ادعُ إلى سبيلِ ربِّكَ
(3)
د.محمد بسام يوسف*
حُسْنُ الخُلُق
(1)
لا يمكن للمسلمين أن يسيروا خطوةً واحدةً باتجاه تحقيق أهدافهم إلا بشروطٍ موضوعيةٍ عليهم أن يعملوا بها، ويسيروا إليها، ويقدّموا التضحيات لبلوغها.. ولا بدّ أن يحققَ بناءُ المسلمين شرطين أساسيين:
الشرط الأول: قوّة لبناته ومتانتها.
الشرط الثاني: قوّة الروابط التي تربط بين هذه اللبنات.
أي أنّ قوة اللبنات، تساوي خمسين بالمئة من شروط صنع القوّة الحقيقية للبناء القويّ، فيما تساوي قوّة الروابط والعلاقات بين اللبنات .. الخمسين بالمئة الباقية من تلك الشروط، فلنتأمّل!..
إنّ قوّة اللبنات لا تتحقق إلا بالتربية العملية الصحيحة، فيما قوّة الروابط بينها لا تتحقق إلا بالتنظيم المحكم مع التربية الحقة، وغني عن الذكر أن كل ذلك لا يتحقق إلا بالتخطيط العلميّ السليم المواكب لروح العصر!..
قوّة اللبنات وقوّة الروابط بينها تجعل البناء قوياً محكماً منيعاً: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضُهُ بعضاً) (متفق عليه)، وأي خللٍ في أي لبنةٍ أو رابطةٍ ستوهن البناء في الموضع الذي تشغله تلك اللبنة أو الرابطة، وكلما اشتدّ الخلل واتسع.. وَهَنَ البناءُ وتداعى، إلى أن ينهارَ كله دفعةً واحدة، أو يتماسكَ إلى حدٍ ما بالترقيع، فيكون بحكم البناء المنهار المتداعي، لكنه ينتصب خادعاً مَن ينظر إليه، وفي هذه الحالة هو أخطر على الأمة من البناء المنهار، الذي يستدعي إعادة بنائه من قبل الحريصين المخلصين، في الوقت المناسب!..
الإنسان المسلم هو اللبنة في بناء المسلمين وأمّتهم.. وبناؤه بناءً جيداً صحياً سليماً.. سيؤدي إلى قطع نصف الشوط لقيام بناءٍ قويٍ متكامل، وعماد بناء الإنسان المسلم هو (الأخلاق) الإسلامية الحسنة.. فحُسن الخُلُق، هو الأساس الذي يؤدي إلى لبنةٍ سليمةٍ قويةٍ متينة.. والأساس لتحقيق الشرط الثاني من شروط البناء القويّ المتماسك المتراصّ، ذلك الشرط هو (كما ذكرنا آنفاً): (قوّة الروابط بين اللبنات)، أي بمعنىً آخر: تحقيق قوّة العلاقات والروابط بين الإنسان المسلم وأخيه المسلم الآخر ضمن النسيج الاجتماعي للأمة المسلمة!..
لذلك لا بد لنا أن نذكِّرَ ببعض معالم (حُسن الخُلُق)، الذي يجب أن يتحلّى به كل فردٍ منا، ليكون عند حسن ظنّ إخوانه به، وعند حسن ظن أمّته به كذلك!..
* * *
يقول سبحانه وتعالى في محكم التنـزيل:
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:34و35).
تدبّروا في الآيتين السابقتين جيداً، لتستمتعوا بعظمتهما وعظمة كلمات الله عز وجل!.. فما يُستنتج من قول الله العظيم هو:
1- أمرٌ بالصبر عند الغضب، وبالعفو عند الإساءة (كما يقول ابن عباس رضي الله عنه).
2- أحسِن إلى مَن أساء إليك.
3- خالِف نفسك، إن أمَرَتْك بما يتعارض مع حُسن الخلق الذي يجب أن تكونَ عليه.
مَن يستطع أن يقومَ بذلك؟!.. إنهم بلا شك المتّقون، الذين يتمتّعون بأعلى درجات حُسن الخُلُق، إنهم المحسِنون كذلك، الذين يعملون بموجب الآية الكريمة:
(.. وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: من الآية 134).
إنهم الذين يتخلّقون بالإحسان، ويقابلون إخوانهم بالعفو والرحمة!..
يقول أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خُلُقاً) (متفق عليه).
* * *
بعد هذا.. هل يمكن لنا أن نُعرّف (الخُلُق)؟!..
الخُلُقُ هو: (الطبع أو السجيّة، ومجموعة المعاني والصفات المستقرّة في النفس الإنسانية، التي تَصدر عنها الأفعال والأعمال).
فبقدر ما يمتلك الإنسان من الطبع الراقي والسجايا العالية والصفات الحميدة.. فإنه يقترب من درجات حُسن الخُلُق الجيدة في أعماله وأفعاله.. وكلما كثرت أعماله وأفعاله التي تعبّر عن حُسن الخُلُق.. كان مؤهّلاً ليكون لبنةً صالحةً متينةً في بناء المسلمين، فيتقوّى البناء به، ويتمتّن، ويحقق خطوةً إضافيةً باتجاه الهدف السامي العظيم!.. وهذه الحقيقة تبيّن لنا بوضوح: كم هي ثقيلة الأمانة التي يحملها كل منا من أجل إنجاح مشروعات أمّته وتحقيق أهدافها العظيمة، ودعم صمودها وصمود أبنائها.. فلنتأمّل!..
حديثنا عن (حُسن الخُلُق) سيكون –إن شاء الله- ضمن المحاور الثلاثة التالية:
أولاً: لماذا حُسن الخُلُق؟!..
ثانياً: مصادر حُسن الخُلُق.
ثالثاً: ما السبيل إلى تقويم الخُلُق المعوجّ، ليصبح حسناً يُرضي الله عز وجل؟!..
(4)
حُسْنُ الخُلُق
(2)
لقد انتهينا إلى الحقيقة التالية:
[بقدر ما يمتلك الإنسان من الطبع الراقي والسجايا العالية والصفات الحميدة.. فإنه يقترب من درجات حُسن الخُلُق الجيدة في أعماله وأفعاله.. وكلما كثرت أعماله وأفعاله التي تعبّر عن حُسن الخُلُق.. كان مؤهّلاً ليكون لبنةً صالحةً متينةً في بناء المسلمين، فيتقوّى البناء به، ويتمتّن، ويحقق خطوةً إضافيةً باتجاه الهدف السامي العظيم!.. وهذه الحقيقة تبيّن لنا بوضوح: كم هي ثقيلة الأمانة التي يحملها كل منا من أجل إنجاح مشروعات أمّته وتحقيق أهدافها العظيمة، ودعم صمودها وصمود أبنائها]!..
أولاً: حُسن الخُلُق .. لماذا؟!..
1- لأنه يمثّل الشق العمليّ لفكرنا الإسلاميّ ولعقيدتنا الإسلامية:
فأنت عندما تكون مؤمناً حقاً، ولديك الفكر الإيمانيّ الإسلاميّ الصحيح.. فلا بد أن يكونَ خُلُقكَ حسناً في علاقاتك العملية مع الناس، وإلا فابحث عن الخلل في نفسك، لتقويمه!.. ونوضّح ذلك بالمثال التالي:
يقول إبراهيم عليه السلام -كما جاء في محكم التنـزيل-:
(رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الممتحنة:5).
أي: لا تجعل فعلي يخالف قولي.. فأكون فتنةً للكافرين.. الذين –عندئذٍ- سيُعرِضون عن الإيمان بك!.. فأكون أنا السبب في ذلك، لأنني لا ألتزم (عملياً) بما أبشّر به (نظرياً)!..
لذلك، لنجاح دعوة الدعاة إلى الله.. ينبغي أن يكونوا على وعيٍ تامٍ بهذه الحقيقة، فأنت قد تمضي السنين الطويلة لدعوة الناس إلى الإسلام وإلى الالتزام به، لكنّ موقفاً واحداً عملياً غير لائق تقوم به، قد يأتي على كل ما بنيته!.. وبالعكس، قد يكون لموقفٍ واحدٍ أو سلوكٍ واحد عمليٍ حميدٍ دالٍّ على مطابقة عملك لقولك.. قد يكون له أثره العظيم في بناء صرحٍ ضخمٍ قد لا تتوقّعه، وفي زمنٍ قياسيّ!..
2- لأنه لا نجاة يوم الحساب إلا بالخُلُق الحسن:
فأنت عندما تقوم بالعبادات المعروفة من صلاة وصيامٍ وغيره.. فإنما تقوم بها لنفسك، ولتمتين علاقتك مع ربك.. لكن الخُلُق يتعدى تأثيره إلى الآخرين من الناس، وحقّ هؤلاء عليك، وحقّ دعوتك عليك أيضاً.. هو أن تعاملهم بالخُلُق الحسن:
(قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فلانةٌ تقوم الليلَ وتصوم النهارَ وتؤذي جيرانها، قال: دَعوها، إنها من أهل النار) (متفق عليه).
3- لأنّ غايات الإسلام وأهداف المسلم شريفة سامية، فلا بد أن تكونَ وسائلُ الوصول إليها ساميةً شريفة:
فلا يجوز مطلقاً، ولا يمكن.. أن يصلَ المسلمُ إلى هدفه السامي بوسيلةٍ خسيسةٍ أو وضيعة.. وعماد ذلك كله.. هو حُسنُ الخُلُق!..
4- لأنّ الله عز وجل أمرنا بِحُسن الخُلُق، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك:
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة:177).
أي أنّ التوسّع بأعمال الخير والالتزام بأخلاق الإسلام.. هو الأساس والأصل!..
(إنّ من خِياركم.. أحسنَكم أخلاقاً) (متفق عليه).
(ما من شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسن الخُلُق، وإنّ اللهَ يُبغِضُ الفاحشَ البذيّ).. والبذيّ: هو رديء الكلام!.. (الترمذي).
(أكمل المؤمنين إيماناً.. أحسنُهُم خُلُقاً..) (الترمذي).
وفي هذا يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله في شرح حُسن الخُلُق:
[هو طلاقةُ الوجه (أي أن يبقى وجهك مع الناس متهلّلاً بسّاماً)، وبَذْلُ المعروف، وكَفُّ الأذى (قولاً وفعلاً)].
(5)
حُسْنُ الخُلُق
(3)
ثانياً: مصادر الخُلُق الحسن
1- الإيمان بالله عز وجل، والخشية منه، واستشعار رقابته سبحانه وتعالى:
فعندما يعيش المسلم المؤمن بالله، أجواءَ الإيمان به، ويستشعر داخل أعماقه -في كل لحظةٍ من حياته-أنّ الله سبحانه وتعالى يراقبه، ويراقب كل حركاته وسكناته، ويعلم السرّ وما تخفي الصدور.. فسيكون لذلك أثره العميق، في صقل النفس البشرية، وتهذيبها، واختيارها لطريق الخُلُق الحسن مع عباد الله الأقربين والأبعدين!.. وقد رُوِيَ في الأثر [أنّ الخليفةَ الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بغلامٍ يرعى الغنم، فقال له: بِعْني واحدة، فقال الغلام: إنها لسيدي، فقال عمر: بعني إياها وخذ ثمنها وقل لسيدك: أكلها الذئب (أراد الفاروق أن يمتحنَ الغلام)!.. فقال الغلام: فأين اللهَ يا سيدي؟!.. فبكى عمر رضي الله عنه، واشترى الغلام من سيده وأعتقه قائلاً له: هذه الكلمة أعتقتك في الدنيا، وأسأل الله أن تُعتِقَ رقبتكَ يوم القيامة]!..
2- القرآن الكريم :
فهو المنهج الربّانيّ الذي يربي الأجيال ويوجّهها إلى أحسن الأخلاق، وينشئها على الفضيلة والطيب من الخُلُق، والصلاح من الأعمال والأفعال والالتزام: (كان صلى الله عليه وسلم خُلُقُه القرآن) كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.. أي: كان صلى الله عليه وسلم ملتزماً بآداب القرآن وأوامره ونواهيه بشكلٍ صارمٍ لا حدود له، ولا مثيل له.
3- القدوة الصالحة الحسنة :
نؤكّد على أنّ للقدوة الصالحة أثرها العميق في تهذيب النفس البشرية، وذلك على مستويين:
1- مستوى القدوة نفسها (المُربِي): التي تصبح أكثر تهذيباً، وأعمق كفاءةً في مجال الخُلُق الحسن، لأنها تحرص على تنفيذ معانيه، حتى تكون قدوةً صالحةً بحق، لغيرها من الناس!..
2- مستوى الإنسان العادي (المُرَبَى): فلا أعظم من تأثير القدوة الصالحة عليه، حين تكون تلك القدوة أهلاً لهذا، فتأثير الأفعال خير ألف مرةٍ من تأثير الأقوال!..
فأنت مثلاً: مهما ألقيتَ على أولادك في بيتك المواعظَ والدروسَ بأن يبتعدوا عن الغيبة والنميمة مثلاً، فلن يكونَ لمواعظك أي أثرٍ، حين يجدونك تقترف هذا الذنب ولو مرةً واحدة، بل سيفعلون مثلك إن لم يسبقوك في اقتراف هذا الذنب الكبير!..
يقول الله عز وجل في محكم التنـزيل:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21).
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) (الممتحنة: من الآية 4).
4- الخوف من عذاب الله عز وجل في اليوم الآخر :
فخوف المؤمن من عذاب الله الذي ينتظر الخاطئين المذنبين، سيكون محرِّضاً له للبقاء على الصراط المستقيم في كل علاقاته مع الناس، على مختلف درجاتهم وأصنافهم!.. وقد كان الرجل إذا ارتكب ذنباً أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تائباً طالباً إقامة الحدّ عليه.. خوفاً من الله عز وجل، وابتغاء مرضاته بعد المعصية، وهلعاً من عذابه يوم القيامة!.. وكلنا يعرف قصة تلك المرأة التي أقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم طالبةً إقامة حدّ الزنا عليها!.. وكذلك حادثة (ماعز) رضي الله عنه، الذي أقام عليه رسول الله الحدّ بناءً على رغبته:
[.. وبعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحدّ على (ماعز)، سمع رجلين يقولان: ما أحمق ماعزاً، ستره الله ففضح نفسه!.. فأنّبهما عليه الصلاة والسلام، ثم قال: (.. إنه الآن لمنغمس في أنهار الجنة)!..].
5- استشعار قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته :
فلا تغترّ بقوّتك أو سلطانك مهما كان، ولا بنفوذك مهما بلغ، وتذكّر أنّ الله أقدر منك قوّةً وبطشاً وسلطاناً ونفوذاً:
(رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابياً يضرب عبداً خادماً عنده، فقال له: اتّقِ مَن هو أقدرُ عليكَ منكَ عليه، فقال الرجل: هو حُرٌ لوجه الله، فقال عليه الصلاة والسلام: والله لو لم تقلها لمسّتكَ النار)!.. (مسلم).
(6)
حُسْنُ الخُلُق
(4)
ثالثاً: ما السبيل إلى تقويم الخُلُق المعوجّ؟!..
1- الدعاء.. بل الإلحاح في الدعاء :
فكل أمرٍ بيد الله عز وجل، ولا بد من الالتجاء إليه في هذه القضية أيضاً، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلاً:
(اللهم اهدِني لأحسنِ الأخلاق لا يهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرف عني سيّئها لا يصرف عني سيّئها إلا أنت) (مسلم) .
2- العِلم واليقين :
أي أن تعلم وتتيقّن بإمكانية (التخلي) عن أي خُلُقٍ سيئٍ مهما كان، وإمكانية (التحلّي) بالخُلُق الحسن مهما بلغ، والأمر يتطلّب الاعتماد على الله عز وجل أولاً، والإرادة الحازمة منك ثانياً.
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس:7-10).
3- المبادرة إلى إنجاز الأعمال الصالحة :
فأنت مسؤول عن نفسك وعن تزكيتها، فبادر إلى كل عملٍ صالحٍ يقرّبك من ربك، واعلم بأنك مطالَب بالإقدام على كل عملٍ صالح، فلا تفكر هل ستعمل عملاً صالحاً أم لا.. بل فكّر بأفضل السبل لإنجاز هذا العمل الصالح:
[عن أبي موسى رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: على كل مسلمٍ صدقة، قال: أرأيت إن لم يجد؟!.. قال: يعمل بيديه فينفع نفسَه ويتصدّق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟!.. قال: يُعين ذا الحاجة الملهوف، قال: أرأيت إن لم يستطع؟!.. قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟!.. قال: يُمسِكُ عن الشرّ فإنها صدقة] (متفق عليه).
4- مغالبة الأخلاق التي يراد التخلّص منها :
أي: مراغمة الشيطان، وسلوك كل السبل لإرغامه على الابتعاد عنك، بالصبر، والتمسّك بأخلاق المسلم القويّ العزيز الكريم!..
وهكذا.. قابِل القسوةَ بالرحمة.. والبخلَ بالسخاء والكرم والعطاء.. والتكبّرَ بمخالطة الضعفاء والفقراء!.. وذلك كله مراغمةً للشيطان، وإغاظةً له.. إلى أن ييأس من غوايتكَ فينصرف عنك!..
(شكى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوةَ قلبه، فقال له: امسح على رأس اليتيم، وأطعِم المسكين).
5- مصاحبة الصديق الصدوق، ومخالطة الإخوة الكرام الذين يعرّفونكَ بعيوبِك :
فمثل هؤلاء يحرصون عليك كما يحرصون على أنفسهم، ورضي الله عن الفاروق عمر رضي الله عنه حين قال: (رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي)، وكان رضي الله عنه يسأل أمينَ سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (حذيفة بن اليمان) باستمرار: (يا حذيفة: هل ذكرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين؟!..).
تذكّر دائماً الآيةَ العظيمة:
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199).
فهذه الآية العظيمة تقول لك:
1- اتبع سبيل المساهلة مع الناس، واقبل أعذارهم، واعفُ عمّن ظلمك، وصِلْ مَن قطعك، وأعطِ مَن حرمك.. وبذلك تقابِل الإساءة بالإحسان، والأذى بأخلاق الكرام.
2- قم بما يمليه عليك الشرع، وائتمر بأمره.
3- وابتعد عن السفهاء والحمقى، الذين يضرّون ولا ينفعون.
*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام