معركة عين جالوت

رضوان سلمان حمدان

درس رمضاني

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

في رمضان سنة 658هـ كانت معركة عين جالوت؛ حيث انتصر المسلمون في مصر والشام على جحافل المغول الذين أقبلوا من أواسط آسيا وشرقيها ينشرون الدمار والموت، ويقضون في زحفهم المريع على كلِّ مدنية، وتدوس سنابك خيولهم على جثث مئات الألوف من البشر، وتعبر نهر دجلة فوق أكداس الكتب التي تحوي عصارة أزهى حضارات الأرض، والتي امتلأ بها النهر حتى اسودَّت مياهه بأحبارها.. وقتلوا في بغداد آخر خليفةٍ عباسي بها، وأزهقوا أرواح نحو مليون من البشر أو يزيدون في أيامٍ معدوداتٍ نَحِسات.. انضافوا إلى ملايين آخرين قتلوهم بغير رحمةٍ في زحفهم الأسود، فقد قتلوا في "مرو" وحدها زُهاء سبعمائة ألف نفس.. وكما حلَّ بلاؤهم ببلاد الإسلام امتدت طلائعه إلى شرق أوروبا فباتوا يهددون العالم كله.. فكان تصدي المسلمين لهم وانتصارهم عليهم إنقاذًا للبشرية كلها وللحضارة الإنسانية؛ حيث كانت.

 

لقد أدركت قيادة المسلمين وسلطانهم المظفر قطز أنهم يخطون تاريخًا مجيدًا له ما بعده، وتكاتفت الأمة خلف قادتها يحركها علماء كبار على رأسهم الرجل الرباني العز بن عبد السلام، يحيون فيها معاني الجهاد وقيمة الاستشهاد، ويذكرونها بدورها الرائد الذي أراده الله لها.. {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} آل عمران: من الآية 110 {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} البقرة: من الآية 143.. ولما حمي الوطيس وحانت اللحظة الفاصلة في تاريخ الأمة والعالم ترجَّل السلطان قطز عن جواده صارخًا في جنده: "وا إسلاماه"، طالبًا الشهادة، فكُتبت له الحياةَ ولأمته ولقيم التحضر والبناء، لا الهمجية والهدم.

وبعد:

هذا مثال من انتصاراتنا الكبرى في رمضان، صاغتها سواعد الصائمين، وصنعتها أرواحهم الزكية ودماؤهم الطاهرة، فقدَّموا للبشرية وللإنسان غدًا أفضل، وحمَوا حضارته ومنجزاته، وانتقلوا بها إلى الأمام خطوات أبعد ومدارج أرقى.

إن رمضان شهر القرآن والصوم نراه صاحب فضلٍ غير مسبوق، ليس على المسلمين فحسب بل على العالم أجمع.. وعلى الإنسان في كلِّ مكان.. فهل يُدرك المسلمون اليوم ما في أيديهم من خير، وما في تاريخهم من مجد؟ وما يمكن أن يقدموه للبشرية الحائرة اليوم من هدايةٍ ورشاد؟؟ وهل يدركون أن تراجعهم عن ذلك الدور الذي أراده الإسلام لهم كان خسارةً جسيمةً يدفعون ثمنها هم ومَن سواهم، حيث يفسحون المجال لقوى التدمير والشر التي جعلت الحياة أكثر بؤسًا وكآبةً، وجعلت الإنسان مسخًا يتخبط في الحياة على غير هدى، ولا يرى له سعادة إلا في شقاء الآخرين، ولا يعلو بناؤه إلا على أنقاض أحلام البسطاء والمستضعفين؟؟