في حب الله 7

في حب الله

(7)

حب الدنيا وحب الله

عبد المعز الحصري

[email protected]

صد ق القائل حب الدنيا رأس كل خطيئة

 لفظة الدنيا مشتقة من الدنوّ أو الدنائة على خلاف بين أهل اللغة في ذلك , وكلا المعنيين صالح لها دال على حالها فهي قريبة الإنقضاء وضيعة في ذاتها إذا ما قيست بالآخرة .

قال بعض العارفين : ( والله لو كانت الدنيا من ذهب والآخرة من خزف لم يكن جديرا بالعاقل أن يقدم الدنيا على الآخرة ) وتعليل ذلك – والله أعلم - سرعة انقضاء الدنيا وما فيها من هموم وأكدار وأنها لا تصفو لأحد فهي كما قال القائل.

طبعت على كدر وأنت تريدها
ومـكـلف الأيام فوق طباعها
وإذا رجـوت المستحيل iiفإنما


صـفوا  من الأقذار iiوالأكدار
مـتطلب  في الماء جذوة iiنار
تـبـني بناك على شفير iiهار

, ودوام الآخرة وما فيها من نعيم مقيم دائم لاينقضي أبدا عطاءا من الله غير مجذوذ .

ولم تكن الدنيا وزهرتها لتشغل رجالا – الرجال في القرآن هم المؤمنون الذين توثق ايمانهم بحب الله – صدقوا ما عاهدوا الله عليه فلا التجارة ولا نعيم الدنيا الزائف يغرهم وقد حفظوا الله فحفظهم ( احفظ الله يحفظك )

ان سياسة اللهثان غير المنقطع لجمع حطام الدنيا الذي شغل قلوب كثير من اهلها وأخذت تلعب في عقولهم حتى أغرقتهم الى شحمة أذنيهم ناهيك عما عمّ أقطار الدنيا من نزعة مادية ألقت خلف ظهرها كل حساب للدار الآخرة فتولدعن ذلك من أنواع المظالم ما عم الارض سواء على سبيل الافراد او الدول . فاصبح البعض يردد كلمات تدل على تملك حب الدنيا وزخرفها على قلوبهم منها على سبيل الذكر ( معك قرش تساوي قرش ، معك مليون تساوي مليون ) وهذا خلاف الشرع " ان أكرمكم عند الله أتقاكم "

ورحم الله القائل :

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت
لا دار لـلمرء بعد الموت iiيسكنها
فـان  بـناها بخير طاب iiمسكنه


أن الـسـعـادة فيها ترك ما iiفيها
الا  الـتي كان قبل الموت iiبانيها
وان  بـنـاهـا بشر خاب iiبانيها

وقال حكيم المعرة ( أبو العلاء المعري)

خـلـق الـنـاس للبقاء iiفضلّت
انـمـا  يـنقلون من دار iiأعمال
ضجعة  الموت رقدة يستريح الـ
والـلـبـيب  اللبيب من iiلايغتر



أمـة  يـحـسـبـونـهم iiللنفاد
الــى دار شـقـوة أو iiرشـاد
جسم فيها والعيش فيها مثل الرقاد
بـعـيـش مـصـيـره iiللفساد

 قال جعفر الصادق في قوله تعالى "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله "هم رجال من بين الرجال على الحقيقة لأن الله حفظ سرائرهم عن الرجوع الى غيره فلا تشغلهم الدنيا وزهرتها ولا اللآخرة ونعيمها عن الله تعالى لأنهم في بساتين الأنس .

قالت رابعة العدوية يوما : من يدلنا على حبيبنا، فقالت جارية لها : حبيبنا معنا

ولكن الدنيا قطعتنا عنه ،

 قلت :لأنه لا يجتمع حب الدنيا وحب الله في قلب واحد ولقد ورد في الاثر

( اوحى الله الى الدنيا ان تضيقي وتشددي على أؤليائي حتى يحبوا لقائي )

 لقد ذم الله الدنيا في كتابه الكريم – (( وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور )) ليعقل العاقل حقيقتها ولا يغتر الجاهل بزينتها وليعلم كل لبيب ان الدنيا دارممر وسوق نصب ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر وأعظم خسران هو الذي يخسر نفسه وأهله ذلك هو الخسران المبين و هذا السوق يتزود منه لإعمار آخرته ولا يضيع عمره في اللهث ورآء الدنيا وهي لاتساوي عند الله جناح بعوضة ، وقد اكمل الله الدين واتم نعمته على عباده الموحدين ليلتفتوا الى حقيقة ماخلقوا له ، قال الله تعالى وانزل من القرآن في يوم عرفة (.... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً.... ) المائدة الآية 3 .

 فلما نزلت هذه الآية فرح الصحابة غير ابي بكر رضي الله عنه فقيل له في ذلك فقال ما بعد الكمال الا النقصان ، وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعدها ثمانين يوما ،

 فان قيل ما الفرق بين الكمال والتمام والجواب الكمال لا يقتضي الزيادة والتمام يقتضي الزيادة ، فنعمه سبحانه وتعالى في زيادة لا نهاية لها فله الحمد وفرائضه لا زيادة فيها الا من شاء زيادة التطوع فله الحمد ،

 قال الله تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)) سورة القصص .

 تذ كربعض التفاسير أي لا تترك العمل الصالح فيفوتك حظك من دنياك لخروجك منها بغير زاد ، فحظ العبد من الدنيا مااقتنى من عمل صالح قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد ،

 وقد قيل (نصيبك) عمرك لاتنس أن تقدم فيه خيرا لآخرتك سمعت مثل هذا التفسير من سيدي الوالد الشيخ احمد الحصري (شيخ معرة النعمان ) رحمه الله حيث كان يقول ذلك في أحد دروسه الى جانب تفسيرات أخرى

قلت : ا ذا كان الناس كلهم فقراء إلى الله تعالى والفقير حريص على ما يملك خشية النفاد ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) ) فاطر .

 وحريّ من الفقير الذي لا يملك شيئا ان يستغل عمره ووقته في طاعة ربه ومهما يكن الانسان غنيا فان عرض له عارض في بدنه كضيق في نفسه أواضطراب في دقات قلبه أصبح أفقرما يكون الى رحمة الله ،

 والمؤمن يعيش حياته بالله مفتقرا اليه في كل شيء – ويحرص على عبادة ربه والاجتهاد في ذلك والاخذ بعزائم الامور لان ذلك رأسماله في دنياه الفانية لآخرته الباقية ( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى (4) ) الضحى .

 وقيل في قوله تعالى ( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) ، تنعم من دنياك بالحلال من مالك فهو حظك العاجل الذي لا وزر عليك فيه، قاله الحسن وقتادة ومالك بن انس .

قال عبد الملك بن عمير :رأيت رأس الحسين رضي الله عنه بين يدي ابن زياد في قصر الكوفة ، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار ، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب ، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك ، قال سفيان فقلت له : كم كان بين أول الرؤوس وآخرها ، قال اثنتا عشرة سنة .

قلت هكذا تفعل الدنيا لا تترك حرا قرشيا ولا عبدا حبشيا الا وغدرت به ،

نحن نعيش في الدنيا ولا بد لنا من إعمارها ، فليكن مال الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا .