خواطر عند الكعبة

خواطر عند الكعبة

خالد البيطار

* أرى الكعبة أمامي وكأنها قلب الدنيا، والناس الذين يطوفون حولها كأنهم الدم يجري بشكل دائم.. يأتون إليها من كل بلد ثم يعودون، ثم يأتي غيرهم، وهكذا يصل الغذاء من القلب إلى كل عضو من الأعضاء.

* الناس أمامي يطوفون، يسيرون ويسيرون، تساءلت وناديت: إلى أين تسيرون؟!! لعل هذا السير يكون في لحظة من اللحظات بداية لطريق النصر والإنقاذ، وليس ذلك على الله بعزيز.

* الناس في الطواف يسيرون وليس بينهم متوقف.. الكبار والصغار والنساء والأطفال والعاجزون.. لكن منهم السابق ومنهم اللاحق.

* الرمل في بعض الأشواط والسير العادي في بعضها يظهر الناس بين مسرع وبطيء، وكذلك الاضطباع (كشف الكتف الأيمن في ثياب الإحرام) يُظهر الناس بين مشمّر مندفع وسائر بلا تشمير ولا اندفاع، وهذا هو الواقع في حياة الناس، فمنهم الجاد المشمّر ومنهم البطيء المتمهل، وفي كل خير.

* الحرم ممتلئ والطواف مستمر.. مع أن كل مسلم يأتي لا يفكر إلا بالعبادة وأداء الفريضة، وبه وبغيره يمتلئ الحرم ويستمر الطواف، وهذه إشارة إلى أن الأمر لله وحده، وكل إنسان له مهمة يقوم بها ثم يأتي من بعده أناس يتمّون المهمة ويقومون بالأمر، فالسعيد من اختاره الله لهذه المهمة ووفقه لأدائها وقبلها منه.

* من الناس من يزحم غيره في الطواف ويقسو عليه، ومنهم من يسيء إلى غيره من شدة الزحام، وكذلك الناس في الحياة فلا عجب.

* الطواف لا ينقطع في وقت من الأوقات، لكنه قد يخف عند اشتداد الحر أو عند منتصف الليل، إشارة إلى أن المسؤولية قد يخف من يحملها عند الأزمات، لكن لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين..

* اختلاف الأجناس يوحي أن العرب ليسوا وحدهم مسؤولين، وإن كان واجبهم أكبر فالقرآن الكريم نزل بلغتهم، والبيت الحرام ببلدهم، لكن كل إنسان مكلف بالدعوة إلى الإسلام مهما كان بلده ولونه.

* الدعاء والتوجه إلى الله أثناء الطواف دليل على أن المسلم في سيره وحركته وعمله، ينبغي أن لا ينقطع عن الدعاء وطلب المدد منه.

* لمس الحجر الأسود وتقبيله أو الإشارة إليه في كل شوط –وهو يمين الله في الأرض- لفت للنظر من أنه لابد من مراجعة النفس ومحاسبتها والتدقيق في ما مضي وتجديد العزم على متابعة الطريق في كل فترة من الفترات، ولمس الركن اليماني قبله دليل على أنه لابد من الاستعداد والتهيؤ لهذه المحاسبة ولهذا التجديد.

* تدافع الناس لتقبيل الحجر الأسود دليل على شوقهم وجهلهم، (وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا).

* صلاة ركعتين بعد الطواف خلف مقام إبراهيم إنما هي تأكيد للعهد في بداية السير، واستحبابها خلف المقام إشارة إلى أن المسير إنما هو على خطوات إبراهيم عليه السلام.

* الشرب من ماء زمزم والتضلع منه (الإكثار من الشرب) إشارة إلى  أنه لابد من الزاد ومن الإكثار من الزاد فالطريق طويل، وليس الزاد في الطعام والشراب بل كل ما يحتاج إليه المسلم من طعام وشراب وعلم ودعاء والتجاء هو زاد في الطريق.

* إذا أذّن المؤذن للصلاة وقف الجميع وتركوا الطواف والسعي والدعاء.. هذا الوقوف دليل على الالتزام بأوامر الشرع، ولكل وقت نوع عبادة.

* عندما يصلي المسلم أمام الكعبة يشعر أن الملايين من المسلمين خلفه يصلون على ذلك الخط، بدءاً منه وإلى آخر إنسان متوجه إلى القبلة، فهو مسؤول ويسد ثغرة في المقدمة، إذن لابد من العزم وإخلاص النية والإكثار من الدعاء والصلاة مرة ومرة ليكون أهلاً لهذا المقام.

* سبحان الله، كم للناس من هموم وحاجات، تراهم واقفين حول الكعبة لاصقين بها، وكل واحد يفضي بهمه وحاجاته سراً وجهراً، تسمع الدعاء والبكاء والمناجاة، وترى المتعلقين بأستار الكعبة وتحس بالخشوع والخضوع في أصدق صورة، فيلهج لسانك بالدعاء وعيونك بالعبرات وقلبك بالخفقان.. وتشعر أنك في دنيا غير هذه الدنيا.. ومن ذاق عرف.

* قال لي صاحبي: لو عكفنا على العبادة في الحرم أمام الكعبة، وتركنا الدنيا وما فيها، وتركنا الناس وخلافاتهم.. فشعرت أن هذا الشوق ليس للعبادة وحدها بل هو شوق للراحة وللتخلي عن المسؤوليات أيضاً، وهو موجود في كل قلب، لكن ليست هذه هي طبيعة الحياة ولا طبيعة الدعوة إلى الله والعبادة ليست مقصورة على الصلاة في الحرم والاعتكاف أمام الكعبة.. ولكن القيام بالمسؤولية وأداء الواجبات ومخالطة الناس ودعوتهم إلى الله والصبر على أذاهم هو عبادة وقد يكون ثوابها أكبر، و(لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعم).