الحب 6
الحب
6
عبد المعز الحصري
[email protected]
الحب غذاء القلب
سمي القلب قلباً لأنه كثير التقلب فقد يصبح الرجل مؤمناً و يمسي كافراً و قد يمسي
مؤمناً و يصبح كافراً .
و
في الطب يعتبر الأطباء أن رأس القلب : هو الجزء السفلي المدبب في الوضع الطبيعي
الموجود في جسم الإنسان ولعل وضع القلب هكذا – عكس الهرم – من احد اسباب تسميته
بالقلب ،
كأنّ القلب في هذه الوضعية – رأسه الى الأسفل - يخاطبك أيها الانسان أنك خلقت على
الفطرة وها أنا ساجد لله
فأنظر في ملكوت السماوات والارض وفي نفسك لتقرأ كتاب الله المفتوح فترى الكون كله
قد علم صلاته وتسبيحه فلا تغر نّك الحياة الدنيا والنفس والشيطان
يقول ابن قيم الجوزية في كتابه طريق الهجرتين و باب السعادتين : ومن الذي سواه
بمحبته حتى هاجت من قلبك لواعجها و توجهت نحوه سبحانه ركابها و عمَّر قلبك بمحبته
بعد طول الخراب و آنسك بقربه بعد طول الوحشة و الإغتراب ومن تقرب إليك أولاً حتى
تقربت إليه ثم أثابك على هذا التقرب تقرباً آخر فصار التقرب منك محفوفاً بتقربين
منه تعالى : تقرب بعده و تقرب قبله ، و الحب منك محفوفاً
بحبين منه حب قبله و حب بعده و الذكر منك محفوفاً بذكرين : ذكرٌ قبله و ذكر
ٌ بعده ، فلولا سابق ذكره إياك لم يكن من ذلك كله شيء و لا وصل إلى قلبك ذرة مما
وصل إليه من معرفته و توحيده و محبته و خوفه و رجاءه و التوكل عليه و الإنابة إليه
و التقرب إليه .
إن
شعور العبد و شهوده لذكر الله يغني قلبه و يسد فاقته و هذا بخلاف من نسوا الله
فنسيهم .
انتهى قول ابن قيم الجوزية رحمه الله .
و
لقد ورد في الحديث " خير الرزق ما يكفي و خير الذكر
الخفي " اسناده صحيح ، الترغيب والترهيب للمنذري 4/151. و الذكر الخفي من
القلب لا يعلم به إلا الله و قد كان صلى الله عليه و سلم إذا نامت عيناه قلبه
الشريف لا ينام . ففي الحديث " تنام عيني و لا ينام قلبي " روته السيدة عائشة رضي
الله عنها ، المحدث البخاري ، المصدر صحيح البخاري، الصفحة او الرقم 3569
قلت
إذا كان القلب مركز الحب فهنا نستدرك قول يحيى بن معاذ : من تأدب بأدب الله تعالى
صار من أهل محبة الله تعالى ، قلت التأدب بأدب الله : هو أن تتأدب بأوامر الله و
نواهيه فلا يفقدك حيث أمرك و لا يراك حيث نهاك .
قال
القشيري : سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول : العبد يصل بطاعته إلى الجنة و بأدبه في طاعته إلى الله تعالى ( ص 277
الرسالة القشيرية ) .
وقد
كنت أسمع من دعاء سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري رحمه الله ( شيخ المعرة ) :
اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك ، و أقمنا بصدق
العبودية بين يديك ) .
يقول الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي غذاء العقل العلم و غذاء القلب الحب و
غذاء الجسد الأكل و الشرب .
قلت
: إذا كان القلب هو مركز العقل و الحب فيصبح الحب و العلم هما روح القلب و قلب بلا
روح كأنه قلبٌ ميتٌ و قلوب الكفرة قلوبٌ ميتة و كذلك القلوب التي لا تقرأ القرآن .
إن
الذين يعبدون الله عن جهل قلوبهم منكرة لحقائق أثبتها الله في كتابه المقروء وكتابه
المفتوح – الكون - و لذلك يقال أن إبليس جاء بجنوده و قال لهم : تعالوا إلى هذا
العابد لنكفره بالله بدون أن يشعر ، فسأل إبليس العابد هل يستطيع الله أن يضع
السماوات و الأرض و ما فيهن في بيضة !
فأجابه العابد : لا أعرف، فخرج إبليس و جنوده يضحكون و قال : لقد أشرك هذا و هو لا
يدري أن الله على كل شيء قدير .
قلت وكأنِّي انظر الى القلب والذي اخذ حروفه كلها
–أي
كلمة قلب - من القبلة
-
قبلة المسلمين –والقلب
مركزالعقل و الروح والروح تسري وتطير لتطوف بأ ول قبلة – الكعبة المشرفة - وضعت
للناس في الارض ليتَّحد طواف الروح مع الطائفين والقائمين والركع السجود حول الكعبة
الاولى بطواف الملا ئكة و الاجرام السماوية وكانها كلها في سجود و تسبيح و لسان
حالها
يقول:سبحانك
لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك سبحان ذي الملك والملكوت سبحان ذي العزة
والجبروت سبحا ن الحي الذي لايموت ، سبوح قدوس رب الملائكة والروح ( سبحان الله عدد
ماخلق في السماء
سبحان الله عدد ماخلق في الا رض
سبحان الله عدد ما بين ذلك
سبحان
عدد ما هو خالق
والحمد لله مثل ذلك والله أكبر مثل ذلك ولا اله الا الله مثل ذلك ) ، قلتُ :
ولا
حول ولا قوة الا بالله مثل ذلك والصلاة والسلام على سيدنا محمد مثل ذلك وجميع
الأذكار مثل ذلك
وقيل
لما تزوجت زليخة بيوسف عليه السلام لم تنظر اليه فسالها عن ذلك فقالت
من وجد حب الله كيف يجد حب غيره ، قلت لقد دلها
وعلمها يوسف عليه الصلاة والسلام كيف يكون الحب لله وحده فتعلق قلبها بالله ولم
يلتفت قلبها الى غيره والله اعلم ،
وقال الرازي في قوله تعالى: "ما جزاء من اراد باهلك سوءا
الا ان يسجن او عذاب اليم". الى قوله "ان كيدكن
عظيم". من عظم محبتها له ما قالت ان يكون من المسجونين حتى لايطول سجنه بل
قالت ان يسجن فيكفي يوما او بعضه ومن محبتها له قدمت السجن على العذاب لان المحب لا
يعجبه اذى محبوبه وقال ايضا فان قيل قد يكون كيد الرجال اعظم من كيد النساء فكيف
استعظم كيدهن قيل كيدهن في مثل هذا يورث العار وكيد الرجال لا يورث العار ،
ويجدر
بنا ان نعلم اهلنا واولادنا حب الله اولا
وكل حب دونه –دون
حب الله -تابع له وفرع عنه ، عند ذلك يتحقق فينا قوله تعالى: "والذين
امنوا اشد حبا لله
–وما
خلقت الجن والانس الا ليعبدون
--
وقال
جعفر الصادق في قوله تعالى "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع
عن ذكر الله". هم الرجال من بين الرجال على الحقيقة لان الله حفظ سرائرهم عن
الرجوع الى غيره فلا تشغلهم الدنيا وزهرتها ولا الاخرة ونعيمها عن الله تعالى لانهم
في بساتين الانس
وصدق القائل
طلب الحبيب من الحبيب رضاه = ومنى الحبيب من الحبيب لقاه
ابدا يلاحظه بعين قلبه = و القلب يعرف ربه ويراه
يرضى لحبيب من الحبيب بقربه = دون البعاد فما يريد سواه
قيل
كيف يحب الرجل زوجته وولده وربه و القلب واحد
فيقال محبه الزوجة في النفس
و تسمى الشهوة و محبة الولد في الكبد وتسمى الشفقة ومحبه الرب في القلب
قال
يحيى بن معاذ الرازي :
قالوا في تفسير قوله تعالى :
على
لسان آسية
(رب
ابن لي عندك بيتا في الجنة)
، (
انما قالت اسية عندك أولا اختيارا منها للجار قبل الدار
وقالت بيتا وما قالت دارا لان الغالب لا يسكن البيت الا واحد فارادت
الخلوة مع الحبيب فهذه السعيدة كان لها عند ربها
قدم صدق .
حياة القلب
قال
عبد المعز أحمد الحصري : من أراد الحياة لقلبه و منفعته،
فعليه أن يفتح قلبه بذكر الله و يملأه بالعلم و يغذيه بمداد الحب و يحفظه
بالتوبة النصوح و يعطره بالصلاة على النبي – صلى الله عليه و سلم – و يحصنه بترك
المحرمات و قلة الشهوات ويشهد بقلبه الحق في عُلاه ( اعبد
الله كأنك تراه ) ، فبذلك يصلح قلبه و يحيى لله و بالله تعالى .
مفسدات
القلب و عوائقه
اعلم أن مفسدات القلب و عوائقه عن شهود الحق كل ما يشغلك عن الله ، و اعمل على
حقيقة إياك نعبد و إياك نستعين ، فتكون من أهل
الصراط المستقيم من الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و
الصالحين و حسن أولئك رفيقاً ، الذين يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون ، أولئك
المقربون ، في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر
اللهم يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك .
و
صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم و بارك .