رمضان . . من شعائر الوحدة
رضوان سلمان حمدان
تتفردُ أمتُنَا بعباداتٍ تربط قاصيها بدانيها لتذكر الجميع بتوحدهم مع كلِّ توجهٍ نحو الإله الواحد والقِبلَة الواحدة والشعائر الواحدة، وحتى وحدة الإمساك عن الشهوات المباحة والعودة لها، فيمتد ظل العبادة صرحًا يظل كل مسلمٍ مع حاملي دعوته على امتداد البسيطة، ويتحول مبدأ الوحدة من فعلٍ سياسي محكوم بالمصالح والنفعية إلى قاعدةٍ يفرضها الإسلام فرضًا، ويعتبرها جزءًا أساسيًّا في حياة المجتمع الإسلامي لا تساهل فيه، إذ إنه يعتبر الوحدة قرينَ الإيمان ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ )الحجرات: من الآية 10)، كما يعتبر الخلاف والفرقة قرينَ الكفر، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِين} ( آل عمران100)، أي تعودون بعد وحدتكم متفرقين.
وهكذا حوَّلت شمولية الإسلام مسارات أمتنا إلى مدارٍ رباني محدد الحياد عنه معناه التشتت والتيه، وهو ما سعت- وتسعى- إليه قوى الاستكبار على مدار التاريخ، ولقد حذَّر القرآن من ذلك، مؤكدًا أن هناك أقوامًا شأنهم في الحياة إيقاد الفتن وإحياء الشرور والمفاسد أولئك الذين قال الله فيهم:
﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205(﴾ (البقرة).
وإن المتدبر للواقع العالمي الآن يجد النافخين في كير الفتنة كُثر، والساعين لبذرها في الأراضي الإسلامية أكثر لينخر سوسها في عظم الأمة متسللاً تحت مسمياتٍ عدة، مرةً باسم الحريات وثانيةً باسم حقوق الأقليات، وثالثةً للحرب على الإرهاب، ورابعةً بقرارات الشرعية الدولية، وأخرى بالمساعدات والمعونات، وهكذا يُراق الدم المسلم بسلاح أخيه وبمباركة شرعية العالم الجديد، فيتحول السلاح الفلسطيني والعراقي واللبناني والسوداني والأفغاني والصومالي والباكستاني من مواجهة العدو الرابض على أرضه إلى صدور وظهور إخوانٍ المفترض أنهم يقفون معهم في خندقٍ واحد.
ندعوا مَن وحَّدهم شهر رمضان بشعائره ووحدتهم شهادة التوحيد برباطها ووحدتهم الأوطان بعاطفتها أن يتذكروا قول الله تعالى:
﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا...﴾
وأن يعملوا بوصية ربِّ البرية:
﴿ ... وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120(﴾ ) آل عمران)
وأن يعلموا أن عدوهم لن ييأس من إشعال الفتنة بين صفوفهم:
﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ ) التوبة: من الآية64)
فلا يكن بأسهم بينهم أشد من بأسهم على مَن احتلَّ أرضهم وسلبهم خيراتها وتربص بأعراضهم ﴿ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ (113)﴾(هود).
إن يد الرباط والمقاومة التي استطاعت أن تصمد بعتاد المقل وبعدة الإيمان لهي يد أكرم وأعز من أن تمتد لتقطع الطريق على مجاهد، أو لتسلب المقاوم حقه، وإنَّا لنربأ بها من أن تدنسها مصافحة يد عدو مخضبة بدماء إخوانٍ لنا وأخواتٍ لا تهمةَ لهم إلا عز الصمود وشرف الرباط وأن يقولوا ربنا الله.
فيا أيها المرابطون في فلسطين.. إخواننا في بيت المقدس وأكنافه.. يا من شَرُف قدرُكم بالرباط وعزَّ جنابكم بالانتساب إلى أرض الإسراء ليكن رمضان بريحه وريحانه النسمة الباردة التي ترتفع فيها راية العفو، والتغافر، ولستم أكرم على الله من رسوله محمد- صلى الله عليه وسلم-، وخليفته الصديق عندما خاطبهما:
﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (النور: من الآية(22
ويا ولاةَ الأمر في عالمنا الإسلامي: رمضان يفتح أمام الكل أبواب العودة، فاجعلوه فرصةً لتفتحوا أمام شعوبكم باب الصلح والأوبة، وترفعوا كل حجابٍ يفصلكم عن رعيتكم، وتصححوا، ولاءاتكم وتوجهاتكم فتصبح أولويتكم رضا الله ورسوله، والتترس بالشعوب ، وساعتها يتحول رمضان إلى طاقة تغيير حقيقية تتوحد حولها الأمة حكامًا ومحكومين
﴿..... وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6(﴾ ) الروم(.