علموا أهليكم حب الله أولاً
في حب الله
(8)
عبد المعز الحصري
علموا أهليكم حب الله أولاً
الحمد لله الذي غرس الحب في قلوب خلائقه وسقاها بماء المكرمات وجعل الجنة دار المحبين وجعلها منازل ودرجات وذلك لتفاوت الناس في حبهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
يجدر بنا نحن معاشر المسلمين أن نعلم أولادنا حب الله أولا ،
وهذا يتطلب منا تعليمهم – حتى ولو كانوا صغارا - حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وتعليمهم الحلال والحرام ، جاء في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : أخذ الحسن بن علي – رضي الله عنهما – تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كخ ... كخ .. ارم بها , أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ))
قال النووي رحمه الله وقوله : كخ .. كخ ... يقال بإسكان الخاء ويقال بكسرها مع التنوين وهي كلمة زجر للصبي عن المستقذرات وكان الحسن – رضي الله عنه – صبياً صغيراً
الحب ليس فيه محل لبرودة العواطف والأحاسيس بل هو شعلة تضيء للسالكين طريق وصولهم إلى الله جل جلاله (هو المحبوب الأول )
وعلى الأسرة الإسلامية أن يكون الحب بين أفرادها متبادلاً وطاهراً وعلى ذوق ومستوى رفيعين حتى يتدرب أولادنا على الحب الذي يرضي الله ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ولديه – أي حفيديه - الحسن والحسين رضي الله عنهما . وهذا الامام علي _رضي الله عنه – يخاطب السواك وهو في فم الطاهرة الزهراء البتول رضي الله عنها
لوكان غيرك يا سوا ك قتلته = مافا ز مني ياسواك سوا كا
إن الحب بين الزوجين في الإسلام يبدأ من اللقاء الأول حتى الرمق الأخير وليس شهر عسل كما يسمّونه ،
ففي صحيح البخاري أن عائشة – رضي الله عنها - كانت تقول : ( من نعم الله عليّ أن ر سول الله صلى الله عليه وسلم توفيّ في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي ...) ويقبل إحدى أزواجه وهو صائم صلى الله عليه وسلم ، وينادي عائشة قائلاً يا عا ئش ، تحببا وتكرما منه صلى الله عليه وسلم ، ولا ينس صلى الله عليه وسلم حبه لخديجة ( رضي الله عنها ) حتى بعد وفاتها ، وقد رأيتُ شبيه ذلك عملياً من سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري رحمه الله ، عندما نزور قبر والدتي يقول سيدي رحمه الله : اجعلوا قبري هنا ، ويشير بيده إلى جوار قبر والدتي رحمها الله - ( سمعت هذا من سيدي أكثر من مرة ) - و تسيل عيناه بالدمع لذكرها بعد وفاتها بعشرين سنة رحمهما الله والمسلمين آمين اللهم آمين . فعلينا ألا نخجل أو نستحي ِبإظهَار الحب فيما بين الأسرة الواحدة ضمن الآداب الشرعية والذوق الرفيع وقد رأيت سيدي الوالد وأنا صغير يطعم زوجه وذلك إقتداءً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ،
سأل عمرو بن العاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك قال : عائشة . فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم أي ؟ قال : ثم عمر بن الخطاب ، فعد رجالاً . رواه البخاري 3662 ومسلم 2384 إن من حبّ الله لنا أن كل مولود يولد على الفطرة وهذا يقتضي منا أن نربط كل النّعم التي نغدقها على أطفالنا أنها من الله المنان حتى ينشأ حب الله لديهم .
وهنا أذكر حادثة على سبيل الفكاهة أنه ذات يوم أحضر أحد الآباء لابنه الصغير حذاء (نعل) يضيء ويخرج منه صوت موسيقى فأعجبه الولد وأبى إلا أن ينام وهو لابسه وفي الصباح وعلى مائدة الطعام سأل الوالد ابنه كم تحبني فأجاب الولد احبك يا أبي بقدر حبي للحذاء (النعل) وتبسم الجميع من هذا الجواب الصريح .
إن من الخطأ أن نعلم أولادنا الحقد والحسد والشحناء والبغضاء والحرص والجشع وعلينا أن نعطيهم دروساً عمليةً تتجلى في حب الله وما يحبه الله وأذكر سيدي الوالد رحمه الله كان يأ خذ ني معه إلى حضور صلاة الجماعة في الجامع الكبير - وأنني نمت في سجود التراويح - ويغدق علي بالمال والحلوى هذه واحدةٌ وغيرها كثير وأهم ما في ذلك أنه رحمه الله يبدأ بالأعمال هو بنفسه أولاً ،
وأعرف أحدهم كان يصلي القيام وهو يقرأ من المصحف ودون أن يأمر أحدا من أهل بيته بذلك فقال لي بعد فترة قصيرة اذا بزوجه وبعض أولاده يصلون صلاة القيام ويقراؤن من المصحف في رمضان المبارك .
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي ) أخرجه الترمذي 3789 ، والحاكم في المستدرك 4716 .
وهذا حوار في الحب – بين الأب و ابنته ( في بيت كان الحب فيه صامتاً ) - البنت هي الأميرة الصغيرة و اسمها ( فرح ) - وهي في الربيع الرابع من عمرها - .
فرح: يا أبتِ من تحب أكثر ؟ .
الأب : أحبُ الله تعالى لأنه هو خَالِقنا ورازقنا
فرح : ومن تحب أيضاً ؟ .
الأب : أحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه سبب هدايتنا .
فرح : ومن تحب يا أبتِ ؟ .
الأب : أحب آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا واجبٌ علينا .
فرح : - بنبرة قوية – يا أبي قل لي من تحب أيضاً ؟ .
الأب : أحبُ أبي وأمي فإن لهم حقٌ عليَّ كبير وهذا من برهما .
فرح : تنظر إلى الغرفة التي فيها أمها – أعني يا أبي هل تحب أمي ؟ .
الأب : نعم نعم أحبها أيضا .
هذا الحوار – الذي كان فيه الحب صامتا – يذكرني بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكمُ الأممَ يومَ القيامةِ ) الحديث.
وتعرف البنت أنها ودود من حال وتصرف وسيرة أمها وعمتها وخالتها ، ويذكرني أيضا بأن الإسلام يأمرنا إذا أحب الرجل الرجل فعليه أن يُعلِمَهُ بذلك وبهذا ينتشر الحب الخالص لله ففي الحديث ( إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليُعلِمهُ فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة ) صحيح الجامع 280 .
علينا أن نعلم أولادنا النطق بكلمة التوحيد – لا اله إلا الله – وإن كان الولد صغيراً نعلمُهُ لفظَ الجلالة - الله - وحدثت معي حادثة أذكرها للفائدة العلمية و واجبنا نحو أطفالنا
كنت أزور أختي وكان لديها مولود عمره يوم واحد وكنت أحمله - وأنظر إلى عينيه وأفتح فمي و أضع لساني خلف أسناني العليا - وأقول الله الله ..الله الله ..الله الله وبعد بضع جلسات وبالضبط في اليوم السابع نطق المولود بصوت واضح ومسموع سمعه من حولي يلفظ اسم الجلالة مرتين قا ئلا : الله الله .
وفي هذه العجالة لابد من ذكر وصايا لقمان لابنه – رحمه الله آمين – قال الله تعالى " وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) " من سورة لقمان
قلتُ : من خُبثِ أعدائنا أنهم فطنوا إلى محاربتنا و قطع أصولنا من الجذور فتم إلغاء الكتاتيب – التي تعمد إلى تحفيظ أولادنا القرآن – ثم تطاولوا في ذلك لإبعادنا عن اللغة العربية فأدخلوا الإنجليزية إلى التمهيدي من تعليمنا ......الخ فأضاعت أمتنا العلم والعمل معاً فصرنا كأحجار شطرنج في ساحة العالم يركلنا كل خبيث نتن جبان يخاف من عواء الثعلب ،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين