الظلم

رضوان سلمان حمدان

الظلم

صوَرٌ وجزاء

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

إذا وقفَ العبادُ على الصراطِ يومَ القيامةِ نادَى الله تعالى وقال : أنَا الله، أنَا الملك ، أنا الديان ، وعِزَّتي وجلالي لا يغادرُ هذا الصراطَ واحدٌ من الظالمين ، ثم ينادِي ملَكٌ من قِبَل الله تعالى فيقول : أينَ الظلَمَة ؟ أين أعوانُ الظلَمَة ؟ أين مَن برى لهم قلمًا ؟ أين مَن ناولهم دَواةً ؟ ثم تنادي جهنّمُ على المؤمنين فتقول: يا مؤمِن أسرع بالمرور عليَّ فإنَّ نورَك أطفأ ناري.

إذا وقف العبادُ على الصراط ، والصراطُ جسر مضروبٌ على حافّة جهنّم ، وهو أحدُّ من السيف ، وأرقّ منَ الشعرة ، فأين يذهب الظالمون ؟! ما هو مصير الظلمة ؟! وما أكثرَ الظلمة في هذه الأيّام:

(فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم: 68-72].

يُحضََرون جِثِيّا على رُكَبِهم لشدَّة ما هم فيه لا يقدرون على القيام ؛ فإنَّ الظلم ظلماتٌ يومَ القيامة.

وقد وضَّح القرآن الكريم صُورًا وأَلوانًا متعدِّدَة من صوَر الظلم المحرّم ، ومن هذه الصّوَر:

أولاً : الصّدُّ عن بيوت الله تبارك وتعالى ومنعُ الذكر في المساجد وأداءِ الصلوات ودروسِ العلم النافع ، لقول المولى تبارك وتعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [البقرة: 114].

وها هم المسلمون يُمنَعون من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء الشعائرِ الدينيّة ، لأداء الصلوات التي أمَر الله تبارك وتعالى بها.

ثانيًا: كَتمُ الشهادة عند طَلبها ، لقوله عز وجل:

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 140].

كَتمُ الشهادة وشهادةُ الزور وقَلب الحقِّ إلى باطل وضياعُ الحقوق، فكم مِن حقوق ضُيِّعت، وكم من حرمات انتُهِكت، وكم من أعراضٍ أُهينت ، وكم من دماء أُريقت ، كم من أرواح أزهِقَت ، كم من شعوبٍ اضطُهِدت ، كلّ ذلك بسبب كتمِ الشهادة وقول الحقّ ابتغاءَ مرضاة الله تبارك وتعالى. فإياك أخي المسلم أن تندرِج تحت قولِ الله تبارك وتعالى:

(وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة: 283].

ثالثًا: عدمُ الحكم بما أنزَلَ الله تبارك وتعالى وعدمُ تحكيم شريعة الإسلام، لقوله تبارك وتعالى:

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) [المائدة: 45].

فهاهم الذين لا يحكُمون بأحكام الإسلام ، ولا يعمَلون لقيام دولة الإسلام ، ودوَل الكفر تتسلَّط عليهم ، وبعضُ من يدّعي الإسلام زورًا يساعِدهم على ذلك ويزيِّن لهم أعمالهم ويصدُّهم عن السبيل المستقيم ، وذلك لخفَّة أحلامِهم وقِلّة عقولهم وهوانهم على الله.

جاء رجل إلى الإمامِ سفيان الثوريّ رحمه الله تعالى فقال : إني رجل أخيط ثيابَ السلطان ، فهل أنَا من أعوان الظلمة ؟ فقال الإمام الثوريّ : بل أنت من الظَّلمَة أنفسهم ، ولكنَّ أعوان الظلمة مَن يبيع منك الإبرةَ والخَيط.

  لهذا الفهمِ الدقيق لسلَف الأمة مِنَ الوقوع في الظلم ، فمن أعان ظالمًا على ظُلمه أو لقَّنه حجّة يدحض بها حقَّ امرئ مسلم فقد باءَ بغضب من الله تبارك وتعالى وعَليه وزرُها.

رابعًا: من ظلَم قيد شبرٍ من أرضٍ فأخذها بغيرِ حقٍّ، وهذا من أشدّ صور الظلم..

فقد جاء في الحديث الصحيح أنَّ رسول الله قال :

" أيما رجل ظلم شبرا من الأرض ؛ كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين ، ثم يطوقه إلى يوم القيامة حتى يقضى بين الناس ".

والمراد : أنّه يُعاقّب بالخسف إلى سبعِ أرَضين، أي: فتكون كل أرض في تلك الحالة طَوقًا في عنقه.

يقول الله تبارك وتعالى:

(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم: 42].

فيا من زلَّت قدمه بظلم أخيه في الدنيا، بادر إليه ، واطلب منه أن يسامحَك ، وتحلَّل من مظلَمَتك في الدنيا قبل أن لا يكونَ دينار ولا دِرهم ، وإنما يكون التعامُل هناك والعُملة الصَّعبَة يوم القيامة هي الحسنات والسيِّئات ، لأنّنا سنكون حفاةً عراةً لا نملك شيئًا ، فاستبرئ ذمَّتَك في الدنيا قبل الآخرة ، اذكُر عندَ الظلم عدلَ الله فيك ، وعند القوّة قدرةَ الله عليك.

لا تملؤوا أعينَكم من أعوان الظلمة إلا بإنكارٍ من قلوبكم ؛ لئلاَّ تحبط أعمالُكم الصالحة ، واحذروا غضبَ الله ؛ فإنه يمهل ولا يهمل.

لا تظلِمَنّ إذا مـا كنـتَ مقتدرًا        فالظلـمُ يرجع عقبـاه إلى النّدمِ

تنـامُ  عيناك والمظلـومُ منتبِه        يدعـو عليـك وعيْن الله لم تَنَمِ   

عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة)" أخرجه البخاري ومسلم . (هود 102)

، ومعنى "يملي للظالم" أي: يمهِله ولا يعاجِله بالعقوبة، ومعنى "إذا أخذه لم يفلِته" أي: إذا أهلَكَه لا يرفَع عنه الهلاكَ أبدًا.

(رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس: 85، 86].

   الحقُّ ضائعٌ في هذه الأيّام ، والإسلام ليس فيه محسوبيّة ، ليس فيه شِقاق ونفاق ، ونحن بحاجَة إلى بِناء النفوسِ وتَربيَتِها .. نفوسُ المجتمع خَرِبة ، تنعق فوقها الغِربان ، الهزائمُ تتوالى علينا ؛ لأنّ نفوسنا ليست صالحة ، لا تعرف المولى تبارَك وتعالى، (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)] التوبة:67]

 فإذا أرادت أمّتنا اليومَ أن تعود إلى الحقّ فيجب عليها أن تقلِّم أظافِرَ الطغاةِ ، إذا أرادت الفتحَ المبينَ فيجِب عليها أن تفتَحَ القلوب لذكرِ الله تبارك وتعالى ، إذا أرادت أن تعيش حياة طيّبَة فبناء النفوس على طاعة الله ووَحدانيّته ، وتربية الأولادَ على طاعته ، بأن  يترُكوا التسكع في الشوارع وأمام مدارس البنات والجامعات ، كفى فَسادًا وإفسادًا ، كفى لهوًا ولعبًا وطُغيانًا ، الأوضاعُ صَعبة ، والأحوال مريرَة.