أعطيت ربي يقيناً
د. بدر عبد الحميد هميسه
[email protected]
اليقين شعبة عظيمة من شعب الإيمان , وهو طمأنينة القلب وثباته واستقرار العلم فيه ,
والاعتقاد الجازم بأنه لا خالق ولا معبود بحق ولا رازق إلا الله تعالى, وأنه وحده
هو الذي يعطي ويمنع , ويضر وينفع , ويخفض ويرفع , قال تعالى : " قُلْ لِمَنِ
الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ
مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)
سورة المؤمنون .
وقال : " أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ
دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ
فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ
هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ
رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
سورة الزمر .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ:كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله ، صلى الله عليه وسلم ،
يَوْمًا فَقَالَ : يَا غُلأَمُ ، إني اُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللَّهَ
يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إذا سَأَلْتَ ، فَاسْأَلِ
اللَّهَ ، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ
اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَد
ْكَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء ، لَمْ
يَضُرُّوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ ،
وَجَفَّتِ الصُّحُفُ.
أخرجه أحمد 1/293(2669) والتِّرْمِذِيّ" 2516 . الألباني( صحيح ) انظر حديث رقم :
7957 في صحيح الجامع .
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلَاحُ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
بِالزُّهْدِ وَالتَّقْوَى، وَهَلَاكُ آخِرِهَا بِالْبُخْلِ وَالْفُجُورِ " الطبراني
7/332 , الألباني : السلسلة الصحيحة 9 / 214.
قال
بعض السلف :" الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله" , وقال ابن القيم : " اليقين
من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون،
وإليه شمر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما
يُمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال،
وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تُفتتح بالمحبة واليقين، وهما
يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم'[ مدارج السالكين 2/397] .
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: " الرِّضَا أَنْ لَا تُرْضِيَ النَّاسَ
بِسَخَطِ اللهِ، وَلَا تَحْمَدَ أَحَدًا عَلَى رِزْقِ اللهِ، وَلَا تَلُمْ أَحَدًا
عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللهُ، فَإِنَّ الرِّزْقَ لَا يَسُوقُهُ حِرْصُ حَرِيصٍ،
وَلَا يَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ، وَاللهُ بِقِسْطِهِ وَعِلْمِهِ جَعَلَ
الرَّوْحَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ
فِي الشَّكِّ وَالسَّخَطِ "شعب الإيمان , للبيهقي 1/384.
وعَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَ النَّاسَ ، فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطَوْا
فِي الدُّنْيَا خَيْرًا مِنَ الْيَقِينِ ، وَالْمُعَافَاةِ ، فَسَلُوهُمَا اللهَ ،
عَزَّ وَجَلَّ.أخرجه أحمد 1/8(38).
وعَنْ عُمَرَ ، قَالَ : إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَنَا ، فَقَالَ:إِنَّ رَسُولَ
اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا عَامَ أَوَّلَ ، فَقَالَ : أَلاَ إِنَّهُ
لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْمُعَافَاةِ بَعْدَ
الْيَقِينِ ، أَلاَ إِنَّ الصِّدْقَ وَالْبِرَّ فِي الْجَنَّةِ ، أَلاَ إِنَّ
الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فِي النَّارِ.أخرجه أحمد 1/9(49) و"النَّسائي" في "عمل
اليوم والليلة" 885.
ولهذا قال أبو بكر الوراق رحمه الله:'اليقين ملاك القلب، وبه كمال الإيمان،
وباليقين عُرف الله، وبالعقل عُقل عن الله'.
ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم قْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ
مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ , وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا
بِهِ جَنَّتَكَ , وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب
الدُّنْيَا , اللهم أمتعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا
أَحْيَيْتَنَا , وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا , وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ
ظَلَمَنَا , وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا , وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِى
دِينِنَا , وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا , وَلاَ مَبْلَغَ
عِلْمِنَا , وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا. أَخْرَجَهُ الترمذي
(3502) و"النَّسَائي" في عمل اليوم والليلة (402) عن ابن عمر رضي الله عنه .
ولقد ضرب أنبياء الله ورسله الكرام المثل الأعلى في اليقين وحسن الثقة بالله تعالى
, فها هو الخليل إبراهيم عليه وسلم حينما حاجه قومه قال لهم في يقين وثبات : "
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا
أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي
كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا
أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ
يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ
إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) سورة الأنعام .
وها
هو كليم الله موسى عليه السلام يقول لأصحابه حينما أدركهم فرعون فوجدوا البحر من
أمامهم والعدو من ورائهم : " فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ
مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
(62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ
فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ
(64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا
الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ
(67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68) سورة الشعراء .
وهذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقول لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهما
في الغار وقد أحدقتم به الاخطار " ما ظنك باثنين الله ثالثهما , لا تحزن إن الله
معنا " قال سبحانه : " إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(40) سورة التوبة .
عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَانِ ، أَنَّ جَابِرَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ ، وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ ؛أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ
اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم قَفَلَ مَعَهُمْ ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ يَوْمًا ، فِي
وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَتَفَرَّقَ
النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ ، يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم يَسْتَظِلُّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ،
قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا بِهَا نَوْمَةً ، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم يَدْعُونَا ، فَأَتَيْنَاهُ ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفَهُ ،
وَأَنَا نَائِمٌ ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا ، فَقَالَ : مَنْ
يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ فَقُلْتُ : اللهُ ، فَقَالَ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟
فَقُلْتُ : اللهُ ، فَشَامَ السَّيْفَ ، وَجَلَسَ ، فَلَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ.
أخرجه أحمد 3/311(14387) . والبُخَارِي (2910 و2913 و4134) . ومُسْلم 7/62 (6015) .
ولقد تعلم الصحابة الكرام هذا اليقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم , فحينما
انطلق رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ ، حَتَّى سَبَقُوا
الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم : لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ
أَنَا دُونَهُ ، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم : قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ، قَالَ :
يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللهِ ، جَنَّةٌ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : بَخٍ . بَخٍ .
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ .
بَخٍ ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ ، يَا رَسُولَ اللهِ ، إِلاَّ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ
مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ : فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ : فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ
مِنْ قَرَنِهِ ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ
حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، قَالَ : فَرَمَى
بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ ، رَحِمَهُ
اللَّهُ.أخرجه أحمد 3/136(12425) ومُسْلم 6/44(4950.
وعنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أم الْعَلاءِ وَهيَ امرأة مِنْ
نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم . قَالَتْ: طَارَ لَنَا
عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأنصار عَلَى سُكْنَى
الْمُهَاجِرِينَ . فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ
فِي أثوابه ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم . فَقُلْتُ :
رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أبا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أكرمك
اللَّهُ ، قال : وَمَا يُدْرِيكِ ؟ قُلْتُ : لا ادْرِي واللَّهِ ، قال : أما هُوَ
فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ ، إِنِّي لأرجو لَهُ الْخَيْرَ مِنَ اللهِ ، وَاللَّهِ
مَا ادْرِي وأنا رَسُولُ اللهِِ مَايُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ . قَالَتْ أم
الْعَلاءِ : فَوَاللَّهِ لا اُزَكِّي أحدا بَعْدَهُ . قَالَتْ : ورأيت لِعُثْمَانَ
فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ . فَقَالَ : ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ.أخرجه أحمد 6/436
و"البُخَارِي" 2/91.
عندما فتح
خالد بن الوليد الحيرة في العراق , آتاه رجل ليفاوضه ومعه السم , فرآه خالد
وعندما أراد
سعد
بن أبى وقاص فتح المدائن وكانت على شاطئ دجلة في العراق وكان النهر في حالة
فيضان , فلم يجد سعد بن أبى وقاص وسيلة لعبور البحر
فكون كتيبة سميت كتيبة الأهوال وعبرت النهر وأخلت
الشاطئ نسبيا من قوات الفرس
لما
عبرت كتيبة
الأهوال النهر وكانوا ستمائة رجل، تبعهم سعد بن أبي وقاص بكامل الجيش وأمر جنده
قائلاً :
قولوا : نستعين بالله ونتوكل عليه ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، لا حول
ولاقوة إلا بالله العلي العظيم
.فجعلوا
يمشون على الماء كأنهم يمشون على الأرض
!.
روى
عن حَيْوَة بن شريح التجيبي، الفقيه، المحدث، الزاهد، وهو من رواة الحديث الثقات،
كان يأخذ عطاءه في السنة ستين ديناراً، فلا يفارق ذلك المكان الذي أخذ فيه العطاء
حتى يتصدق بها جميعاً، فكان إذا جاء إلى منزله وجد الستين ديناراً، تحت فراشة، فبلغ
ذلك ابن عم له، فتصدق لعطائه جميعا أراد أن يفعل مثل حيوة، وجاء إلى تحت فراشه فلم
يجد شيئاً! فذهب إلى حيوة وقال: أنا تصدقت بكل عطائي، ولم أجد تحت فراشي شيئاً،
فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي يقيناً، وأنت أعطيته تجربة. يعنى: أنت كنت تريد أن
تجرب، وتختبر ربك، فتصدقت، لتنظر النتيجة، وأما أنا فأتصدق وأنا راسخ اليقين بما
عند الله عز وجلّ من الجزاء والعوض. سير أعلام النبلاء 11/491.
فهناك بون شاسع بين من يعطي يقيناً وبين من يعطي تجربة , فالرب هو الذي يختبر عبده
وليس للعبد أن يختبر ربه , قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا
إبراهيم بن نافع، عن ابن طاوس عن أبيه قال: لقي عيسى بن مريم عليه السلام إبليس
فقال إبليس لعيسى: أما علمت أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك ؟ قال: نعم، قال
إبليس: فأوف بذروة هذا الجبل فترد منه.فانظر أتعيش أم لا، قال عيسى: أما علمت أن
الله تعالى قال: لا يجربني عبدي، فإني أفعل ما شئت.
وفي
رواية عن الزهري عنه قال: قال عيسى: إن العبد لا يختبر ربه، ولكن الرب يختبر عبده،
وفي رواية أخرى: إن العبد لا يبتلي ربه، ولكن الرب يبتلي عبده. قال: فخصمه عيسى
عليه السلام. البداية والنهاية 9/264.
روى
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم :" لَيْسَ صَدَقَةٌ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ مَاءٍ " أخرجه البيهقى في شعب
الإيمان وانظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب : 960.
وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي
مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ "نَعَمْ قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ
أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ" أخرجه أبو داود ، والنسائي.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: فإنَّ للصَّدَقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع
البلاء ، ولو كانت مِن فاجر أو مِن ظالِم ، بل من كافر ! ، فإنَّ الله تعالى يدفع
بها عنه أنواعاً من البلاء ؛ وهذا أمرٌ معلوم عنْدَ الناس خاصتهم وعامتهم ، وأهل
الأرض كلهم مُقرُّون بـه لأنهم جرَّبوه... وفي بعض الآثار : باكروا بالصدقة فإن
البلاء لا يتخطى الصدقة . الوابل الصيب من الكلم الطيب .
وجاء في صحيح الترغيب والترهيب للمنذري وشعب الإيمان للبيهقي أن حاتم بن الجراح
قال : سمعت علي بن الحسن بن شقيق يقول : سمعت ابن المبارك و سأله رجل يا أبا عبد
الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين و قد عالجت بأنواع العلاج و سألت الأطباء
فلم أنتفع به فقال : اذهب فانظر موضعا يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئرا فإني
أرجو أن تنبع هناك عين و يمسك عنك الدم ففعل الرجل فبرأ.
فَلَا تَظُنّنّ بِرَبّك ظَنّ سَوْءٍ * * * فَإِنّ اللّهَ أَوْلَى بِالْجَمِيلِ
وَلَا تَظُنّنّ بِنَفْسِكَ قَطّ خَيْرًا * * * وَكَيْفَ بِظَالِمٍ جَانٍ جَهُولِ
وَقُلْ يَا نَفْسُ مَأْوَى كُلّ سُوءٍ * * * أَيُرْجَى الْخَيْرُ مِنْ مَيْتٍ
بَخِيلِ
وَظُنّ بِنَفْسِكَ السّوآى تَجِدْهَا * * * كَذَاكَ وَخَيْرُهَا كَالْمُسْتَحِيلِ
وَمَا بِكَ مِنْ تُقًى فِيهَا وَخَيْرٍ* * * فَتِلْكَ مَوَاهِبُ الرّبّ
الْجَلِيلِ
وَلَيْسَ بِهَا وَلَا مِنْهَا وَلَكِنْ * * * مِنْ الرّحْمَنِ فَاشْكُرْ
لِلدّلِيلِ
قال: مُحَمَّدُ بْنُ عَامِرٍ ؛ قَالَ : قُلْتُ لِشَقِيقٍ : مَتَى أُوَفَّقُ
لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ ؟ قَالَ : إِذَا جَعَلْتَ أَحْدَاثَ يَوْمِكَ وَلَيْلَتِكَ
مُتَقَدِّمَةً عِنْدَ اللهِ . قُلْتُ : فَمَتَى أَتَوَكَّلُ ؟ قَالَ : إِنَّ
الْيَقِينَ إِذَا تَمَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سُمِّيَ تَمَامُهُ
تَوَكُّلا . قُلْتُ : فَمَتَى يَصِحُّ ذِكْرِي لِرَبِّي ؟ قَالَ : إِذَا سَمَجَتِ
الدُّنْيَا فِي عَيْنِكَ ، وَقَذَفْتَ أَمَلَكَ فِيمَا بَيْنَ يَدَيْكَ . قُلْتُ :
فَمَتَى يَصِحُّ صَوْمِي ؟ قَالَ : إِذَا جَوَّعْتَ قَلْبَكَ وَأَظْمَأْتَ
لِسَانَكَ مِنَ الْفَحْشَاءِ . قُلْتُ : فَمَتَى أَعْرِفُ رَبِّي ؟ قَالَ : إِذَا
كَانَ اللهُ لَكَ جَلِيسًا وَلَمْ تَرَ سِوَاهُ لِنَفْسِكَ أَنِيسًا . قُلْتُ :
فَمَتَى أُحِبُّ رَبِّي ؟ قَالَ : إِذَا كَانَ مَا أَسْخَطَهُ أَمَرَّ عِنْدَكَ
مِنَ الصَّبْرِ ، وَكَانَ مَا يَنْزِلُ بِكَ هُوَ الْغُنْمُ وَالظَّفْرُ ،
وَجَدَّدْتَ لِذَلِكَ حَمْدًا وَشُكْرًا . قُلْتُ : فَمَتَى أَشْتَاقُ إِلَى رَبِّي
؟ قَالَ : إِذَا جَعَلْتَ الآخِرَةَ لَكَ قَرَارًا ، وَلَمْ تُسَمَّ لَكَ
الدُّنْيَا مَسْكَنًا . قُلْتُ : فَمَتَى أَعْرِفُ لِقَاءَ رَبِّي ؟ قَالَ : إِذَا
كُنْتَ تُقْدِمُ عَلَى حَبِيبٍ وَتُصْدِرُ عَنْ أَمَلٍ قَرِيبٍ . قُلْتُ : مَتَى
أَسْتَلِذُ الْمَوْتَ ؟ قَالَ : إِذَا جَعَلْتَ الدُّنْيَا خَلَفَ ظَهْرِكَ ،
وَجَعَلْتَ الآخِرَةَ نُصْبَ عَيْنِكَ ، وَعَلِمْتَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى يَرَاكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَقَدْ أَحْصَى عَلَيْكَ الدَّقِيقَ
وَالْجَلِيلَ .ابن عبد البر : المجالسة وجواهر العلم 6/393.
ولله در القائل:
يا
أمتي وأقول اليـوم في ثقـة * * * إني اليقـينُ فلا شيءٌ يزعزعـني
إن
اليقين هو الإيمان القلبي وليس الاقتناع العقلي,فلا يكفي مثلاً أن
يقتنع العبد أن الله يجيب دعوة عباده اقتناعاً عقليّاً من خلال النظر في الأدلّة
وخبر الوحي ، بل ينبغي أن يتعدّى ذلك إلى الإيمان القلبي الجازم بصدق وعد الله
تعالى .
ولليقين مراتب منها : العلم , وحسن التوكل , والرضا والتسليم , وعدم تعلق القلب
بغير الله , وأن يكون أوثق بما في يد الله تعالى عما هو في يده , كان
أبو
مسلم الخولاني رحمه الله يحب التصدق والإيثار على نفسه، وكان يتصدق بقوته ويبيت
طاوياً، فأصبح
يوماً وليس في بيته غير درهم واحد، فقالت له زوجته: خذ هذا الدرهم واتر به دقيقاً
نعجن بعضه ونطبخ بعضه للأولاد، فإنهم لا يصبرون على ألم الجوع، فأخذ الدرهم والمزود
وخرج إلى السوق، وكان الجو شديد البرودة، فصادفه سائل فتحوله عنه، فلحقه وألح عليه
وأقسم عليه، فدفع له الدرهم وبقي في هم وكرب، وفكر كيف يعود إلى الأولاد والزوجة
بغير شئ، فمر بسوق البلاط وهم ينشرونه ففتح المزود وملأه من النشارة وربطه وأتى به
إلى
البيت فوضعه فيه على غفله من زوجته ثم خرج إلى المسجد فعمدت زوجته إلى المزود
ففتحته فإذا فيه دقيق أبيض فعجنت منه وطبخت للأولاد فأكلوا وشبعودا ولعبوا فلما
ارتفع النهار جاء أبو مسلم وهو على خوف من امرأته فلما جلس أتته بالمائدة والطعام
فأكل، فلما فرغ قال: من اين لكم هذا؟ قالت: من المزود الذي جئت به أمس، فتعجب من
ذلك
وشكر الله على لطفه وكرمه.
يُذكر أن أعرابية فقدت أباها ثم وقفت بعد دفنه فقالت:يا
أبتي , إن في الله
عوضاً عن فقدك , وفي رسوله صلى الله عليه وسلم من مصيبتك أسوة .. ثم قالت : ربي لك
الحمد , اللهم نزل عبدك مفتقراً من الزاد , مخشوشن المهاد , غنياً عما في أيدي
العباد , فقيراً إلى ما في يدك يا جواد , وأنت يا ربي خير من نزل بك المرملون
,
واستغنى بفضلك المقلون , وولج في سعة رحمتك المذنبون , اللهم فليكن قرى عبدك منك
رحمتك , ومهاده جنتك ثم انصرفت راضية محتسبة مأجورة بإذن الله غير مأزورة
.
قال
الشاعر :
ووقف محمد بن سليمان على قبر ابنه وفلذة كبده بعدما دفنه فيقول:كل
ذلك في كتاب , الحمد لله وإنا لله وإنا
إليه راجعون , اللهم إني أرجوك له وأخافك عليه , اللهم فحقق رجائي فيه , وآمن خوفي
عليه.
ثم
أنشد :
أبكيه ثم أقول معتذراً له * * * وفِّقت حين تركت ألأم
دارِ
فكن
على يقين بربك وعلى ثقة بما عنده , واعلم أنه ما اخذ منك إلا ليعطيك.. وما حرمك إلا
ليتفضل عليك.. وما أبكاك إلا ليضحكك..
وما
ابتلاك إلا لأنه يحبك فكن مع الله يكن الله معك .
فقال له : ما هذا
؟؟قال : سم ساعة " عقرب "قال
خالد : ناولنيه , فأعطاه الرجل السم , ثم سكب خالد
السم على يده وقال:
بسم
الله الذي يضر
مع
اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم
.فشرب السم ولم يضره !!!!!!فذهب
الرجل بسرعة إلى قومه يقول لهم : يا قوم لقد
أتيتكم من عند رجل أخشى أن تضعوا السيوف فيه ولا يموت.
إني العقيـدة والإقـدام فيصلها.. * * * وليـس غـيرُ نــداء الله يسـحـرني
أذود عنه وفـيها عـلَّ خاتمـتي * * * تكـون في ظلهــا يـومًا فتقبــلني
فالليل يعقبـه فـجـر ومـئـذنــةٌ * * * والله أكـبـر نبــراسٌ علـى الـزمــن
الهول في خطوي والنور في دربي * * * وأظل أسمع صوتَ الحق في أذني
فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها * * * صبر الكريم فإن ذلك أسلمُ
وإذا
ابتليت بكربة فالبس لها * * * ثوب السكوت فإن ذلك أسلمُ
لا
تشكون إلى العباد
فإنما * * * تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ
جاورت أعدائي وجاور ربه * * * شتان بين جواره وجواري
يا
كوكباً ما كان
أقصر عمره * * * وكذاك عمر كواكب الأسحار
درّت عليك من الغمام مراضع
* *
* وتكنفتك من النجوم جواري