا بي لا أقدر على الحركة ، ولا تستطيع قدماي أن تحملني ، وأنظر حولي ، فإذا بي أجد الصحف تتطاير ، حتى يأخذ كل صاحب كتاب كتابه ، وأجد الموازين وقد وضعت ، وعيون العباد وأفئدتهم معلقة بها ، الكل يريد أن ترجح كفة حسناته....
فقلت له : هيا بنا نتذاكر سويا بعض أحاديث المصطفى e التي تُثلج الصدور ، وتذهب الهموم، وتبدل الأحزان إلى سرور؛ وخاصة تلك التي فيها من العمل القليل ، ولكن يثاب من فعل بما فيها الثواب العظيم ، والأجر الجزيل . وخاصة أيضا تلك التي فيها سنن غفل عنها الكثير من الناس . فقال : هات ما عندك ، فكلي آذان مصغية !فقلت له :
اضمن الرزق .. في الدنيا .. والجنة في الآخرة
(عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلَامٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) عون المعبود (ج 5 / ص 383)
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ثَلاثةٌ كلهم ضامن على الله إن عاش رُزِق وكُفِيَ وإن مات أدخله الله الجنة من دخل بيته فسلم فهو ضامن على الله ومن خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله ومن خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله ) صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 77)
فعندما سمع صاحبي هذا الحديث الذي يصل بالإنسان - إن فعل وقام بما فيه - إلى درجة أنه يضمن العيش السعيد في الدنيا ، والنعيم المقيم في الآخرة – كبر فرحا مسرورا ، لأنه وجد ما لم يجده في الرؤيا ، وهو الفوز بالجنة ، والنعيم الدائم . فالأعمال التي نص عليها الحديث لا تستهلك الكثير من الجهد ، أو الوقت . فتعاهدنا سويا على الآتي :
§ الخروج في سبيل الله عن طريق زيارة مريض ، أو السعي في قضاء حوائج الناس .
§ الذهاب إلى المسجد مبكرين ، والمحافظة على السنن القبلية والتي بعد الصلاة المفروضة .
§ إفشاء السلام ، وخاصة عند دخول المنزل ، حيث إن الله تعالى يقول {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } النور (61)
حُج واعتمر .. وأنت في مكانك ... واكتب كتابك في عليين:
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين } صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 77)
§ الوضوء في المنزل قبل الذهاب إلى المسجد ، والمحافظة على دعاء الذهاب إلى المسجد " اللهم اجعل في قلبي نورا ..... "
§ المحافظة على صلاة ركعتي الضحى .
§ البعد عن اللغو في الكلام .
عهد مع الله ... فلا تدع الفرصة تفوتك ... ولا يسبقك إليه أحد :
وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من قال اللهم رب السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني إلى الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد إلا قال الله عز وجل يوم القيامة لملائكته إن عبدي عهد عندي عهداً فأوفوه إياه فيدخله الله عز وجل الجنة، قال سهيل فأخبرت القاسم بن عبد الرحمن أن عوناً أخبرني بكذا وكذا فقال ما في أهلنا جارية إلا وهي تقول هذا في خدرها) . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - (ج 4 / ص 426)
خَمْسٌ للدنيا ... وخَمْسٌ للآخرة
أخرج الحكيم الترمذي عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قال عشر كلمات عند دبر كل صلاة غداة ، وجد الله عندهن مُكفيا مُجزيا : خمس للدنيا ، وخمس للآخرة ، حسبي الله لديني ، حسبي الله لما أهمني ، حسبي الله لمن بغى علي ، حسبي الله لمن حسدني ، حسبي الله لمن كادني بسوء ، حسبي الله عند الموت ، حسبي الله عند المسألة في القبر ، حسبي الله عند الميزان ، حسبي الله عند الصراط ، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب ) كشف الخفاء - (ج 1 / ص 356)
وجه كالبدر ... وعمل من أفضل الأعمال :
عن أبي ذر – رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ( ما من عبد يقول لا اله إلا الله مائة مرة إلا بعثة الله عز وجل يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ولم يرفع لأحد يومئذ عمل أفضل من عمله ألا من قال مثل قوله أو زاد عليه ) كنز العمال - (ج 1 / ص 57
كلمات يسيرة ... تغفر الذنوب الكثيرة
عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول لنا :( معاشر أصحابي ما يمنعكم أن تكفروا ذنوبكم بكلمات يسيرة ؟ قالوا يا رسول الله : وما هي ؟ قال تقولون مقالة أخي الخضر ، قلنا يا رسول الله : ما كان يقول ؟ قال كان يقول : اللهم إنى أستغفرك لما تبت إليك منه ثم عدت فيه ، وأستغفرك لما أعطيتك من نفسي ثم لم أوف لك به ، وأستغفرك للنعم التي أنعمت بها علي فتقويت بها على معاصيك وأستغفرك لكل خير أردت به وجهك فخالطني فيه ما ليس لك ، اللهم لا تخزني فإنك بى عالم ولا تعذبني فإنك علي قادر).كنز العمال - (ج 2 / ص 700)
وهنا ناداني صاحبي : أمن كل هذا الخير العظيم قد حرمت نفسي ؟ وسبقني الكثير إليه ؟ والله لا أجد تفسيرا لتكرار هذه الرؤيا معي ؛ وتكرار النهاية والنتيجة الواحدة والمصير الغير مرغوب فيه ، إلا أنها تحمل إليَّ رسالة تحذير من التفريط في سنة الرسول e ... أعاهدك من الآن فصاعدا أن لا أتأخر أو أقصر أو أفرط في سنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم ، وسآخذ بيد الناس معي في ذلك . فسعدت بكلامه كثيرا ، وحمدت الله على ذلك ، ثم ودعته وانصرفت .