نفحات رمضانية
أ. فراس حج محمد
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :{افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم} ، وفي رواية أخرى يقول صلى الله عليه وسلم : {إن لربكم في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا }، ومن أعظم النفحات وأجلها على المسلم شهر رمضان هذا الشهر الذي جعله الله خاصته من الشهور جعل للمسلم فيه لحظات تأمل وتدبر.
ومن أول هذه الوقفات نزول القرآن في هذا الشهر العظيم يقول سبحانه وتعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " إنها لدلالة عظيمة أرادها الله سبحانه من أن ينزل الهدى والنور في شهر الخير والرحمة ليلتقي الخير بالخير مما سيعود على الفرد المسلم والمجتمع المسلم بالنفع الجليل في الدنيا والآخرة ، فرمضان لم يكن ظرفا زمانيا فقط لنزول القرآن بل إنه يحمل دلالة أعظم من ذلك فقد فرض الله في رمضان كذلك الصوم في السنة الثانية للهجرة أي بعد 15عاما من نزول الوحي أول مرة ، وقد ختم الله آيات الصوم بقول: { لعلكم تتقون }
إنها التقوى ، التقوى بالقرآن ومعرفة الحلال من الحرام وكذلك التقوى بالصيام ، فحقيقة التقوى لا تظهر عند المسلم إلا في هذين الأمرين التزام أحكام القرآن وتحقيق التقوى كذلك بالصيام فهو العبادة التي لا تظهر على الجوارح وهي العبادة التي خصها الله لنفسه فقال في الحديث القدسي: {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به} ، أيها الأخ الكريم إنك عندما تدع طعامك وشرابك وتترك شهوتك وتمتنع عن الحرام لا أحد يعرف مدى التزامك إلا الله ، فالصوم محله القلب والنية وسلامة التعبد ويحتاج كل هذا إلى صبر وقناعة واعتقاد جازم لأنْ تصوم، فالصوم لله ولا لأحد سواه فلا مراءاة فيه وهذه نفحة أخرى من نفحات رمضان.
والنفحة الثالثة من نفحات رمضان التي تشمل الصائمين ببركاتها أن الله جعل هذا الشهر شهر الصدقات وشهر القربات ، فقد جاء في الحديث {أفضل الصدقة صدقة في رمضان} ، وقد يسر الله هذا الأمر للناس كل الناس ليحوزوا فضل الصدقة في رمضان يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : {من فطر صائما على طعام أو شراب حلال صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان وصلى عليه جبريل ليلة القدر} . فليس شرطا أن تذبح لتطعم وتحوز الأجر بل يكفيك الماء وهذا من البركة والخير في رمضان ، ويضرب لنا الرسول الكريم مثالا على الجود في رمضان حيث كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام وعلى رسولنا أتم الصلاة والتسليم.
إنه شهر يضاعف الله فيه الحسنات ويبارك الله فيه بالخيرات فلو يعلم الناس ما في رمضان من الخير لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان إنه شهر البر والإحسان شهر القربات يغتنمه المسلم لأداء حق الله فلنسارع أيضا بأداء حقوق عباد الله ، إنه شهر يسارع فيه المسلم ببر الوالدين وبصلة الرحم ترق فيه القلوب وتصفو فيه النيات وما ذلك إلا لأن رمضان شهر الله تصفد فيه الشياطين وتخف وطأتها على الناس وما على المؤمنين إلا أن يستعينوا بالله على هوى نفوسهم ليفوزوا بجنة عرضها السموات والأرض وليدخلوها من باب الريان عن جدارة واستحقاق.
ومن بركات رمضان أيها الأخوة أنه شهر تحرق فيه الذنوب وتكفر فيه المعاصي مصداقا لقول صلى الله عليه وسلم "... ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن.." وقد وعد الله عباده من صامه وقامه بالمغفرة " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله ما تقدم من ذنبه " ، وقد جعل الله الصيام جنة من النار كجنة أحدنا من القتال ، وبالصوم تبتعد وجوهنا عن النار سبعين خريفا استمع لحديث رسول الله " من صام يوما في سبيل الله عز وجل زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا" بل إن رمضان يأتي شفيعا لصاحبه يوم القيامة ، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله:" رأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا كلما أتى حوضا منع منه فجاء صيام رمضان فسقاه ورواه".
ونقف أخيرا عند هذه النفحة الرمضانية ، وهي منة من الله عاجلة للصائمين في الدنيا وتتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم:" للصائم فرحتان فرحة له عند فطره وفرحة له عند لقاء ربه " ، أما فرحة الإفطار بما وفقه الله من صيام ذلك اليوم وقد أعطاه الله كرامة أخرى عند فطره وهي استجابة الدعاء ، وقد تحدث الحافظ ابن كثير عن قوله تعالى:{ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليؤمنوا بي وليستجيبوا لي لعلهم يرشدون } بقوله: (وذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر لحديث الرسول الكريم : إن للصائم عند فطره دعوةً لا ترد).
ومن جميل ما كان يدعو به الصحابة رضوان الله عليهم في رمضان عند الإفطار دعاء عبد الله بن عمرو : اللهم إني أسألك برحمتك الواسعة أن تغفر لي.
إن رمضان فرصة ونفحة من الله لنجدد العهد لنعمل ما يرضي الله لنكون من عباده الذين رضي عنهم وأعتق رقابهم من النار وذلك بتحقيق التقوى في حياتنا من خلال تطبيق أحكام الإسلام في دولة الإسلام ليعود الخير معانقا الخير في شهر القرآن وشهر الصوم ، وهذه دعوة للجميع لأن يحاسب نفسه في هذا الشهر ليلتحق بالركب العاملين لإقامة هذه الدولة التي يعز الله فيه الإسلام وأهله.
اللهم إنا نسألك صياما مقبولا مأجورا وذنبا مغفورا وعملا متقبلا.