وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

كيف يكون موقف الداعية المسلم المؤمن من منهج الله سبحانه وتعالى؟!..

إننا في عصرٍ تعدّدت فيه مناهج الحياة ومشروعات الأمم، وبرز فيه الجدل حول منهج الله عز وجل، الذي نؤمن بأنه الخير المحض، وبأنّ سعادة الإنسان وتحقيق المساواة والعدل بين البشر.. مرتبطٌ به وبتنفيذه تنفيذاً عصرياً يناسب زماننا الذي نعيشه.. تنفيذاً متطوِّراً يتلاءم مع مقتضيات الحياة الجديدة التي يعيشها الناس في هذه الأرض.. تنفيذاً مدنياً مرتبطاً بالأصول والجذور التي تشدّنا ارتباطاً وثيقاً.

إننا لا نُرهَبُ بالفزّاعات الكرتونية، التي يستخدمها بعض الذين أغرتهم المناهج البشرية الوضعية، التي تسوم الإنسان الذي يعيش في هذه الأرض سوءَ العذاب متعدّد الألوان والأصناف، فنحن واثقون من المنهج الإسلاميّ الذي نؤمن به ونسعى إلى تحقيقه، مشروعاً مدنياً يستند إلى ركنٍ ربانيٍّ شديد، ومقتنعون بأنّ في ذلك خير الإنسان وسعادته وحرّيته وكرامته وإنسانيته، وبخاصةٍ الإنسان السوريّ الذي يعاني من الاستبداد والفساد والطغيان.

إنّ متانة العلاقة وقوّتها بين المسلم ومنهج الله عز وجل، هي التي تؤهّله ليكون مسلماً حقيقياً مُنتِجاً فعّالاً يخدم وطنه، ويتفاعل مع مجتمعه مهما تعدّدت شرائح هذا المجتمع.. وهي التي تُرشِّحه كذلك، ليكون لَبِنَةً متينةً في بناء الحركة الإسلامية التي تهدف إلى تحرير السوريين، من الذلّ والعبودية لنظامٍ مجرمٍ سحق كل معاني الخير والفضيلة والكرامة لأبناء سورية.. كل أبنائها بلا استثناء.

*     *     *

نعتقد بشكلٍ حازمٍ جازم، بأنّ الموقف المهلهل المتخلخل المتردّد في تبنّيه من منهج الله سبحانه وتعالى، يحمل بين ثناياه نتيجتَيْن مُدمِّرتَيْن:

أ- سخط الله سبحانه وتعالى، وبالتالي، عدم استحقاق دعمه وتأييده ونصره على الباطل، بل انتظار عقوبته وفق السنن الربّانية الأكيدة في هذه الأرض.

ب- وفشل الحركة الإسلامية التي ننتمي إليها بأرواحنا وقلوبنا وإيماننا.. قبل أجسادنا، حين لا نُقدّم صورةً واضحةً مُشرِّفةً للعقيدة التي نعتنقها، وللفكرة التي ندعو إليها ونسعى لتكونَ متوهِّجةً متألِّقةً ملء السمع والبصر.

- لذلك، فأول معالم الالتزام بمشروعنا الذي نعتمده وندعو إليه، هي الطاعة المطلقة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).. إنّه التسليم المطلق الذي نسلكه دون تردّدٍ ومن غير أيّ حرجٍ نفسيّ.

- وثاني معالم الالتزام بمشروعنا، هي تقديم طاعتنا لربّنا جلّ شأنه ولرسولنا عليه الصلاة والسلام، في كل ظروف الحياة، أكانت صعبةً قاسيةً أم هيّنةً ليّنة، فمشروعنا الإسلاميّ الحضاريّ المدنيّ المنبثق عن منهج الله عز وجل، هو الأساس الذي يحكم علاقاتنا وسلوكنا وتفاعلنا غير المحدود مع كل محيطٍ نعيش ضمنه، لأنه الركن الشديد الذي نأوي إليه، وندور في مداراته، ونواجه العالم كله بأصول عظمته ومعاني إنسانيّته ورُقِيّه، ونُحدِّد به هُويّتنا الحضارية العربية والإسلامية، وننام ملئ جفوننا عن شواردها، مطمئنّين تمام الاطمئنان، مقتنعين تمام الاقتناع.. بنهجنا الذي نسير وفقه ولا نساوم عليه مهما غلت التضحيات. ونحن من منطلق هذا الاقتناع والاطمئنان إليه، لا نُنكِر على الآخرين مشروعاتهم ومناهجهم التي يسيرون عليها بهدفٍ واحدٍ فقط، هو تحرير الإنسان السوريّ من ظلم النظام الحاكم وديكتاتوريّته، لكننا في الوقت نفسه، نرفض أن يزاودَ علينا المزاودون، مهما أجلبوا بِخَيْلِهم ورَجِلِهِم، محاولين –عبثاً- إقصاءنا تحت يافطاتٍ مكشوفةٍ تجاوزها الزمن!.. كما نقبل أن يتنافسَ أصحابُ المشروعات المتعدِّدة تنافساً حضاريّاً شريفاً، فشعبنا شعب الحضارة والقيم والهُويّة الحضارية التي يعتزّ بها منذ فجر الإسلام حتى اليوم.. هو صاحب الحقّ باختيار المشروع اللائق به وبحضارته وبهُويّته.. نقبل هذا التنافس الشريف بين أبناء الوطن الواحد وقواه الوطنية الحيّة، ونرفض رفضاً قاطعاً كلَّ العنعنات التي تصدر بين حينٍ وآخر من هنا وهناك، وكلَّ المحاولات التي تسعى إلى ركوب مركَب نهج الاستبداد نفسه ومزاياه، مهما زعم الزاعمون، وتأوّل المتأوِّلون، وقال القوّالون.. أو قعقعوا وأجلبوا.

(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92).

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام