جني ثمرة الصيام

جني ثمرة الصيام

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

 شهر رمضان هو الشهر الذي يستعد لاستقباله الكونُ كله، السماوات وأهلها، والأرض وأهلها.، فأما السماوات فتُفتح أبوابها ولا تغلق طوال شهر رمضان؛ لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

"إذا كان أول ليلة من رمضان فُتحت أبواب السماء، فلا يُغلق منها باب حتى يكون آخر ليلة من رمضان"  رواه البيهقي عن أبي سعيد الخدري

كما تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد- أي تقيَّد- الشياطين؛ لقول الرسول:

"إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين"  رواه الشيخان عن أبي هريرة.

 وأيضًا تتزين الجنة وتستعد لاستقبال سكانها من أهل الصيام والإيمان؛ لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

"أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا لم يعطهن نبي قبلي، منها: فإن الله- عز وجل- يأمر جنَّته، فيقول لها استعدِّي وتزيَّني لعبادي، أوشكوا أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي" رواه البيهقي عن جابر بن عبد الله،

وكذلك ينادي منادٍ من السماء على أهل الأرض كل ليلة كما جاء في الحديث:

 "ونادى منادٍ من السماء كل ليلة إلى انفجار الصبح، يا باغي الخير يمِّم وأبشر، ويا باغي الشر أقصر وأبعد، هل من مستغفر يغفر له، هل من تائب يتوب عليه، هل من داعٍ يستجاب له، هل من سائل يعطى سؤله". رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود..

أي أن السماوات وأهلها يستعدون لاستقبال شهر رمضان بكل خير.

 أما الأرض وأهلها فالأمر يختلف، فبالرغم من المنح والعطايا والنفحات التي يمنحها رب العباد، مثل زيادة الرزق والبركة فيه، ومضاعفة الأجر والثواب لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

  "من تقرب فيه - أي شهر رمضان - بخصلة كان كمن أدى فريضةً فيما سواه، ومن أدى فريضةً فيه كان كمن أدى سبعين فريضةً فيما سواه، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه"  رواه ابن خزيمة عن سلمان.

فبالرغم من ذلك نجد الاستعداد لاستقبال هذا الحبيب يختلف من فرد لآخر، فهناك من يستعد لصيام النهار ولحلّ الفوازير ومشاهدة المسلسلات والأفلام الجديدة.

 وعلى النقيض من يستعد لصيام النهار وقيام الليل وصلة الأرحام والعطف على اليتامى والمساكين والتزوُّد من القرآن والمكث في جلسات العلم، وبسبب تعدُّد نوايا الاستعدادات لشهر رمضان بين المسلمين وتنوعها كان هناك السؤال: هل نجني ثمرة الصيام؟ وما علامة جنيها؟! أم أننا- والعياذ بالله- نكون ممن قال عنهم الرسول:

"رُبَّ صائم ليس من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر"  رواه الحاكم

 ثمرة الصيام هي التقوى، قال تعالى:  

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ 183 البقرة.

والصائم يشعر بتلك الثمرة طوال شهر رمضان، وبخاصة في فترة الصوم؛ لأن الصوم يوقظ الملكة التي تغذي تلك الثمرة وهي ملكة المراقبة، فانظر إلى حالك وأنت صائم، وأجب: ما الذي يمنعك من الأكل والشرب ولو في السر؟! وما الذي يجعلك تتحاشى الوقوع في الزلاَّت والذنوب؟! وما الذي يدفعك لغض البصر؟! وما الذي يحثك على الذكر والصلاة وقراءة القرآن؟! بالرغم من أنك لا تفعل هذا قبل رمضان..!! إنها ملكة المراقبة التي استيقظت بداخلك بفضل الصيام، فجعلتك تراقب نفسك بنفسك دون أن يأمرك أحد، وكأنك تحقَّق فيك قول الرسول- صلى الله عليه وسلم :

" اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك" تخريج السيوطي عن زيد بن أرقم.

 وملكة المراقبة هي المصدر الأساسي الذي يغذي التقوى.

 ولكن شياطين الإنس علمت ذلك فأرادت أن تضيِّع على المسلم جنْيَ ثمرة الصيام بقتل ملكة المراقبة، والأمر لا يحتاج إلى تفكير ولا جدال، فالإجابة عن السؤال تعرف المؤامرة، لماذا في رمضان بالذات- وليس في أي شهر آخر- هذه الحملة الإعلامية الضخمة نهارًا وليلاً وتكون الركيزة الأساسية فيها على العري والرقص والغناء من خلال الفوازير والمسلسلات واللقاءات، بالرغم من أن هناك أحد عشر شهرًا غير شهر رمضان؟! فالمسلم يصوم النهار فتستيقظ فيه ملكة المراقبة، ويجلس ليلاً أمام الفوازير والمسلسلات فتنام تلك الملكة، هنا قد يتهمنا البعض من أصحاب الأهواء بالتخلُّف أو الرجعية فنقول لهم:

أولاً: بالله عليكم.. أين غض البصر في الفوازير والمسلسلات والرسول- صلى الله عليه وسلم:     "زنا العينين النظر" تخريج السيوطي عن علقمة بن الحويرث.

 ثانيًا: يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

"  أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل"  رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت.

فيا أيها الصائم، حينما ينظر الله إليك في نهار رمضان سيراك صائمًا تتنافس في الذكر وقراءة القرآن، وتبحث عن الخير، فإذا جاء الليل فأين سيراك ربك؟! هل تتنافس في قيام الليل ومجالس العلم وصلة الرحم فيباهي بك الملائكة؟! أم سيراك أمام التليفزيون، تحلّ الفوازير وتشاهد التي لبست والتي لم تلبس؟ فهل تستحق أن يباهي بك الملائكة؟!

 ثالثًا: ما هو الصيام؟ الصيام هو الإمساك عن شهوة البطن- الأكل والشرب- والفرج- إتيان الزوجة- وهذه الأشياء حلال، أي أننا نصوم عن الحلال طاعةً لله، أليس أولى بنا أن نمتنع عن الحرام طاعةً لله؟! ومن هنا أخي المسلم ونحن نستقبل هذا الحبيب اعلم:

1- أنك لو أتتك المنية قبل شهر رمضان وكنت تنوي فعل الخيرات نِلت ثوابها وإن لم تؤدِّها، وإن كنت تنوي حلَّ الفوازير ومشاهدة المسلسلات والأفلام والمسرحيات نالتك سيئاتها وإن لم ترَها لقوله تعالى:

 ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾  5الانفطار، أخرت: أي ما كانت تنوي فعله ولكن منعها الموت.

 2- أن شهر رمضان فرصة عظيمة يستطيع من يستغلّها أن يبدأ حياةً جديدةً مليئةً بالأمل والحب والطاعة، بعد أن غفر الله ما مضى من الذنوب- إن شاء الله- لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"  رواه الشيخان عن أبي هريرة.

 3- لك دعوة مستجابة- إن شاء الله- سواءٌ في أمور الدنيا أو الدين عند كل فطر؛ لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

 "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم"  رواه أحمد عن أبي هريرة

 واحذر:

1- من قول الزور والعمل به؛ لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

 "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"  رواه البخاري عن أبي هريرة.

 2- من اللغو والرفث والشجار من الآخرين؛ لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

"إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب؛ فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" متفق عليه عن أبي هريرة.

 3- من أن تفطر يومًا في رمضان بغير عذر شرعي؛ لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

"من أفطر في رمضان من غير رخصة رخَّصها الله له لم يقضِ عنه صيام الدهر كله وإن صامه"  رواه أبو داود عن أبي هريرة.

 وانوِِ:

1- الصيام والقيام وتلاوة القرآن وفعل كل خير تستطيعه.

 2- اعتكاف العشر الأواخر من رمضان لفعل الرسول، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

 "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ" (رواه البخاري)

فإن لم تستطع فبعض الليالي، فإن لم تستطع فبعض الساعات.

 وعلامة جني ثمرة الصيام هي التقوى، يقول عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- حينما سُئل عن التقوى قال: "تقوى الله ليس بصيام النهار وقيام الليل ولا بالخليط بينهما، ولكن تقوى الله بأداء ما افترض الله واجتناب ما نهى الله، فمن رُزق بعد ذلك خيرًا فهو من خير إلى خير".. فإن ظللت بعد رمضان كما كنت فيه فاعلم أنك قد فُزت بها إن شاء الله.

 المطلوب :

استقبال الحبيب وجني الثمرة بإعطاء النفس والأهل هذا الشهر إجازةً، وعدم الاستماع أو مشاهدة الفوازير والأفلام والمسرحيات، فإذا كان الأمر صعبًا على النفس فلنتذكَّر هذا الحديث.. يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم:

 "إن جبريل عرض لي فقال: بعُد من أدرك رمضان فلم يُغفر له، قلت آمين" رواه الحاكم عن كعب بن عجرة.

تقبل الله منا ومنكم.